فهمي هويدي كاتب معروف بسجله المهني في خوض المعارك الفكرية والاعلامية والسياسية ضد تيارات وشخصيات عدة، وقد حقق في بعض هذه المعارك انتصارات شخصية ضمنت له كثير من الشهرة والصيت، ولكن هذا لا ينفي أن "غلطة الشاطر بألف" كما يقولون، وهذا ما يفعله هويدي حين يخطئ التصويب الإعلامي موجهاً سهامه الإعلامية البغيضة إلى أبوظبي، متهما إياها بخوض حروب لا تدور سوى في مخيلته ومعتبراً أن الدفاع عن صحيح الاسلام وقيمه السمحة ليس سوى "حروب" تخوضها دولة الامارات العربية المتحدة ضد الإسلام السياسي!
بداية، ربما يكون من المفيد وضع النقاط على الحروف وتحديد المفاهيم وضبط المصطلحات كي يتناسب المقال مع مقام الموضوع الذي نحن بصدده، وهو موضوع حيوي وبالغ الدقة، ويتعلق بمصير الأمة العربية والإسلامية، إذ يجب التفرقة تماما بين الإسلام وجماعات ترفع رايات هذا الدين الحنيف زوراً وبهتاناً، بحيث لا يصبح نقد هذه الجماعات مرادف لنقد الإسلام ذاته، فما نريده، وتريده دولتنا وقيادتنا الرشيدة، هو تخليص ديننا الحنيف من براثن الاختطاف القسري والاحتكار اللفظي الذي تمارسه عليه هذه الجماعات الضالة.
وتفنيدا لمقال السيد هويدي، الذي نشره مؤخرا في صحيفة الشروق المصرية بعنوان "حروب أبوظبي"، يمكن ببساطة نزع فتيل أي مصداقية في هذا المقال المتداعي الذي أراد من خلاله تحقيق أهداف إخوانية صرفة لا تخفي على أحد، مستخدما في ذلك خبراته المهنية العريضة، تصريحا تارة وتلميحا تارة أخرى، فالرجل يلجأ منذ السطور الأولى للمقال إلى الأسلوب المفضل للجماعة وكتَابها، وهو الغمز واللمز& بغرض الوقيعة، فيشير إلى تباين مزعوم في وجهات النظر بين إمارات الدولة حيال الموقف من الحرب ضد الارهاب، زاعماً أن لديه معلومات متوافرة بذلك، علماً بأن مسألة بناء الموقف الرسمي حيال الارهاب لا تخضع لنقاش رسمي من أي نوع وليست موضع اختلاف، لا رسمي ولا شعبي، بل هي في صميم موضوعات الاتفاق المجتمعي والرسمي، إذ لا يمكن أساساً لأحد أن يتهاون في قضية بهذه الخطورة على الأمن والاستقرار الوطني.
لم يكذب هويدي بطبيعة الحال في قوله أن أبوظبي تقود التوجه الرسمي الاماراتي في الحرب ضد الارهاب، ولا أدري ما العيب أو الخطأ أو الجديد الطارئ الذي يراه الكاتب في ذلك، فأبوظبي هي عاصمة دولة الاتحاد التي تقود سياسات دولة الامارات العربية المتحدة ملفات السياسة الخارجية جميعها بحكم الدستور والممارسات، وهذا ما يثبته الواقع الفعلي ولا يوجد مايدحضه أو ينفيه سوى ما يسكن خيال "الجماعة" المريض من أوهام وتفسيرات متهافتة للواقع!! وفي هذا النقطة تحديدا يضع الكاتب نفسه موضع الرثاء والشفقة بلجوئه إلى حيلة قديمة لا سند لها ولا برهان حين يحاول الخوض في أمور هي موضع اتفاق داخلي مؤكد، يمكن ملاحظته بسهولة من خلال تصريحات ومواقف رسمية منشورة لجميع قادة وحكام إمارات الدولة في مناسبات مختلفة.
فكرة مقال هويدي انطلقت من خبر يبدو أنه استفزه بدرجة دفعته دفعاً إلى البوح بمكنون الذات، والخبر هو تأسيس مركز "صواب" لمواجهة الفكر المتطرف لتنظيم "داعش" الارهابي، وذلك ضمن اتفاق إماراتي ـ أمريكي، ولدعم جهود التحالف الدولي ضد هذا التنظيم، والغريب أن هويدي قد أعاد في مقاله نشر البيان الرسمي الاماراتي بمناسبة إطلاق مركز "صواب"، والذي يشير إلى أن المركز (يتطلع إلى ايصال أصوات المسلمين وغير المسلمين فى جميع أنحاء العالم ممن يرفضون الممارسات والأفكار المضللة التي يروجها أفراد التنظيم، ولأجل ذلك فإن المركز سيعمل على تسخير وسائل الاتصال والإعلام لتصويب الأفكار الخاطئة وإتاحة مجال أوسع لإسماع الأصوات المعتدلة. وسيتصدى المركز لهذه المهمة من خلال تواصله مع الجمهور عبر الإنترنت ومواجهة وتفنيد الادعاءات الكاذبة والتفسيرات الدينية الخاطئة التي تبثها عناصر التنظيم). لافتا إلى أن التقرير المنشورة تحدثت عن أن مركز «صواب» الجديد يعتبر امتداداً لمبادرات أخرى أطلقتها أبوظبىفى ذات الاتجاه، منها مركز «هداية» لمواجهة التطرف، ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، إضافة إلى مجلس حكماء المسلمين الذى أرسل قوافل إلى ١٥ دولة للدفاع عن سماحة الإسلام واعتداله، ولا أدرى ماذا يستفز السيد هويدي في كل ماسبق!!
تُرى هل تتعارض أهداف هذا المركز مع توجهات هويدي وجماعته ومشروعه الاسلامي؟ الأمر يبدو كذلك بالفعل لأن هويدي قد بادر بنقد الفكرة من زوايا غريبة فاضحة لنواياه، أولها أن الرجل قد أصدر حكماً قاطعاً بأن الامارات لا تعاني مشكلة الارهاب والتطرف، وهذا كلام حق يراد به باطل.. فصحيح أن دولة الامارات العربية المتحدة لا تعاني من هذه الظاهرة البغيضة وتتمتع بالأمن والاستقرار، ولكن هذا الواقع ليس معطى عشوائي بل ثمرة لجهود مكثفة وقائية وعلاجية على هذا الصعيد، إذ من الجهل القطع بأن هناك دولة بل منطقة صغيرة في أي بقعة من العالم محصنة وآمنة تماما ضد الخطط الارهابية! وبالتالي يصبح العمل الوقائي وخطط استئصال الفكري المتطرف والتصدي المبكر له أحد الأدوات والتكتيكات الضرورية اللازمة لأي تخطيط استراتيجي جاد على مدى زمني بعيد.
يقول هويدي أيضا أن الاتفاق قد تم بين دولة الامارات والخارجية الأمريكية، التي لم يعرف لها دور في تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام والمسلمين، وهذا أيضا كلام مقتطع ومعزول عن سياقاته ومعانيه، فليس هناك من ينكر أن مصلحة الولايات المتحدة الامريكية باتت تتمحور حول التعاون مع دول ومؤسسات عربية وإسلامية لاستئصال جذور الفكر المتطرف ضمن استراتيجيات المواجهة الشاملة للإرهاب وعدم حصر البدائل في الأطر الأمنية والعسكرية فقط، والمسألة في هذه الجزئية لا تتعلق بدفاع الجانب الأمريكي عن الدين الإسلامي بل في مصلحتها في القضاء على التطرف والارهاب الذي يعانيه الأمريكيين مثلما تعانيه شعوب العالم العربي والإسلامي على حد سواء. واعتقد أن السيد هويدي يدرك هذه الجزئية تماما بحكم خبرته السياسية الطويلة ولكنه يريد أن يلبس الحق بالباطل ويخلط الأوراق في سبيل استفز الشعور العام وتهييج عواطف البسطاء ضد دولة الامارات العربية المتحدة، ليمارس بذلك لعبة الشحن العاطفي والمعنوي التي تجيدها جماعات الاسلام السياسي جيدا ضد الغرب.
يمضي هويدي في نقده قائلاً أنه لا فرق يذكر بين مبادرة مركز "صواب" الجديد والمبادرات الأخرى التي اطلقتها الإمارات وتصب فيالاتجاه ذاته، حيث لا فرق يذكر ـ برأيه ـ بين مركز "هداية" ومركز "صواب" ودورهما ليس بعيدا تماما عن مهام منتدى تعزيز السلم أو مجلس حكماء المسلمين، وهذا شأن خصا للكاتب الذي لم يكلف نفسه عناء الاطلاع على مواقع هذه المؤسسات للتعرف إلى دور كل منها وفهم حدود الاختلاف في المهام الوظيفية والأهداف والجمهور ومجالات العمل ونطاقاته. وحتى لو افترضنا صحة مايزعمه الكاتب بانتفاء أي فروقات نوعية بين هذه المبادرات، فماذا يضير الكاتب أو غيره إذا كانت دولة الامارات العربية المتحدة تسعى لتحقيق هدف مكافحة التطرف عبر مؤسسات ومبادرات عدة بأسماء ومسميات مختلفة، ألا يستحق هذا الهدف الانساني والديني الأسمى هذا العناء والجهد وحتى التمويل والتخطيط؟!
اما فكرة عدم وجود "مشكلة لأبوظبي مع الارهاب أو جماعات الإسلام السياسي" فهذا شأن سيادي إماراتي صرف، ونعتقد أنه ليس من حق الكاتب أو غيره تقييم الموقف وتقدير حدود أو سقف القرار الاماراتي في هذا الشأن، وهذا لا ينفي بطبيعة الحال حق أي كاتب أو مثقف في إبداء الرأي تجاه هذ المسألة ودور الامارات فيها ولكن ينبغي التفرقة بين إبداء الرأي ومصادرة حق الدول والشعوب في الدفاع عن نفسها واتخاذ القرارات وتبني الخطط والسياسات التي تراها كفيلا بضمان أمنها واستقرارها.
أحيانا يحرص السيد هويدي في مقاله على لعب دور المدافع عن الحقوق والحريات، ثم نجده ينقلب فجأة إلى لعب دور "أمني" حين يدس في مقاله ما يعتبره "معلومات" يكتبها بصيغة هي في حقيقتها "بلاغات" ضد مايزعم أنه تمويل إماراتي لأنشطة بحثية وحقوقية في بعض الدول العربية والأوروبية، متمسكاً بل ووفياً للطريقة المعتادة التي يألفها جيدا طيلة تاريخه المهني في التعامل مع خصومه واعدائه على الصعيد الثقافي والفكري ليضع من خلالها نهاية للسجالات والتراشق الكلامي على طريقته، وهذا حق مشروع له في الإبلاغ عما يعتبره أنشطة غير مشروعة سياسيا أو إعلاميا أو قانونياً، ولكن ما يتجاوز حقه في هذا المجال أنه يعود في نهاية مقاله لينصب نفسه حكماً على قدرات العمل الاماراتية ويقطع بأن خطط الامارات في هذا الشأن تتجاوز مواردها البشرية الخبيرة بهذه الأعمال!! ولا ندري إن كان أحدهم قد اشتكى له ضعف مواردنا البشرية في هذا المجال، أم ان أحدهم طلب منه مد يد العون لتنفيذ تلك الخطط؟ حيث تبدو حجته في ذلك واهية ومتهافتة بل وسخيفة لأنه يقحم نفسه بشكل غبي في مسألة لا مقدرة لديه على الحكم عليها أو استنباط النتائج فيها، خصوصا أن المسألة تتعلق بمؤسسات تعتمد تقنيات حديثة للتواصل والتراسل الالكتروني و لا تحتاج إلى جيوش من الموظفين والعاملين كما يعتقد الكاتب، الذي بدو معزولاً عن سياقات العمل الاحترافي والمهني في العصر الراهن تماماً.
أخيراً يحاول هويدي استدرار التعاطف الشعبي حين يزعم أن الامارات تكثف الانفاق على ماهو سياسي رغم قلة مردوده وتتجاهل كل ماهو انساني على أهميته البالغة وأنه لا حضور لها على صعيد العمل الانساني في العالم العربي، وهنا يقع الكاتب في فخ الكذب البواح وينفجر ذاتياً بفعل شحنات الحقد المتراكمة داخله حيال الامارات، لأنه لا يمكن لعاقل التسليم بأن فهمي هويدي غافل أو يجهل حجم العمل الانساني الاماراتي الضخم في العالم بشكل عام وفي الدول العربية بشكل خاص! فالاستسلام لجهله بهذا الموضوع الجوهري تغييب للوعي ومن ثم فإن الأقرب للمنطق هو حرصه الشديد على الكذب والادعاء بالزور والبهتان العمدي في محاولة لتشويه الصورة الذهنية ناصعة البياض للإمارات وشعبها وقيادتها الرشيدة.
لا أقول كف عن الكذب والادعاء يا سيد هويدي، ولكني أقول لقد فضحت بقلمك نواياك، ووجهت سهامك المسمومة صوب الهدف الخطأ، فالإمارات أكبر وأنقى من أن تنالها بادعاءات كاذبة مكشوفة، ودعائي أن يحفظ الله الامارات وشعبها من حقد الحاقدين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

&