&
ليس المهم من وجهة التحليل الواقعي للأزمة اليونانية ان يوافق برلمانها عبر جلستين صاخبيتن علي الإجراءات والضمانات التى فرضها الدائنون علي حكومة اليكسيس تسيبراس مقابل الحصول علي حزمة الانقاذ المالي الثالثة التى وعدوا بها، لكن المهم ان يتم تنفيذ السياسات التقشفية التى قبلت بها لتجنب كارثة الإفلاس والأنهيار الاقتصادي !! التى لاحت بوادرها منذ عام 2001، ولم يتَصد لها مسئوليها بالعلاج الذاتي الناجع آنذاك، فتفاقمت عام 2009 خلال تعرض الدول الرأسمالية للأزمة العالمية. .
&
إذن. . بداية الأزمة اليونانية كانت قبل خمس سنوات، ولكنها&تصاعدت بشكل حاد وصادم علي أثر إنتخاب حكومتها اليسارية الجديدة منذ حوالس ستة أشهر، لأن برنامج حزب سيريزا الفائز الذي اختاره الشعب بأغلبية كبيرة ليُشكل حكومته الجديدة إرتكز علي رفض سياسات فرض الأمر الواقع التى دأب عليها الدائنون – المفوضية الأوربية و البنك المركزي الأوربي وصندوق النقد الدولي – منذ منتصف عام 2010. .
&
وفتحت المواجهة التى جرت بين الطرفين، حكومة اليونان الجديدة والدائنون، منذ فبراير الماضي الباب علي مصراعية لكي يتبادل الإقتصاديون الرأي حول أفق حل الأزمة التى إن عصفت اليوم باليونان ربما تعصف غدا باسباينا والبرتغال و إيطاليا وإسكتلندا.&
&
ودفعت كبار الإقتصاديين في الغرب إلي تبادل الرأي حول سلبيات النظام الرأسمالي وسوءات سياسات الإقراض التى يفرضها الدائنون علي حكومات الدول المدينة، بغية التوصل إلي نوع جديد من أنماط وخطط إقراض الدولة المأزومة بحيث لا تتفاقم أزماتها كما وقع لليونان.&
&
الوضع الحالي بين اليونان ودائنيها يتمثل في&وقوع اليونان تحت وطأة دين خارجي بلغ في نهاية العام الماضي 320 مليار يورو، يمثل 180 % من إجمالي حجم انتاجها المحلي – هي الأعلي علي مستوي دول الإتحاد الأوربي – لأنها إضطرت للإقتراض من دائيها الثلاثة مرتين عامي 2010 و 2012 لتجنب الإفلاس المالي والإنهيار الإقتصادي. . ولأنها في نفس الوقت لم تلتزم ببرنامجي الإصلاح والتقشف الذين فرضا عليها في المرتين وتركت الحبل علي غاربه للفساد والتهرب الضريبي، فأكلا الأخضر واليابس طوال الخمسة أعوام الماضية. .
&
و رفض ثلاثي الدائنون القاطع تقديم قرض للمرة الثالثة دون أن يكون بين يديه خطة لحكومة اليونان واضحة المعالم تنص صراحة علي إتباع خطوات عملية مقننة لخفض الإنفاق العام و زيادة حصيلة الضريبة التى تفرضها الدولة و تزيد من نطاق سياسات السوق الحرة الموسعة و تعمل علي تطبيق خطط مختلفة للخصخصة وفق برنامج زمني قصير ومتوسط المدي. .
&
ويرجع تمسك مجموعة الدائين بقرار الرفض القاطع، إلي أن حكومات اليونان السابقة التى إستدانت عامي 2010 و 2012 لم تلتزم التزاماً صارماً ببرامج الإصلاح الإقتصادي التي فرض عليها في حينه، فلم تحارب الفساد الذي يضرب اوساطها الإقتصادية والسياسية والإجتماعية بشكل ملحوظ ومعروف، ولم تعمل علي خفض عجز موازناتها بالشكل المطلوب وسارت في درب الانفاق الحكومى المنفلت إلي أبعد حد. .
&
وبرغم الدفاع المستميت الذي يقدمه الكثير من الاقتصاديون العالميون لتأكيد حق الدائنون في فرض شروطهم الجديدة علي الحكومة اليونانية في ضوء تجربتهم معها عامي 2010 و 2012، إلا أنهم يعترفون صراحة أن الإشتراطات التى فرضوها مقابل توفير تمويل قدره 110 مليار يوريو ثم 130 مليار يورو كانوا يهدفون من ورائها دفع أثينا إلي الأخذ بسياسات تقشفية قاسية من ناحية وفرض آليات سداد اقساط الديون في مواعيدها من ناحية أخري. .
&
أي انهم لم يراعوا في المرتين توفير وسائل تساعد تلك الحكومات آنذاك علي تبني خطط تنموية قصييرة ومتوسطة المدي تراعي إحتياجات المواطن البسيط. .
&
وكانت النتيجة:
&
- إنكماش الإقتصادي اليوناني بنسبة 25 %
&
- إرتفاع نسبة البطالة بين الشباب إلي مستوي 50 %
&
- إقتراب البلاد من حافة الهاوية والإفلاس
&
الإشكالية التى لا بد من إيجاد حل لها بين الطرفين، تفرض عليهما ضرورة التوصل إلي صيغة للتعاون تجمع بين أمرين متضادين من وجهة نظر الدائنين. .
&
1 – برامج التقشف القائمة علي سياسات الإصلاح الإقتصادي لتحقيق معدلات سداد المديونيات في تواريخها المستحقة. .
&
و 2 – الدفع بسياسات التنمية المستدامة التي تحقق قدر معقول من العدالة الإجتماعية إلي الأمام. .
&
من المنتظر بعد المناقشات المرتقبة للبرلمان الأوربي ان يوافق الدائنون علي تقديم مبلغ 86 مليار يوريو لحكومة اليونان لكي تتمكن من سداد ديونها القديمة من ناحية، وتبدأ فورا من ناحية ثانية في تطبيق سياسة التقشف التى وافق عليها برلمانها بنسبة عالية وفي مقدمتها:
&
- الخفض الفوري لعجز الموازنة. .
&
- زيادة ضريبة القيمة المضافة وضريب الدخل علي الشركات. .
&
- رفع سن التقاعد. .
&
- تخفيض شرائح قيمة المعاشات لبعض فئات المجتمع. .
&
- زيادة مخصصات البنوك. .
&
- اعادة العمل بسياسات خصصة القطاع العام وفق جدول زمني قصير الأمد. .
&
- انشاء صندوق سيادي تحت إشرف جهة يونانية مستقلة تحت رقابة وزارء مالية الاتحاد الأوربي. .
&
هل من بارقة أمل؟؟. .
&
حكومة ألمانيا التى تمثل نموذج الإنضباط إقترحت في اوائل شهر يولية الحالي أن تُجمد عضوية اليونان في الاتحاد الأوربي لمدة خمس سنوات. . لكن فرنسا تبنت رفض هذا المقترح عن طريق التنسيق مع بقية الأعضاء، فتم لها ما أرادت. .
&
حكومة ألمانيا لا تري بديلاً عن فرض قيود صارمة علي حكومة اليونان، لأنه لا يوجد مبرر لمعاملها معاملة خاصة لأنها لم تأخذ عبرة من دول مثل النمسا وفنلندا وهولندا ولوكسمبرج التى سبق لها أن إستدانت والتزمت بشروط الدين التى فرضت عليها ونجحت إلي حد كبير في تطبيق سياسات التقشف التى فرضت عليها.&
&
حكومات إيطاليا وقبرص وأسبانيا والبرتغال تُبدي تعاطفاً ملموساً مع حكومة اليونان، لأنها جميعا تعاني بنسبة أو بأخري من نفس مشكلها المالية وان كانت لم تبلغ حافة الهاوية بعد !! وتنتظر ما سيسفر عنه صراعها مع الدائنين لكي تحذوا حذوها. .
&
الغالبية العظمي من أعضاء الإتحاد الأوربي والمؤسسات المالية الدولية لا يرغبون في طرد اليونان من منطقة اليورو، يريدون فقط أن يضنموا وبكافة السبل أن حكومتها الحالية ستُوفي بتعهداتها التى ستوقع عليها عندما يتم ضخ عدة مليار من نقدية اليورو في حسابتها. . لا يريدون أن يلدغوا من أثينا مرة ثالثة، لا يعنيهم من قريب أو من بعيد أن يأتي هذا الوفاء علي حساب الغالبية العظمي من أبنائها. . كل ما يهمهم أن يتبقي في خزانتها المبلغ الكافي لسداد أقساط الدين جاع شعبها او شبع !! ثار ام لم يثر !! أنتج أم لم ينتج !! سار في طريق التنمية أم في طريق الهلاك.
&
أما رئيس وزارء اليونان وتحالفه اليساري سيريزا فيَسعون بكل جهدهم لكي لا تسقط دولة اليونان في غيابات الإفلاس والإنهيار المادي والمعنوي.&
&
اليكسيس تسيبراس لديه الإستعداد والشجاعة ان يضع المجتمع اليوناني أمام تحدياته المصيرية وأن يتوصل إلي معادلة جادة وعملية وقابلة للتطبيق تحقق مستوايات معتدلة من التقشف وتعمل علي خفض النفقات الحكومية الهائلة وتضخ للخزانة العامة حجم أموال أكبر نتيجة رفع سقف الضرائب وخفض المعاشات وتوسيع رقعة السوق الحرة وبيع المزيد من شركات القطاع العام في سوق الخصخصة، وتضمن في نفس الوقت إحياء سياسات التنمية الإقتصادية في أدني مستوياتها لكي يحافظ علي مفهوم العدالة الإجتماعية وفق المعايير التى وضعها الإتحاد الأوربي. .
&
من وجهة نظر الكثير من المراقبون فان&ثلاثي الدائنين سيحصلون علي موافقة البرلمان الأوربي لكي يمنحوا الحكومة اليونانية القسط الأول من القرض الجديد. .
&
أما حكومة اليونان فلن تكتفي ببذل كل جهدها للبرهنة علي احترامها لتعهداتها، ولكنها ستعمل ايضا علي اتخاذ سياسات تنموية تقلص بها نسبة البطالة وترفع من نسبة العائد العام. .
&
المهم عندي&أن تتمكن الحكومة المدعومة بتأييد غالبية شعبها من إفراز نموذج للحكم يراعي التزاماته الدولية من ناحية وحقوق شعبة في الحياة الكريمة من ناحية أخري. .
&
وأقول&إذا نجح اليسار اليوناني في ذلك ستمنح حكومته الفرصة لحكومات كثيرة تعاني من ضغوط لا قبل لأخرين بها أن تحذو حذوها وتستنسخ خطتها أو ما يناسبها منها. .
&
وان غداً لناظره قريب.
&
* استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا. co.ukyahoodrhassanelmassry@

&