قبل نحو ثماني سنوات ذهبت إلى الشهر العقاري في حي الدقي لتسجيل شقة في احدى المناطق الجديدة، رأيت أكواما من الملفات أمام الموظف سألته: لماذا لا تستخدمون أجهزة الحاسب كما في دول العالم لتوفير الوقت والجهد؟. فرد علي بنظرة استغراب وقال لي: إذا استخدمنا أجهزة الحاسب راح نشحت نحن معشر الموظفين لا نعتمد على الراتب الشهري، فدخل كل مواطن يوميا من الإكراميات (الرشا) يعادل راتب شهر، قلت له أهنئك على صراحتك، واستمتع ورفاقك بالحرام إلى حين. تركت المصلحة ولم أسجل الشقة حتى الآن.

اليوم يحكي لي زميل بأنه يجدد رخصته عبر الأنترنت، ويعرف مخالفات المرور أون لاين بل ويدفع عبر الويب سايت، ويقدم تظلما إذا وجد المبلغ كبيرا، ويقبل التظلم، ويخفض المبلغ كل ذلك عبر الانترنت، قلت ده تطور مذهل، هكذا هو الحال في الإمارات التي عشت فيها عقد ونصف ولندن التي مكثت فيها بضعة أشهر، هناك الحكومة الالكترونية كل شيء يتم عبر النت دفع فواتير الكهرباء والمخالفات المرورية، واستخراج شهادات ميلاد وتجديد عقد الإيجار وغيرها من الخدمات، حتى لو اقتضى الأمر مراجعة موظف الشباك تجد اماكن مكيفة مريحة تأخذ رقما وتنتظر دورك وتنهي معاملتك في ثوان معدودة، في مصر القديمة كان الواحد يقف فى المرور 5 ساعات على الأقل لتجديد رخصة او دفع المخالفات إذا رغبت في التقدم بالتظلم،كان عليك التوجه الى فى الادارة العامة للمرور في حي الدراسة، وتلف كعب داير حتى أن البعض كان يدفع الغرامة بدل البهدلة هنا وهناك.

هذه هى مصر نفسها التى يهب فيها حريق يقتل العشرات في مصنع خشب في العبور بسبب الإهمال، ويحمل قائد مركب منعدم الضمير مركبه الصغير أكثر من ستين شخص مع أن حمولته لا تتعدي العشرين فيغرق المركب بمن فيه، وتضيع المسؤولية بين هيئة النقل النهري ووزارة الري وشرطة المسطحات المائية، وتصطدم سيارة ميكروباص تحمل عشرات الارواح بسيارة ملاكي بسبب سرعة زائدة من سائق أرعن يريد إنجاز كذا مشوار في وقت قياسي.

هذه هى مصر نفسها التى بدأت الاستعداد لافتتاح قناة السويس الجديدة في 6 أغسطس المقبل، ومرت بالفعل أول 3 سفن عملاقة في المجرى الجديد، وهو إنجاز ضخم يتم فى وقت قياسى، وهو ما يبشر بأن الخير قادم مع انشاء المنطقة الحرة التي أرى أنها ستنقل مصر من العالم الثالث إلى العالم الثاني على الأقل لأنها ستوفر 100 مليار دولار سنصرف منها على التعليم والصحة والبحث العلمي وسنقضي تدريجيا على البطالة لأن المنطقة الحرة ستوفر على الأقل مليون فرصة عمل.

هذه هى مصر نفسها حين تسير تسير في طرق حي أكتوبر او المحور او على طريق القاهرة - الإسكندرية تشعر وكأنك تسير في الطريق من أبو ظبي إلى دبي أو في طريق هاي واي بين باريس وجنيف، لكن حين تسير بسيارتك، وهذه عن تجربة في مدينة سياحية مثل الغردقة تجد مطبات «قاتلة » لك ولسيارتك، صنعها أناس منعدمو الضمير أوغير مؤهلين، هذه هي مصر ذاتها التي ترى قبح مبانيها المتهالكة حين تسير على الدائري في الطريق إلى المطار عشش في قلب القاهرة

حول مبنى الإذاعة والتليفزيون (ماسبيرو) والخارجية وحول مناطق اثرية كالقلعة والدراسة.

نحن بين مصرين، مصر قديمة نعيش فيها وتعيش فينا، ومصر جديدة متطورة نسعى إلى أن نعيش فيها وينعم بها أولادنا وأحفادنا.

كل مصرى بين خيارين، الأول أن يشحذ الهمم ويتعهد بأن يكون واحدا ممن يساهموا فى تكوين مصر الجديدة التي نسعى إليها والثاني أن يظل كما هو ليبقى شاهداً على مصر القديمة.