في طريق بحثنا عن ظهور الارهاب في بلداننا نصطدم بعدة أسباب لم تعالجها الحكومات أثناء ادارتها لبلدانها، وهذه الأسباب تكون ثغرات صغيرة في البداية ولكنها تتوسع شيئا فشيئا حتى تصبح مشكلة كبيرة تهدد أمن واستقرار البلدان، من بين هذه الأسباب وجود المعارضة.

وقبل أن نخوض غمار الموضوع علينا أن ندرك أن أي حكومة تنفي وجود معارضين في البلد فهي حكومة كاذبة، بل غالبا يتزايد عدد المعارضين في هذه البلدان أكثر من غيرها، واذا كان ربنا عزوجل وهو الكمال المطلق الأزلي سمح بمعارضة الشيطان له، ولم يسجنه أو يعذبه أو يبيده رغم قدرته الكاملة على ذلك، واذا كان من البشر من يعترض على ربنا جل وعلا ويجحد وجوده ويكفر به ورغم ذلك لا يقضي عليه بل يمده برزقه ويسمح له بالاقامة على أرضه، فهل من المعقول أن لا يكون للبشر معارضين؟

من هنا فان وجود المعارضين الذين غالبا ما يلتقون فيما بينهم وينسقون جهودهم في اطار واحد وجماعة واحدة تتطور بالتدريج الى حزب وتنظيم، أمر طبيعي في كل البلدان، بل ان عدم وجود المعارضين في بلد ما شذوذ عن القاعدة، ولكن لماذا ترتعد الحكومات من المعارضة وتحاول بشتى الأساليب والوسائل القضاء عليها والتخلص منها؟ حتى أن دناءة وجشع بعض الحكومات يبلغ حدا انها ترتكب أبشع الجرائم ثم تلقيها على عاتق المعارضة، لتشوه صورتها وتبقى في الحكم دون منازع ومعارض.

بينما المعارضة سلاح ذوحدين، يمكنه أن يطيح الحكومات اذا لم تحسن استخدامه، وفي نفس الوقت يمكنه أن يكون سببا رئيسيا في بقائها اذا احسنت استخدامه، عبر اجراء انتخابات نزيهة وشفافة يختار فيها الشعب بحرية مطلقة الحكومة على المعارضة.

التعددية الحزبية ركن أساسي من أركان الديمقراطية، ولكن عندما تلقي النخبة في بلداننا نظرة سريعة على البلدان التي نعيش فيها، وترى افتقادها لمبدأ التعددية، تتصور ان التاريخ السياسي الاسلامي يخلو من هذا المبدأ ولم يكتشفه المسلمون الأوائل ولا حكامهم ولم يعملوا به، بينما التاريخ الاسلامي مليء بالنماذج التي تدلل على ايمان الكثير من حكام المسلمين الأوائل بهذا المبدأ وتطبيقهم له.

من بين هذه النماذج تعامل الامام علي عليه السلام مع الخوارج، في بداية معارضتهم له وعدم حملهم للسلاح، ومع اننا الشيعة نعتقد ان الامام علي يتمتع بشرعية الولاية التكوينية ولا يجوز الاعتراض عليه ولكن رغم ذلك، اعترف بالمعارضة في حينها وسمح لها بالوجود ولم يقمعها أو ينكل بها ما دامت لم تلجأ للعنف وحمل السلاح، بل وضع قاعدة ذهبية لكل الحكومات في التعامل مع المعارضة حينما خاطب معارضيه قائلا "أما انّ لكم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، و لانمنعكم الفيء مادامت أيديكم مع أيدينا، ولانقاتلكم حتّى تبدؤونا".

مبدأ التعامل مع المعارضة يرتكز على ثلاث أسس كما يبينها الامام علي عليه السلام، الأول السماح لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم، وربما يستشف الفقهاء من هذه الركيزة، السماح للمعارضة بممارسة أي نشاط سلمي ترتأيه، الثاني، منح المعارضة كل الحقوق الاقتصادية التي تمنحها الحكومة لسائر أبناء الشعب، هذا بغض النظر عن حريتها في النشاط الاقتصادي، الثالث، أن لا تبدأ الحكومة بالمواجهة العسكرية والملاحقة والقتل والاعدامات.

هل تتعامل الكثير من بلداننا الاسلامية مع المعارضة وفق هذه الاسس؟ اننا نرى أن أغلب البلدان الاسلامية لا تعترف بوجود المعارضة ولا بشرعيتها فضلا عن السماح لها بالنشاط، وقد بلغ قمع بعض البلدان الاسلامية للمعارضة أنها تطارد أقارب الدرجة الأولى والثانية والثالثة المعارض السياسي، وتمنعهم من الوظائف الحكومية بل تسلب منهم هوياتهم وجوازاتهم وتطاردهم في نشاطهم الاقتصادي فضلا عن أن تقدم لهم المنح الاقتصادية التي ربما تمنحها لسائر أبناء الشعب، هذا في الوقت الذي يعلن فيه المعارضون أنهم يرفضون اللجوء الى القوة وأنهم لن يشهروا السلاح في وجه السلطة، ومع ذلك فان الحكومات تبادر الى قتالهم ونصب المشانق لهم وقتلهم.

نعم من حق السلطات (وفقا لهذا المبدأ) أن تطارد وتقمع وتقاتل المعارضة اذا استخدمت السلاح ولجأت للعنف في معارضتها للنظام الحاكم، غير أن اغلب الحكومات تبادر الى استخدام العنف ضد المعارضة، لا لشيء سوى أنها تخشى أن المعارضة ستطيح بها، والملفت للنظر أن الحكومات تبدد الثروات وتوظف الجهود والامكانات الجبارة من أجل اقناع الشعب أن المعارضة لا تخدم مصالحه، بينما لو كانت هذه الحكومات صادقة فيما تقول لسمحت للشعب باختيار من يريده ولربما صوت لصالحها وليس للمعارضة.

وبما انني أشرت آنفا الى الولاية التكوينية للامام علي وأهل البيت عليهم السلام حيث نعتقد أن شرعية ولايتهم يستمدونها من الله عزوجل، فهنا أود الاشارة الى قضية ملفتة للغاية وهي، أن الحكومة الشيعية الوحيدة في العالم وهي الحكومة الايرانية تعتمد مبدأ تداول السلطة وتغيرت 8 حكومات منذ تأسيس الثورة الى هذا اليوم، بينما الحكومات السنية والتي من المفترض أن تعتمد المذاهب السنية التي ترفض الولاية التكوينية وتدعو الى الشورى والبيعة، إلا أن أغلبها وراثية وليس فيها تداول للسلطة ولا انتخابات (المعنى المستحدث للبيعة).

&