بعد مرور أكثر من أربع سنوات على بدء الحرب في سوريا التي أودت بحياة ما يقارب من 300 ألف شخص، لم يعد "بشار الأسد" قادرا على الدفاع عن البلاد بكاملها، أو أن يأمل في إستعادة الأراضي التي فقدها نظامه، وأن وعده بأنه سيحقق النصر في نهاية عام 2014 قد يكون تلاشى إلى الأبد. وفي خطابه الأخير إعترف ضمنا بأن جيشه يواجه نقصا في الطاقة البشرية، وأنه لا يستطيع المحاربة على كل الجبهات حتى لا يخسر المزيد من الأراضي، وأنه يتخلى عن مناطق من أجل مناطق أخرى مهمة يتمسك بها. نظام الأسد لا يسيطر حاليا إلا على مساحة تتراوح ما بين 25% إلى 30% فقط من الأراضي السورية الكاملة.

منذ شهر مارس من العام الحالي، فقد نظام "الأسد" المزيد من الأراضي، وأنسحب الجيش السوري الذي تقلص حجمه والقوات المتحالفة معه إلى خطوط يعتبر الدفاع عنها أسهل. وظهرت أول بوادر على تغير شكل هذه الحرب الضروس مع سقوط مدينة إدلب في شمال غرب البلاد في شهر مارس، تلتها بوقت قصير مدينة جسر الشغور، البلدة ذات الأهمية الإستراتيجية التي تفتح الطريق إلى اللاذقية والساحل معقل الأقلية العلوية التي تنتمي لها عائلة "الأسد".&

الحديث عن تقسيم سوريا ليس بجديد، لكنه يعود بقوة هذه الأيام. مراكز أبحاث غربية تتداول تقارير عن نقاشات أمريكية – روسية في هذا الشأن، وفي تقديرها أن هذه النقاشات هي السبب الحقيقي لإحتدام الحرب على أكثر من جبهة، حيث يحاول كل فريق توسيع رقعة مكاسبه قبل أي وقف محتمل للقتال.

إستنادا إلى هذه التقارير، يحتفظ "الأسد" بالسيطرة على المناطق المحيطة بدمشق، وبممر إلى الجولان، إضافة إلى المنطقة الساحلية المحيطة بطرطوس حيث القاعدة البحرية الروسية الوحيدة في الشرق الأوسط، هذه حدود الدولة العلوية التي كثر الحديث عنها. والثوار يبسطون سيطرتهم على شمال سوريا وجنوبها حيث وسعوا نفوذهم في الفترة الأخيرة. أما "دولة الخلافة" فلا يزال أمرها غير محسوم.

سواء صحت هذه التقارير أو لم تصح، سوريا لن ترجع كما كانت قبل إنتفاضة عام 2011. يقول السيد "فواز جرجس" أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للإقتصاد: "إن سوريا القديمة – الدولة القومية والدولة نفسها لم يعد لها وجود، ما لدينا الآن هو إقتتال وعشائر متنافسة، وكيانات غير تابعة للدولة وقادة فصائل. سيكون من الصعب للغاية إعادة سوريا لتكون دولة واحدة، إنفصمت عرى النسيج الإجتماعي والصلات القوية التي تحافظ على تماسكه".

وفي حال إتفاق الدول الكبرى على فرض التسوية السلمية التي يعمل على تحقيقها المبعوث الدولي "ستيفان دي مستورا" عبر عقد "جنيف 3"، فإن الخاسر الأكبر – في إعتقادي الشخصي – هو "الأسد" وحاشيته التي تحكم سوريا منذ مطلع السبعينيات من القرن المنصرم. فالتسوية السلمية قد تقترح فترة حكم إنتقالية لمدة سنتان أو ثلاث سنوات، يبقى خلالها "الأسد" رئيسا رمزيا للبلاد بدون صلاحيات أو بصلاحيات محدودة جدا، وتكون الصلاحيات الحقيقية لإدارة الدولة في عهدة مجلس حكم إنتقالي يضم ممثلين لكل مكونات المجتمع السوري.

بعد الفترة الإنتقالية، من الطبيعي والمنطقي أن تجرى إنتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة. وفي هذه الحالة ستكون الغلبة لأكثرية مكونات الشعب السوري من العرب المسلمين والأكراد. الأكراد بدورهم – في أي نظام حكم سوري جديد - سيطالبون بحكم ذاتي في مناطقهم أسوة بإخوتهم الأكراد في العراق، وسوف يحصلون على طلبهم هذا الذي سيقره دستور البلاد الجديد.

من هنا سوف تبدأ مآسي الشعب السوري. كوننا شعوبا لا تؤمن بثقافة التسامح، وعفا الله عما سلف، ستبدأ عمليات الثأر والإنتقام ضد الأقلية العلوية ومن وقف معهم من الأقليات الأخرى كما حدث ولا يزال يحدث في العراق حتى يومنا هذا. ستكون هناك – في إعتقادي الشخصي - مذابح رهيبة شبيهة بتلك التي حدثت في البوسنة والهرسك في تسعينيات القرن الماضي، ما لم يكن الإتفاق الذي ينظم العملية السياسية الجديدة ينص على وجود قوات عسكرية دولية على الأراضي السورية، مهمتها الفصل بين الأطراف المتحاربة، وتثبيت وقف القتال بينها حتى تستقر العملية السياسية.&

العراق واقعا وعمليا، مقسم جغرافيا وديموغرافيا وسياسيا وإقتصاديا حسب مكوناته الثلاثة الرئيسية "العرب الشيعة والعرب السنة والأكراد"، ولا يوجد تجانس بينهم، بل في الحقيقة هناك تنافر وكره وعدم ثقة. وعليه، نأمل أن لا يستنسخ هذا النموذج الفاشل في سوريا.&