على الرغم من كل الشواهد التي تدل على الفشل الذريع لنظم الإسلام السياسي في المنطقة، لا يزال البعض مصرا على القول بوجوب ان تكون الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع ان لم تكن هي القانون الساري فعلا. فمقارنة بسيطة بماضي دول المنطقة حينما كانت تقاد من خلال القوانين الوضعية والان بعد ان شاعت ظاهرة ان تكون القوانين مستمدة من الشريعة تظهر تباينا فعلا لصالح الماضي من كل جوانب الحياة. فكل العالم على وجه التقريب سار أشواط في طريق التقدم، الا دول منطقتنا التي سارت أشواط نحو التخلف والتراجع في كل مجالات الحياة. ناهيك عن استشراء الامراض الاجتماعية الناتجة عن حالة الانغلاق والانعزال التي يقوم بفرضها الاسلامويين بحجة ان يجب ان تشيع مظاهر الإسلام كل مناحي الحياة. ولعل من اخطر الامراض التي شاعت وانتشرت هي ظاهرة الظاهر والباطن، اي ان يكون لك ظاهر تدعي به، كالورع والايمان والتقوة، ولكن الباطن مغاير ومعاكس، فهناك تحليل للسرقة والقتل ووالاغتصاب والتعذيب، ولعل شيوع اللصوصية والسرقة بين انصار الأحزاب الإسلامية في العراق يدلل على ذلك.

في مقالة كتبتها قبل سنوات، قلت اننا نريد العيش مع الكورد لانهم اكثرعلمانية من غيرهم، ولكن الظاهر ان ما بات يتم سلقه سواء من خلال الاعلام او لجنة إعادة النظر في دستور إقليم كوردستان، يدعونا الى ان نخاف من ترسخ الإسلام السياسي ورغبته في فرض اجندته على الكل. ورغم ان النظام العلماني هو الأفضل لتسيير أمور الدولة، لانه سيحكم بانظمة وقوانين نابعة من المجتمع وتطلعاته وحقيقة مشاكله، ولأنه يمكن ان يتعرض للنقد والتصحيح والتطوير، بعكس القوانين المستندة الى الشريعة والتي يمكن بسهولة القول انها الاهية. الا ان التوجه الإسلامي يسير معصوب العينين نحو جر المنطقة كلها نحو هاوية الانغلاق والكبت ومن ثم الانفجار الاجتماعي الذي لن يبقى على اثر من المدنية في المنطقة.

في الأساس لا يوجد لا في الماضي ولا في الحاضر شيء اسمه الدولة الإسلامية، فالدولة مفهوم مؤسساتي وليس شخص واعي يمتلك عقلا ومشاعر لينتمي لدين ما. وجل ماكان موجودا هو خلافة، والخلافة ليست دولة، لانها كانت تعتمد على راي شخص واحد، وكان هو ليس مواطن بل كان ممثل الله على الأرض، ويمتلك الدولة بكل ما فيها. وكلنا ندرك ان بيت المال في الخلافة كان يعتبر ملكا شخصيا يتصرف به الخليفة حسب ما يشاء، وهذه الظاهرة استمرت لحد الان في الدول الإسلامية، من خلال اعتبار كل حق لمواطن، على انه مكرمة من القائد، او من خلال المكارم المالية التي يسبغ بها القادة العرب على مواطنيهم وكانها من جيبهم الخاص. ورغم ان الخليفة كان يعتبر خليفة لله ولرسوله على الأرض، الا ان اغلب الخلفاء ماتوا قتلا واغلبهم من اقرب اقرباءهم وخصوصا في الفترة العباسية.

الدولة بمفهومها العصري كانت بدايتها مع ماغناكارتا التي وقعها الملك جون في 15 حزيران 1215، والتي بموجبها صار شرعيا، مشاركة الحكم من خلال مجلس يضم اللوردات المتناحرين. وخلال مرحلة الثمنمائة عام الماضية تطور مفهوم المشاركة والمواطن والحاكم والمؤسسات، الى الصورة التي نعيشها الان في الدول المتحضرة وليس دولنا الفاشلة. ففي دولنا لم تكن هناك دولة بمفهوم المشاركة وتحمل المسؤولية والقانون فوق الجميع الا في فتراة قصيرة وفي العهود الملكية فقط. ونحن لم نعرف من الدولة الا العلم والحدود والطاعة. واخر ما سقط من الدول التي ادعت الإسلام كانت السلطنة العثمانية والتي لم تكن أيضا دولة بقدر ما كانت قوة عسكرية تفرض على من تصل اليهم الجزية او الخراج ولكنها لم تتحمل مسؤولية أي شيء، لا بل شاركت وبفعالية في اصدرا الفرمانات (قرارات) بذبح وقتل الكثير من رعاياها ممن كانوا يعيشون في مجال سلطتها او مجال وصول قوتها ومذابح الاشوريون والازيدية المتتالية خير شاهد على ذلك. والدول الحديثة تعتبر كل مواطن متساوي مع الاخرين بغض النظر عن دينه ولونه ولغته، بعكس الدولة المستمدة قوانينها من الشريعة الاسلامية التي ستعلي من شأن المسلم على حساب الاخر.

ولعل ايراد مثال يمكن ان يوضح ما قلته أعلاه، فمنذ اشتداد التوجه الإسلامي اتخذت اغلب الدول الإسلامية، قرارات بموجب احداها يكون أبناء احد الوالدين مسلمين حينما يعتقن احدهما الإسلام، وهو قرار جائر وظالم يفرض دينا على شخص لم يختاره، ويلغي حق المعتقد الذي تقول به كل الدساتير التي هي أوراق اكثر من قوانين مسيرة للدولة بكل أجهزتها ومواطنيها. ولا يزال المسحيين في العراق ومصر وكذلك الازيدية والمندائيون في العراق يعانون من هذا القانون الجائر.

ان ما يخطط له البعض لجعل الشريعة الإسلامية المصدر الأساس للتشريع في إقليم كوردستان، ورغم ان الامر يثير معارضة من اطراف ومنظمات مجتمع مدني كوردية، الا ان الخوف هو ان ترضخ القوى السياسية لما تخطط له القوى الإسلامية، لان القوى الإسلامية تستحوذ على الشارع او على الأقل الشارع الذي لا يهتم بالقانون والدولة والمؤسسات، بل يمكن ان يضحي بها لاجل الشعارات، او لمساوات سياسية اخرى.

كل الدول الحديثة او الأنظمة الحديثة تأخذ بتجارب الأطراف او الدول الناجحة، والتي تمكنت ان ترسخ القيم الإنسانية والقوانين التي تصون حق وكرامة الانسان، وترسخ التطور العلمي والاقتصادي وتبني مجتمعا قادرا على التطور في وضع يسوده الاستقرار. ان الإقليم بحاجة الى الاخذ بهذه التجارب وليس السير خلف الشعارات التي ثبت فشلها في كل الدول التي تبنتها. ومن واجبنا ان نذكر الجميع ان المساومة على الاليات الديمقراطية والقبول بشروط الإسلاميين سيجلب الويل لمن ساوم أيضا. ان الإسلام او أي دين ليس بحاجة الى قوانين أرضية وقيمة الدين أي دين ليس في فرض شروطه على المؤسسات والضغط عليها لتسير بما يعتقد انه يقر به. بل ان قيمة الدين ومكانته، ترتقي بايمان الافراد به واندفاعهم للتنفيذ توصياته وتعاليمه وشرائعه بشكل شخصي وفردي. فالدخول الى الجنة فردي وهناك مثل مشهور لدينا يقول كل شاة تعلق بساقها، فلا يمكن لاحد ان يصوم بدلا عن الاخر لكي يدخل الجنة.

ان النظام العلماني والمدني يسمح للمتدين بممارسة معتقداته وشعائره، ويسمح للملحد بإعلان الحاده ويسمح لكل انسان بان يؤمن بما يعتقده، ولكن النظام الإسلامي يشعل نار الخلافات ويحولها الى حرب وجود بينه وبين من يخرج عن طوعه. انه نظام يضع نفسه مقام الله يفتي ويقرر باسم الله، رغم ان الله لم يعلمنا بان هؤلاء هم حقا ممثليه على الأرض. ان نظام مستند على قوانين إسلامية سيعني خنق للحريات وللابداع الفكري والادبي، بما يؤدي الى خنق المجتمع وحعله مجتمعا خاملا من أي تطورات تضفي عليه الحيوية.

ان الإسلاميين بدلا من تطوير مناهجهم ((العلمية)) وجعلها تتماشى مع العصر، وإلغاء كل ما يشوب هذه المناهج من دعوات استباحة الدم والقتل والتخلف والنظرة المتخلفة للمراة والأديان الأخرى، يحاولون ان يجعلوا الدولة تسير بحسب ارادتهم بحجة انه لا يجوز تغيير ما سنه السلف الصالح. ان ما يدفعهم الى الاستقتال لاجل صبغ المجتمع بصبغة إسلامية هو الخوف، فاذا كان الإسلام يتراجع امام الحداثة، فما اسهل فرضه بالقوة، هذا هو ديدنهم، انهم يرون في الماضي الجمال والقوة والعدل، رغم ان كل الحقائق تكذبهم، لانه لم يحدث ان ارتقت الدول الى المستوى الذي بلغته الدول الغربية في أي زمان او مكان هذا اذا حسبنا الخلافة دولة او الامبراطوريات القديمة دول.

&لا اعلم علام خوف المتاسلمين على الإسلام لحد الاستعانة بالقوانين الأرضية والتي يسنوها هم لكي يحموا الإسلام من علوم العصر ومعارفه وقيمه ومن الأديان الأخرى الا يقول (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون)، هذا يعني عدم ثقتهم بالله وبقدرته. ام انه اثبات لمقولة ان الإسلام ينتشر بالقوة. واليس ممارسة العنف حينما تفرض على الانسان ملبسا معينا وان يصوم معك وان يحترم معتقداتك في حين انك تقوم بسب الاخرين ولعنهم ونعتهم باولاد القردة والخنازير، استعمالا للقوة.

ان أراد الكورد اقليما متطورا، وان أرادوا إضافة السياحة كمورد وكحالة لامتصاص البطالة، وان أرادوا ان يعود مجتمعهم الى الانفتاح والحريات الفردية، عليهم بعلمانية الإقليم ومدنيته، اما ان أرادوا اقليما تتمكن الدكتاتورية من نبش مخالبها في كل مفصل من مفاصل المجتمع فليرضخوا ويقبلوا بتطبيق الشريعة وقوانينها.

&