إما أن تكشف المرأة العربية لحمها كي تسكن قلب الرجل أو تحجبه ببرقع عن الأنظار لتنال رضاه، وفي الحالتين معا تظل رمزا للنقص و الفساد والمتعة سواء في إطار علاقة مدنسة أو مقدسة. و رغم أن نشاطها الجنسي دوري وتنتج بويضة واحدة كل شهر، في وقت يمكن فيه للرجل حتى آخر أيام عمره أن ينشط جنسيا بشكل يومي وينتج الملايين من الحيوانات المنوية، الكافية لتخصيب كل نساء العالم العربي أكثر من مرة، فإن اسمها عالق في وحل الفساد الأخلاقي. و لكي تسلم من شر الألسن تكرس نفسها للعيش من أجل الآخر وتغتال ذاتها في كل ثانية بوابل من القيود، ولا تستطيع أن تستنشق أوكسجين الحرية والانطلاق في الحياة بكل ثقة من أجل تحقيق أحلامها وطموحاتها.&

حين هبت نسمات وهم الربيع العربي، انتعش أمل المتفائلات من النساء العربيات بقرب موعد رفع الحيف والظلم عنهن لكن ذلك كان مجرد سراب، نتيجة انتشار العنف و التطرف الديني والغلو الفكري الذي ورثه المجتمع العربي من تراث ديني نسخ أغلب نصوصه الرجل ليخدم مصالحه في سرير المباح والمحرم من النزوات. مجتمع خص فيه بعض الفقهاء حتى القرن 19 المرأة الحرة بارتداء الحجاب، بينما المرأة الأمة كانت تتحرك من دون حجاب، ذلك أن عورتها كالرجل ما بين السرة و الركبة والواقع أنها كانت مشاعا يتلذذ به الجميع، مجتمع رجاله يوحي هندامهم بأنهم ينتمون إلى القرن21 لكن عقلهم الباطن تسكنه الخرافات القروسطية، إذ يشكو من حساسية مرضية من الاختلاف و يؤمن بتعنيف و استعباد المرأة و تفريغ كبت فحولته على أكثر من واحدة بمباركة دينية، مجتمع اخترعت فيه الجماعات المتشددة جهاد النكاح وأحيت فيه بعض الممارسات البائدة كالسبي وتجارة الجواري، مجتمع جل نكته المضحكة في السر موضوعها الجنس وثقب المرأة، التي صرف الغرب عنها اهتمامه مركزا بعلمه على ثقب الأوزون و الكون. فيما العرب يشغلون بالهم بستر عورة وملئ فراغ ثقب نسائهم بدل أن يفكروا في ايجاد حلول للثقب والشروخ التي خلفتها الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والحروب التي زرعت بذور الموت في العالم العربي. في كل لحظة هناك الكثير من النساء العربيات اللواتي تملأ أصوات جروحهن جوف السماء بعدما أجهدن أنفسهن في تشخيص دور الضحية في مسلسل ينهل من سيناريو القسوة والأسى، يصرخن ألما في وجه المرآة التي لم تخلص لهن كما وعدتهن، يصرخن بعدما فقدن أرواحهن وكرسن حياتهن في صفقة زواج فاشل لصالح أسيادهن الرجال، لطالما أرغمن على تحمل نتانتهم التي تفوح منهم من جراء رائحة سيجارة أو خمر رخيصتين، رجال يتذوقون طعم ألمهن كلون واحد من المحن المزمنة محن القهر والذل، محن تتناثر على أجسادهن الضعيفة ندوبا وكدمات تنطق بأصناف من العذابات والآهات. هكذا يكون قدر بعض نساء العالم العربي، قدر حاكه لهن شقيقهن الرجل منذ أمد بعيد مستغلا الدين وتقاليد الأجداد وصمت المرأة، التي تشارك في صنع هذا القدر البائس من خلال تربية أبنائها على عدم المساواة بين الجنسين، ولأنها مازالت تحصر كينونتها في شكلها و لا يمكنها أن تتخيل حياتها من دون رجل وإن كان كتلة من العلل السادية، ولأنها لا تقوى على خوض كفاح مميت في سبيل حقوقها.

كالذي شهدته مدينة نيويورك في8مارس1908، حين حل صباح مفصلي في عاصمة المال والأعمال، عاصمة كدس فيها الرجل الأمريكي الثروات من كد وعرق النساء من دون كلمة شكر. في صباح ذلك اليوم تقاطرت جموع غفيرة قادتها بطلات نساء الولايات المتحدة الأمريكية، اللائي صدحن بشعار "نريد خبزا وورد"، شعار حالم بطعم مرارة حياة الأمريكيات آنذاك، لخص هذا الشعار مطلبهن بالمساواة مع شقيقهن الأمريكي في الحقوق المدنية والسياسية مادام الواقع الاقتصادي قد أظهر فعاليتهن الانتاجية. رفضت الأمريكيات أن يعاملن بمعاملة سادية في مجتمع يشكلن فيه النصف وأنجبن نصفه الآخر، واقتنعن أنهن يقدمن واجبات من دون أن يحصلن على حقوقهن في العيش الكريم وأنه آن الأوان لإنتزاعها بصمود صفوفهن. لم تخرج حقوقهن من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل مجانا، بل كانت ضريبتها ازهاق أرواح بعض المناضلات واعتقال أخريات بل منهن من تعرضن لمصير مجهول وطوي تاريخهن ضمن سجل المنسيات. أجبر النضال القوي للأمريكيات الساسة الأمريكيين على منحهن بعضا من حقوقهن المدنية والسياسية، وتوجت تلك الخطوة بالاحتفال باليوم الوطني للمرأة الأمريكية في 8مارس1909. بعد نهاية عهد الحروب الملتهبة دخل العالم في حرب باردة، ورغم بعد المرأة عن ساحة النزال فقد اكتوت بنيران تلك الحروب وعانت من ويلات أقل ألما مما كان في الماضي، لكن أهانتها بشكل لا يغتفر حيث وظفت بعض النساء في اشباع الرغبات الجنسية للجنود أو كجاسوسات كان سلاحهن الاغراء. ولمحو آثار الاهانة طالبت الرفيقات في الاتحاد السوفياتي بجعل 8 مارس يوم المرأة، ولم يتردد الاتحاد السوفياتي الباحث عن أنصار جدد في جعل ذلك اليوم عطلة خاصة بالنساء. ولعولمة الحقوق النسوية احتفلت الأمم المتحدة في 8مارس1977 بأول يوم عالمي للمرأة، ومنذ ذلك التاريخ وسيدات الأرض يخلدن هذه الذكرى الإنسانية الكونية.&

&بانهيار جدار العار ببرلين في 1989 سقطت الشيوعية، ليتبلور النظام العالمي الذي هاج معه عنفوان الرأسمالية التي تروج في جل مناطق العالم بما فيها البلاد العربية للمرأة المثيرة والجذابة، في العالم العربي تدعى هذه المرأة بشهرزاد في نسخة جديدة شبه عارية. وهي امرأة تتلاعب بخيال الرجل العربي الذي استعبدها لقرون طويلة ومازال رجل يظل ناقصا من دون ممارسة هوسه اللوبيدي، فقد نشرت شهرزاد المثيرة الوساوس في خلايا تفكيره، فهو يراها تترنح كغزال في مسابقات الجمال العربية و الإعلانات والبرامج و المسلسلات والأفلام و الحفلات و الجلسات و الأغاني المصورة للفنانات العربية، اللاتي سلبن بتضاريسهن السيليكونية وفتنتهن المزيفة عقل الرجل وحطمن فؤاده المهدد بالسكتة القلبية. هذا الرجل أضحى أسيرا لجاريته ودميته المسلية في قصور الشرق، وبسببها هو على استعداد أن يخوض حروبا من دون رقم. لقد أحالت الرأسمالية شهرزاد إلى علبة سوداء تفيض بالعقد ومركبات النقص، أفرغتها مادية الرأسمالية من عمقها الروحي والفكري لتصبح هيكلا أجوفا ومحدود الصلاحية، فالصلاحية خالدة بخلود الأفكار والجسد فان ومآله التراب والأفكار مآلها السماء، وشهرزاد الجديدة بقدها الرأسمالي لن تبلغ العلياء. فهي لم تتحرر من اغراءات وبريق المادة، ولن تستوعب الدرس إلا بعد وقوعها في هاوية الذل والهوان الذي ينتظرها وسط مجتمع ذكوري. فالرأسمالية ومن أجل تحقيق الأرباح وتوسيع الأسواق الإستهلاكية تنظر إلى شهرزاد الشبه عارية كعملية من عملية الضرب، فأحيانا هي آلة تنتج وأحيانا هي معدة تستهلك وأحيانا أخرى هي بضاعة قابلة للإستهلاك. و إذا استمرت شهرزاد الجديدة في المراهنة على دلالها و غنجها وجمالها فإنها لن تترك بصمة واضحة في التاريخ الراهن.&

و لتحقيق ذلك يلزمها أن تثور على الخرافات الدينية التي تطوق عقلها، يلزمها أن تثور على صمتها وجبنها وعلى خوفها من أفواه وأعين المجتمع التي تترصدها أينما حلت وارتحلت، يلزمها أن تتحرر من فكرها الأنثوي الماسوشي الذي شحنه بها الرجل وتعوضه بفكر عقلاني قائم على الاستقلالية وتقدير الذات وأن شرفها الحقيقي يكمن في نبل أخلاقها وسمو فكرها، كما يلزمها أن تربي أجيال المستقبل على الحرية و تقبل الاختلاف و المساواة بين الجنسين، حتى يتحرر ويتخلص المجتمع العربي من الثقافة الذكورية الاقصائية وينخرط في الثقافة الحديثة لمجتمعات القرن21، الذي يعتبر قرن النسوة بإمتياز وسيكون فيه شأن عظيم لنوع فريد منهن، لسيدات أكثر عمقا ونضجا وقوة من شهرزاد العربية، كما يتمتعن بهالة ساحرة ويملكن شخصية قيادية، بفضلها وصلن إلى سدة الحكم، واتضحت معالم هذه الحقيقة في1979 في انجلترا مع المرأة الحديدية مارغريت تاتشر، ثم تأكدت حاليا في ألمانيا مع أنجيلا ميركل وفي الأرجنتين مع كريستينا فرنانديز كيشنير وفي الشيلي مع ميشيل باشلي وفي الولايات المتحدة الأمريكية مع هيلاري كلينتون وفي اليونان مع فاسيليكي ثانو رئيسة الوزراء الجديدة المكلفة بإدارة شؤون اليونان المتأزمة، خلال المرحلة الانتقالية حتى اجراء انتخابات تشريعية جديدة في نهاية سبتمبر2015. لو كتب لنساء الخبز والورد العيش حتى 2015، لرأين أحلامهن تنتشل من الضياع و لصفقن بفخر كبير لأنجيلا وكريستينا وميشيل و هيلاري و فاسيليكي وغيرهن من المناضلات. اللواتي صنعن مجدا استعصى على شهرزاد العربية مسلوبة الإرادة، فربيع عمرها قصير وخريف عمرها طويل وقاس بلياليه.&