التظاهرات المليونية التي يشهدها العراق هذه الأيام للمطالبة بالإصلاحات السياسية والخدمية وإلغاء المحاصصة الطائفية، هي حق كفله الدستور العراقي، وموقف وطني للتصحيح عن للوضع الفاسد والمتدهور، وللتعبير باحتجاج علني وبصوت واحد لرفض الفساد المالي والإداري المرعب والمخيف، ونقص الخدمات الأساسية خصوصا الكهرباء والماء، ولم تقف هذه التظاهرات المليونية عند حد التغير والإصلاح بل الدعوة إلى المطالبة بمعاقبة كافة المسؤولين الذين تعاقبوا على إدارة البلاد، بعد أن هتف المتظاهرون الذين تجمعوا في ساحة التحرير وسط بغداد والمحافظات وهم يرفعون أعلاما عراقية (للمحكمة كلهم سوا، كلهم حرامية)، و (باسم الدين سرقونا الحرامية)، وكذلك الشعار التاريخي (جمعة ورا جمعة الفاسد أنطلعه بره).

لذلك ومن خلال مراقبتنا لوسائل الإعلام المختلفة المرئية والمسموعة والمقرؤة، تجد انه هناك رسائل مختلفة لهذه التظاهرات، البعض منهم يجد أنه ربما سيكون على كف عفريت، فكان التردد من تغطيتها والمشاركة بها نتيجة التخوف والريبة على مراكزهم الإدارية والمهنية من حيتان السلطة، ومهما يكن فان الأعلام العراقي اليوم بحاجة إلى ثورة في المساهمة لتنضيج الرؤيا للمواطن لهذه الثورة السلمية، من أجل خلق أهداف ثابتة لصنع الرأي العام المطالب بالحقوق، كما فعل الزميل مؤيد اللامي نقيب الصحفيين العراقيين حينما تواجد في ساحة التحرير متظاهرا ومناصرا للحشود الجماهيرية، ليوجه رسالة للعراقيين بان الصحفيين بكل ألوانهم العرقية والقومية يقفون مع شعبهم في الدفاع عن الحقوق، ساعين ومؤكدين أهمية أن يتفق الجميع على حب العراق والتزامهم بالهوية الوطنية ضد التفرقة والعنصرية والطائفية والتقسيم، لتكون الوحيدة فيما يتعلق بالتوازن بين الحقوق والواجبات، ولن يحصل ذلك إلا بضمانات تحقيق العدالة والمساواة بين جميع الأفراد، أن توفير شروط المظاهرة الناجحة والقادرة على التغيير وبعد الحضور النقابي (صحفيين، محاميين، مثقفين، فنانين،مهندسين، معلمين )، هي معرفة دقيقة بالوضع القائم في العراق من خلال التصدي بحزم من اجل حرمان الطرف الأخر ( الحكومة المتلكئة ) من سوق المبررات والتحايل على المظاهرات وتفريغها من محتواها، كون هذه التظاهرات ستؤدي بكل تأكيد إلى حدوث متغيرات واضحة وكبيرة، حتى وان بدأت في أول الأمر مظاهرات عشوائية أو تصادفيه أو ذوات إغراض متعددة، ثم تطور فعلها بفعل النشطاء المخلصين للعراق لتبدو عملا جماهيريا شعبيا مدروسا ومخططا له بدقة، ومنفذ حرفيا سيجبر من تجاوز تلكأ السيد ألعبادي في تحقيق المطلب الجوهري للمتظاهرين، لكن الإصرار على التغيير بات مطلب شعبي مليوني هو ما يرغب به السيد رئيس الوزراء للتفويض(فوضناك)، كما أن كل مدن الجنوب والوسط التي شهدت هذا الفعل الثوري المناهض للوضع القائم هي صورة من شكل المظاهرات المؤثرة التي تضيف زخما للعاصمة بغداد، وان لم تكن فاعلة مالم يسعى القائمون بها إلى الاعتصام، لان الحرية والحقوق لن تعطى بمكرمة بل تسترد بقوة، حتى وان كان مجرى الدم طريقها، لان الناس أيقنوا بان المسؤولين على نطاق واسع قد استأثروا بالسلطة والتلاعب بالمال العام ثم الاختلاس، ووصلت بهم الحال إلى درجة خيانة الوطن&والشعب، لان سارق قوت الشعب جبان ولص، حتى وصل بهم أي المسئولين، استغفالهم لهذا الشعب العراقي الطيب والصبور، فهم يصوروننا بأننا شعب كسول ومسرف بل وأناني، وغيرها من الصفات غير الحميدة.

نعم أن الدور الطليعي التي قامت به نقابة الصحفيين العراقيين بحضور نقيبها وبعض من أعضائها إلى ساحة التحرير،رمز العراق الجديد، دليل على عمق الوعي الإعلامي الوطني والاختلاط مع الناس في المطالبة بالإصلاح، لان الإعلام قادر أن يترجم هذه الإحداث إلى وقائع وينقل للعالم هذا التحضر بالتعبير عن رفض الفساد المستشري ليس في المال وحده بل في التخطيط والبناء والمحاصصة التي أهلكت الجميع وفرقت بين العائلة الواحدة، لان بالتالي أن المتحاصصون هم سراق العراق، سيما وان نظام الحكم في البلاد قد بني على أساس المحاصصة الطائفية بين الكتل السياسية التي تحكم البلاد بعد عام 2003.

عاش الشعب، عاشت قواتنا المسلحة البطلة بكل صنوفها، عاش الحشد الشعبي، وهم يطردون الدواعش المدنسين لأرض العراق، مرحى لصوت الغضب، مرحى للجماهير المطالبة بحقوقها، وعلى الآخرون أن يدركوا لا عودة إلى الوراء، أنها الجماهير الهادرة نحو تجديد العراق وإعادته إلى حقيقته وانتمائه الإنساني.

&