&هو الفيلسوف و الحكيم اليوناني (سقراط) أبو الفلسفة القديمة. ذلك الرجل الذي مات و تجرع السم من أجل مبادئه و أفكاره، و ضرب المثل لكل من جاء من بعده، في تحمل الشدائد و الصبر علي المكاره من أجل ما يعتنقه و يعتقده من أفكار و قيم و مبادئ. هذا الرجل الذي حرك المياه الراكدة في المجتمع الأثيني. وقف بشجاعة و ثبات ضد كل ما هو قديم من القيم و العادات الموروثة و التي تتناقض مع العقل. هذا الفيلسوف الذي حاباه الله بعقل مبدع رغم خلقته الدميمة، لكنه كان يحمل قلب متسع و منفتح علي كل ما هو خير و حق. كان يتجول في شوارع أثينا يسال و يحاور و يظهر جهل الآخرين و عدم معرفتهم. حتى صار منهجه مشهورًا بالمنهج السقراطي أو منهج الحوار.

كان مقتنعا أن الأفكار تولد و تنبت و تترعرع في بيئة الحوار و المناقشة. و أن الأفكار مثل النبات تنمو بالحوار، فالحوار بالنسبة للأفكار كالماء للنبات.هذا الرجل الذي وقف ضد العادات القديمة و حارب من اجل القيم و العدل. و لم يترك لنا سقراط مولفاته و كتب مثل معظم الفلاسفة بل جل ما نعرفه عنه و عن أفكاره مستقي من خلال روايات تلاميذه عنه، و تعتبر محاورات أفلاطون من أكثر الروايات الماما بشخصية سقراط و حياته و كذلك أفكاره. لقد ترك لنا هذا الرجل أفكارا تصلح لان تطبق الآن، و لا نبالغ في القول انه كان مصلحًا و حكيمًا و فيلسوفًا.لقد قدم لنا منهجا هو من أهم المناهج التي يمكن استخدامها في العلوم الحديثة و خاصة علم البيداجوجيا( علم التربية ) و هذا المنهج يسمي الحوار السقراطي أو منهج التهكم و التوليد.

يسخر ممن يحاوره و يظهر له جهله و يستخرج ما بداخله من معرفة، حتى انه يقول عن منهجه، انه يشبه طريقة أمه التي كانت تعمل قابلة أي تولد النساء، و يقول أن أمه تستخرج الرجال من أرحام النساء، و هو يستخرج الأفكار من عقول الرجال. بحث هذا الحكيم عن قيم الحق و الخير و الجمال.

دافع عن أفكاره و مبادئه حتى الرمق الأخير لم يهرب من الموت رغم العروض الكثيرة من تلاميذه و أصدقائه بالهرب. و هذا ليس بعجيب علي هذا الرجل الذي عاش من اجل مبادئه و مات من اجلها.

حارب الظلم و الاستبداد في عصره، لم يتراجع رغم التهم التي رماه بها أهل أثينا و حكماها من إفساد الشباب، و السخرية من ديانتهم. و رغم ذلك لم يتراجع و يستسلم و يضعف، بل صمد و حارب من اجل ما يعتقده و ضرب النموذج الطيب لكل ما هو خير و حق و عدل. بل و قف في المحاكمة كما يحكي لنا أفلاطون في محاوراته يدافع عن مبادئه في قاعة المحاكمة، و يقول أنه إذا كان هناك في هيئة المحلفين من يعتقد انه يجب ان ينسحب و يتخلي عن الفلسفة، فينبغي لهذا الشخص أن يفكر أيضا في انه لابد للجنود أن تنسحب من المعركة عندما يبدوا لهم أنهم سيقتلون فيها. و من أجمل و أروع ما و صف لنا أفلاطون في محاوراته عن اللحظات الأخيرة في حياة أعقل و أحكم الناس في أثينا كما قالت عرافة معبد دلفي عنه.

كانوا يدخلون عليه في سجنه يجدوه مبتسما هادئ عليه علامات الرضا، و لما لا و هو يعرف ان الحياة الدنيا ورائها حياة اخري و هناك العدل و ليس الظلم. عرضوا عليه الهرب رفض، و تجرع السم في شجاعة منقطعة النظير، و مات هذا الرجل الذي ستظل كل أقواله و أفعاله خالدة علي مر الزمان، تحكي بطولة نادرة و تضحية كبيرة في سبيل المبادئ و القيم و الأفكار، إنه بحق شهيد الفلسفة.

&