&

سنغافورة ذلك البلد الصغير بمساحته، الكبير بإمكاناته الاقتصادية، الغني بشعبه المتعلم المتقن لعمله، البلد العائم على ميناء هي الخامسة عالميا باتت مثالا يحتذى به من دول كاد يفوتها القطار وتحاول جاهدة اللحاق بركب الدول المتقدمه، مصر التي لم تجد من يرفق بها على مدار الستة عقود الاخيرة ترغب في الاستفادة من تجارب سنغافورة الناجحة في مجال إدارة الموانيء ، والتعليم وتحلية المياة وهي مجالات تحتاجها مصر هذه الأيام.

من تكتسب زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لسنغافورة وهي الأولى لرئيس مصري أهمية كبيرة تصب في هذا الاتجاه ، فمصر بحاجة إلى معرفة تجربة سنغافورة في مجال إدارة الموانىء بعد ثلاثة أسابيع من افتتاح قناة السويس الجديدة، الدخل الرئيس لسنغافورة يأتي من الميناء، ومصر ترغب في أن يكون محور قناة السويس مدخلا لدخولها في مصاف الدول المتقدمة، كذلك تحتاج مصر إلى التوسع في التعليم الفني مثلما فعلت سنغافورة لتخريج شباب متدرب قادر على المشاركة في نهضة مصر، والمنافسة في سوق العمل، فضلا عن الاستفادة من التجربة السنغافورية في مجال تحلية المياة.

ولم يكن الطريق امام سنغافورة مفروشا بالورود ، فقد بدأت السير في الطريق الصحيح قبل استقلالها عن ماليزيا في 1965 بجذب الاستثمارات، فأنشأ الرئيس "لي كوان يو" هيئة التنمية الاقتصادية كمؤسسة واحدة يتعامل معها المستثمر الأجنبي، أدرك أن دولتة قليلة الموارد، متعددة الطوائف، تغلب على التعدد العرقي بالمواطنة وبناء أمة يحكمها القانون، ومنح الفرص للأكفأ، حارب البطالة، وأصلح التعليم، وتغلب على ضعف الموارد الطبيعية ، فاستغل موقعها الفريد بين الشرق والغرب فشرع في إنشاء الميناء، وبناء صناعة السفن ، وأنشأ مصانع تكرير النفط ، ومصانع البتروكيماويات وجلب أفضل العلماء المؤهلين من جامعات أجنبية.

حققت سنغافورة نموا اقتصاديا متميزا منذ بداية عام 1980 فنجحت في تخفيض البطالة إلى 3% ، وفي العام التالي افتتحت مطارا دوليا، واستثمرت في ميناء سنغافورة ليصبح واحدا من أهم خمسة موانىء في العالم ، وتغلبت على مشكلة العشوائيات، بتخصيص اراضي للقطاع&الخاص لانشاء مدن سكنية ذات مستوى راق لكل السكان، وفي عام 1990 م، تقاعد "لي كوان" رئيس وزراء سنغافورة، وخلفه نائب رئيس الوزراء "جوه تشوك تونك". وفي عام 1993 م، أصبح أونج تنج تشونج أول رئيس للبلاد ينتخب مباشرة بوساطة الشعب، وفي أغسطس 1999 تم انتخاب رئيس الاستخبارات السابق س.ر. ناثان رئيساً للبلاد.

أستغل حكام سنغافورة الثروة البشرية لبلادهم على قلتها ، واعتبروا التعليم والتدريب هما الأساس الصحيح لإدراك التقدم، كانت أعينهم على اليابان التى تتمتع بجودة عالية فى التعليم، وكذلك كل الدول الغربية، فبدون تعليم وتدريب أبناء سنغافورة من الأعراق والديانات المختلفة ، ودمج الجميع فى بوتقة المواطنة السنغافورية، فإن بلادهم ستظل ترزح تحت نيران الجهل والفوضى.

شيد حكام سنغافورة شبكة طرق حديثة ، وجعلوا من ميناء سنغافورة ملتقى وترانزيت لكل السفن العابرة فى المحيط، من الصين واليابان وأوروبا وأستراليا وإندونيسيا وماليزيا وغيرها، وحين تشاهد الميناء من الطائرة تشعر انك تزور مدينة عائمة فى قلب المحيط مملؤة بالسفن الراسية فى الميناء.

مصر وهي تسرع خطوات التنمية بحاجة إلى الاستفادة من تجربة سنغافورة ، تلك الجزيرة التى لا تزيد مساحتها الإجمالية على 710 كيلومترات مربعة لكنها كبيرة بما حققته من تقدم اقتصادي مذهل ، ففي عام 2014 بلغ نصيب الفرد السنغافورى من إجمالى الدخل القومى لبلاده 80 الف و270 دولارا، في مقابل 37 ألفا و920 دولارا فى العام نفسه لنظيره الياباني ، في حين كان متوسط نصيب المواطن المصرى من إجمالى الدخل القومى لبلاده نحو 5 آلاف دولار.

عدد سكان جزيرة سنغافورة نحو 5.5 مليون نسمة، أى لا يزيدون على حى شبرا لكن الناتج الإجمالي القومي يبلغ نحو 300 مليار دولار فى عام 2013، فى حين ناهز تعداد مصر نحو 90 مليون نسمة ولا يزيد إجمالى الدخل القومى لمصر على 272 مليار دولار، يمكن لمصر&أن تحقق معجزة اقتصادية إذا استفادت من تجارب الدول المتقدمة والقريبة الشبه بظروفها ، وسنغافورة مثال فريد حان الوقت للأستفادة من تجربتها وبسرعة قبل أن يفوتها القطار.