انفجرت بعنف واتساع واحدة من اخطر موجات الهجرة الجماعية للغرب الأوربي.. مهاجرون غير شرعيين من مناطق النزاع، الى دول أخرى.. من أفغانستان وبنغلاديش والباكستان، فأفريقيا السوداء، فسوريا، وايضاً ولحد ما العراق. المهربون القساة يغامرون بحياة النساء والأطفال من اجل الأرباح الدامية، وعائلات بأكملها لا تنجو من الموت غرقاً او خنقاً في الشاحنات، في مأساة قل نظيرها في هذا القرن... إنها مأساة إنسانية مروعة، وتفجر الالام.
بعيدا عن صيحات المنظمات الإنسانية والاعلام العربي، وشتائم الوزير الفرنسي للمجر، فأن المشكلة ذات أبعاد شتى، وهي خطيرة، والدعوة لاستقبال ملايين جديدة من المهاجرين، فهل يراد من دول تعاني من أزمات داخلية حادة ان تخلي البلد من سكانها الأصليين وإحلال شعوب أخرى محلهم.. وحتى فرنسا، فأنها ليست بمستوى الخطب اليسارية العاطفية لأنها هي ايضاً تعاني من ازمات حادة. ومن يتابع استبيانات الرأي في الدول الغربية منذ سنوات يرى ان حوالي 70%& من السكان الأصليين صاروا ينظرون بحذر شديد الى الجاليات المهاجرة، ولاسيما المسلمين منهم.. وان دعايات اقصى اليمين تتزايد وتتسع مع الزمن ولاسيما مع عمليات الإرهاب الجهادي المتتالية، وها هي المنظمات الألمانية المتطرفة تكشر عن انيابها وتقوم بعمليات عدوانية ضد القادمين الجدد.. ان القبول غير المنضبط لمزيد من الملايين سيزيد من تأثير قوى التطرف، وهذا ما قد يؤدي، تدريجياً، الى تهديد جاليات اللجوء والهجرة، حتى القديمة منها والمندمجة في المجتمعات الغربية، فحذار.. حذار.
لا يمكن تصور كيف ستستوعب دول الاتحاد الأوربي هذه الملايين الجديدة من المهاجرين، ويبدو ان غالبيتهم سوريون... المانيا تقول ستأخذ 800 الف منهم، ولكن ماهي طاقة الدول الأخرى وغالبيتها تعاني من أزمات اقتصادية، والبطالة والسكن وارتفاع مدّ اليمين المتطرف المعادي للهجرة اصلاً... وعلى صعيد آخر، فهل من الصحيح تشجيع هذه الملايين على الهجرة، ولو على حساب سلامة وحياة الأطفال والنساء.. هل يجب ان تفرغ سوريا مثلاً من مواطنيها، مع ان الموت واحد.. وايضاً وبكل صراحة، فان غالبية المهاجرين غير الشرعيين إنما يغامرون بحثاً عن مستوى معيشة أفضل، وسكن أفضل، بينما في أكثر دول الاتحاد الأوربي ملايين من العاطلين وازمات سكن حادة. عندما أعلنت فرنسا اثناء غزوة داعش ضد المسيحيين والايزيدين عن استعدادها لفتح الأبواب امامهم، تعرضت لنقد جارح من المرجعيات المسيحية العراقية، التي دعت المسيحين للبقاء في الوطن وعدم اخلاء العراق منهم. وهذا ما يجب ان يقال اليوم للسوريين، وليس تشجيعهم على النزوح، وتنظيم المناحات واستدرار المشاعر من جانب الاعلام العربي واليسار الغربي والمنظمات الإنسانية.
أوباما هنأ ميركل على استعداد المانيا لاستيعاب ما يزيد عن ثلاثة ارباع المليون.. ولكن لماذا لم يعلن هو عن الاستعداد لاستقبال بضعة آلاف... ام لأنهم غير لاتينيين، وهو الذي فتح الباب امام أكثر من 10 ملايين مهاجر غير شرعي لاتيني...
الغرب مسؤول، ليس لأنه لا يستطيع استيعاب ملايين جديدة، قد تغيّر النسيج الاجتماعي والثقافي لأوربا، كما قال دافيد كاميرون، ولكن لسبب السياسات الغربية الرثة والخطرة، ولا سيما سياسة أوباما، التي ساهمت في خلق أزمات الصراع في منطقتنا، لاسيما في سوريا وليبيا واليمن والعراق... والدعاة الانسانيون، بل المجتمع الدولي كله، لو كان حريصاً على حياة وامن شعوبنا، لما تركوا ليبيا في منتصف الطريق ولما تخلوا عن قرارات جنيف رقم 1 حين كان ممكناً إيجاد حل سلمي متوازن ومرحلي من دون الأسد. حينذاك لم يكن هنالك داعش، ولا البراميل المتفجرة المميتة... وكانت الفرصة الأخرى حين ثبت استخدام الأسد للغازات ... ولكن أوباما تراجع عن تهديداته، بتوجيه ضربة جوية محدودة وإقامة حظر جوي كان يمكن ان يمنع النظام السوري من موجات القتل الجماعي.. ترك أوباما، جاراً معه الاتحاد الأوربي، الحبل على الغارب لبوتين وايران، والان يتباكى، هو يعلك، على مأساة المهاجرين. ازمة سوريا دخلت في مرحلة اللاعودة، وسوريا قد دمرت وأياً خرج منتصراً، ولا منتصر...
وعلى الغرب، وكل المجتمع الدولي البحث الجاد عن اية مخارج جزئية لوقف الموت الجماعي اليومي في سوريا ونردد اخيراً مع احمد شوقي:
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَق&&&&&&&&&&& وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
وَمَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقَوافي&&&&&&&&& &جَلالُ الرُزءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّ


خلاصة:
1 تتحدث ميركل عن قبول 800 الف ممن تعتبرهم لاجئين وفقا لقوانين اللجوء الممتدة الى خمسينات القرن الماضي. في الواقع أن قوانين اللجوء كانت تخص الأفراد المطاردين من أنظمة فاشية ودكتاتورية ولا تخص ملايين المهاجرين غير الشرعيين. و لا يُقبل اللجوء السياسي للفرد الا بعد تمحيص وتدقيق وليس عشوائيا كما تفعل ميركل. ولاسيما أن هناك خطر اندساس الإرهابيين بين صفوف المهاجرين.

&
2 تُتهم أوروبا بأنها حولّت البحار الى مقابر لللاجئين والحال أن المسؤولين عن المآسي ومنها مأساة الأطفال تعود إلى الأنظمة الديكتاتورية وإلى شبكات تجّار البشر وإلى كثيرين ممن يهاجرون طلبا لمستوى معيشْ أفضل وليس بسبب خطر مباشر.&
&