خلال الفترة الماضية، ولنقل منذ أن تمكن التيار الإسلامي من الاستيلاء على المشهد السياسي من الشباب الرافض لديناصورات السلطة في بلدان منطقة الشرق الأوسط، قام هذا التيار وبمختلف توجهاته بافعال وممارسات تقشعر لها الابدان. اليوم ليس بوسعنا ان نقوم بعزل داعش والنصرة من الإسلام ونعتبرهم شذاذ الافاق، لان التأييد لهم بلغ مدى كبيرا وشمل أئمة كبار وخطباء مساجد معروفة، لا بل ان الازهر اكبر مرجعية دينية إسلامية سنية لم تقم بتكفيرهم الا مضضا ومن قبل البعض، وحينما تم مس المصالح المصرية.

ايلان الكوردي، طفل كباقي ألاطفال على هذه المعمورة، له وجه برئ، في الكثير من علامات الاستفها، وانه يريد ان يعرف ويعلم عن الكثير مما يحدث حوله، ولعل اهم الأسئلة التي يطرحها وجه البرئ، هوهل تتقبلني، انه لا يعرف ماذا تعني الأديان والقوميات والأحزاب والعشائر، ان حاجاته محددة بالمأكل والملبس والملعب والحنان، ان هذه الأمور تمنح لايلان ولباقي أطفال العالم الأمان. ان ايلان لم يعلم لما ترك كوباني التي يتصارع على اسمها وتملكها العرب والكورد، فهذا يسميها عين العرب وذاك كوباني، ولماذا يسمع صوت القنابل وازيز الطلقات ولما يعيش اهله الرعب الذي ينتقل اليه بدون وعي الأسباب. ام ايلان اوبوه اراداه ان يبتعدا به عن كل هذه الحروب ليعيش كبقية أطفال العالم. ولكنه واخوه وامه لم يصلا ولن يصلا ابدا، انهما غرقا في البحر، لقد طمع المهرب واخذ الأموال وكدس المركب. ان العالم لا يعلم عن ايلان الا انه طفل، كبقية الأطفال، طفل حرم من الحياة. العالم لا يريد ان يعلم عن قوميته ودينه والحزب الذي يؤيده والعشيرة التي ينتمي اليها، انه يشاهد طفل لم يستوعب كل هذا فقد حياته جراء طمع الكبار.&

ولكننا نعلم، ونكاد بهذه الأمور نعلم في ادق التفاصيل، ولذا نحجب او نظهر، نؤيد او نستنكر حسب التفاصيل الغير المرئية في الصورة، التفاصيل التي كان يمكن ان يغيرها او يستنكرها او يصححا ايلان لو بقى حيا وعاش البلوغ. اننا لا نريد ان نرى فيه الطفل البرئ، بل نرى فيه كرديا او مسلما ان سنيا او شيعيا او غيرها، هذه التفاصيل التي يريد البعض ان يريها. في تعليق لاحد المغردين السعوديين يقول ان ايلان سيكون مصيره الجحيم لانه كوردي، لا اعلم متى منح الله لهذا المغرذ مفاتيح الجنة؟ وفي تعليق لللاجئيين سوريين الى الغرب، يلومون حكام العرب لعدم اهتمامهم، ويقولون بطريقة عتصرية فجة، انه لو كان يهوديا لقدم العرب فيه التعازي. هذه المقارنة قد تستحق الكثير من التعليق والشرح، لانها تعبر من جهة عن امر إيجابي وهو استنكار لموقف حكام العرب من ما يحدث في المنطقة، ولكن المعلقين لا يعلمون ان هؤلاء الحكام منخرطون فعلا في هذه الحرب التي تشبه داحس والغبراء. ولكن التشبيه الاخر وهو لو كان يهوديا، ينحو منحى عنصريا، ويعني ان اليهودي الذي لا يستحق، والذي تخافونه كان يمكن ان يثير عطفكم. وخصوصا لو عطفنا مثل هذه التشبيهات مع الشعارات التي يرفعها الناس مستنكرين ممارسة الحكام او جهات معارضة تقوم باضطهادهم، فهم يقولون نحن مسلمون ولسنا يهود، او يقولونه بشكل تساؤل، هل نحن يهود، وهذه تعابير من قبل التي يتعرض للاضطهاد، تظهره انه لا يمانع في اضطهاد اليهود. وفي مفارقة أخرى، مجموعة من المسيحيين الاشوريين، يعلقون وأيضا بصورة فجة وفبيحة، حينما يتسألون ولماذ لم يحضى مقتل واسر أبناء شعبنا في الموصل وسهل نينوى والخابور والقريتين بمثل هذا التعاطف، في لوم غير مباشر للعالم واتهام غير مباشر أيضا، على مؤامرة خفية تجعل ايلان يحضي وأبناء الاشوريين لا يحضون باهتمام العالم.

باعتقادي ان الاوربيين تلقفوا الرسالة افضل بكثير مما تلقيناها نحن، ان ثقافتهم المبنية على التسامح وعلى اعلاء قيمة الانسان، جعبتهم يتعاطفون مع القضية بصورة اكثر فعالة اكثر، ففي الوقت الذي بحثنا نحن في الصورة عن التفاصيل التي لاتظهر، شاهدوا هم الصورة الطبيعية المؤلمة لطفل لا ذنب يكون ضحية. طبعا لا يمكن اخذ الكل بنفس المستوى ولكن الغالبية الاوربية رات في ايلان الانسان، فيما نحن راينا فيه الكوردي. انجيلا مركل التي هي من حزب المسيحيين الديمقراطيين، والذي هو من الأحزاب اليمينية والتي تتفاعل بشكل اقل مع مأسي العالم حسب المفهوم الشائع عنهم، وقفت موقفا رائعا، فهاجمت وهددت اليمين من أي محاولة للاعتداء على اللاجئين ودعت اوربا لتحمل مسؤولياتها الإنسانية. افضل بكثير من الجميع ولكن لوقسناها بموقف بعض الدول الأخرى واخص بالذكر دول العربية، فان موقف هذه الدول سيبدوا مخجلا جدا. يذكرني هنا بما حصل حينما تم تهجير العراقيين في شماله عام 1991، فبعد فرض المنطقة الامنة وعودة السكان الى مناطقهم، أتت المنظمات العالمية لتقدم المساعدة ولبناء بيوت مؤقتة تقيهم برد الشتاء وحر الصيف، أتت المنظمات الإسلامية وكان عملها منصبا على بناء الجوامع في كل قرية بنتها المنظمات العالمية، ليس هذا، بل قامت بتقديم الأموال ومساعدة كل من يكون من التيار المسلم وبدات بكسب النساء للتحجب مقابل أموال مدفوعة.

موقف شعوبنا وحكامنا، لم يكن ولن يكون في وادي انقاذ الانسان، أي انسان، الأولية لديهم للدين والمذهب، مستغلين كل الظروف لهذه الغايات. والا فليذهب الى العالم الى الجحيم. بالأمس كنت اشاهد حوار تلفزيونيا حول تقصير دول وشعوب المنطقة، في الوقت الذي كان الأوربي يطالب دول اوربا بالمزيد من الخطوات لإنقاذ الناس، كان االشخص العربي يحاول تبرير تقاعس بلده، بانهم لا يريدون للسوريين الابتعاد عن حدود بلدهم لكي يعودوا اليها، وحينما قيل له ولكن هل تفضل ان يذهبوا الاف الكيلومترات بعيدا في اوربا المختلفة، انفعل وصرخ ليذهبوا الى اوربا ان شاؤوا بالرغم من انني متاكد انه اراد القول فليذهبوا الى الجحيم لان نبرة صوته وانفعاله الغير المبرر كانت تفضحه.&