قبل أكثر من أربعة أعوام نشرت إيلاف لنا مقالآ بعنوان (لماذا يستهدفون سوريا؟) إنتقدنا فيه مثيري الشغب في مدينة درعا السورية مهد ما تسمى (بالثورة) اللذين كانوا يتلقون دعمآ وتغطية إعلامية غير مسبوقة من بعض وسائل الإعلام والقنوات الفضائية العربية التي كانت تدعي الحيادية وترفع شعار الرأي والرأي الآخر وقد أسقطت الأزمة السورية كل أقنعتها وعرتها أمام الرأي العام العربي الذي إنخدع بها إبتداءآ وبشعاراتها الزائفة, وتَعَرف على مُموليها وداعميها وأهدافهم وأجنداتهم الخبيثة

وبعد كل هذه المُدة من العُنف الدامي الذي خاضته المُعارضة السورية بكافة فصائلها وعناوينها ضد النظام والدولة السورية، وبدعم وتشجيع من بعض الدول التي كان همها الأول المصالح وإيجاد موطئ قدم لها للتحكم في رسم السياسة السورية على المدى البعيد والقضاء تمامآ على ما تبقى من شعور بالعزة والكرامة فيما لو تحقق لها إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد لا سامح الله.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه ونحن ندخل متن المقال مباشرة بعيدآ عن التفاصيل الإنشائية الفضفاضة, هو هل لا زالت المعارضة السورية تراهن على إسقاط النظام بالقوة؟ بعد كل هذا الدمار الهائل بالبنى التحتية وعشرات الآلاف من القتلى وأضعافهم من المعاقين والجرحى علاوة على تهجير أكثر من خمسة ملايين سوري ضاق العالم بهم ضرعآ، سيما وإن هذه المعارضة كانت تطالب وحسب شعاراتها بالعدالة والكرامة، ودولة مدنية ديمقراطية وما الى ذلك من مصطلحات براقة، لكنها صمت آذانها ولم تعد تَسمع آلام السوريين وعَذاباتهم هَمها الأول إسقاط النظام والظفر بكرسي الحكم&ولو كلف ذلك قتل كل الشعب السوري أو تهجيره.

لم تقرأ المعارضة السورية الواقع جيدآ ولم تأبه بالتوازنات التي تَحكم وتَتحكم في الكثير من أقاليم العالم أصيبت بعمى ألوان وفَقدت القُدرة على التمييز بين سوريا وتونس أو ليبيا أو حتى مصر، فسوريا بأقلياتها الكثيرة لها وضعها الخاص المشابه لوضع العراق ولبنان وإيران وحتى تركيا وأي إختلال أو عبث في هذه التركيبة&العرقية والطائفية وتوازناتها يعني كوارث وهي قد حلت بالفعل، إضافة على إن المُعارضة السورية بكل عناوينها قد أغفلت بَعض الحقائق الجَلية والواضحة، ومنها إن حُلم إسقاط النظام يعني لا إطلالة لروسيا على البحر الأبيض المتوسط، ويعني أيضآ وهو الأهم تحجيم روسيا&وربما هَلاكها،فالغاز الروسي الذي يُصَدر الى أوربا هو ورقة تَستعملها موسكو للضغط على أوربا وإتحادها وإبتزازآ لها،علاوة على إن هذا الخط يمثل شريان مهم من شرايين الإقتصاد الروسي يَدرُ عَليها مليارات الدولارات سَنويآ، فهل يُعقل أن تَترك روسيا العظمى حلفيها يَسقط وتسمح لمد إنبوب للغاز كما هو مُخطط له من قبل دولة خليجية صغيرة الى سوريا مرورآ بتركيا ثم الى أوربا يكون بديلآ عن خط الأنبوب الروسي؟ ما يُثير الإستغراب من مواقف المعارضة السورية هو إنها لم تَستوعب لحد الآن إن الروس والصينيون رفعوا أيديهم خمس مرات في مجلس الأمن&مُستخدمين حق النقض الفيتو،&وأجهضوا قرارات غربية أرادت التَدخل في سوريا وهذا أكبر دليل على أهمية سوريا وموقعها الجيوبولتك وخصوصآ بالنسبة لروسيا وهذا سوء تقدير وضيق أفق سيتراتيجي يُحسب على المعارضة السورية.

ثم إن هناك إيران الطامحة بثقلها الإقليمي وأذرعها القوية في المنطقة وهي لا تسمح بأن يُمس حليفها السيتراتيجي الذي وقف الى جانبها وحيدآ وراهن عليها&عندما إصطفت غالبية دول العالم الى جانب العراق في حربه مع إيران في ثمانينيات القرن المنصرم.

لا نرى حلولآ في سوريا غير الحلول السياسية التي تقتضي الجلوس الى طاولة حوار تجمع كل ألوان الطيف السوري بعيدآ عن لغة السلاح وعزلآ للتكفيريين المجرمين اللذين شوهوا بدمويتهم ليس صورة سوريا فَحسب بل صورة الإسلام والمسلمين بالفظائع التي إرتكبوها بحق الأقليات العرقية والطائفية التي يَزخر بها وَيَفخر هذا البلد الجميل،وبدون الحِوار والحلول السياسية التوافقية التي تَتَطلب تنازلات شجاعة من الجميع، فالأسوأ قادم وهو وبكل وضوح الحل على الطريقة اليوغسلافية أي تقسيم سوريا الى دويلات طائفية وعرقية وينتهي الأمر.

&

[email protected]