يعيش حزب الدعوة، الذي تأسس عام 1959، ازمة عميقة منذ قيام الرئيس فؤاد معصوم بتكليف د. حيدر العبادي القيادي في حزب الدعوة/ جناح ما يطلق عليه اصطلاحاً (أفندية لندن)، بتشكيل الحكومة في العاشر من آب/اغسطس 2014، الذي عدّه المالكي (مؤامرة داخلية) في حزب الدعوة، حيكت ضده بمساعدة أطراف إقليمية ودولية.

ولم تقتصر الخلافات داخل الدعوة على سوء القيادة، والاستئثار بالسلطة لحساب الأهل والأقارب، وانما امتدت الى محاولات تغيير في بنيوية الحزب، كشفها تجدد الصراع بين التيار الذي يدعو الى تبني (الدعوة) لولاية الفقيه، الذي يقوده المالكي، والتيار الذي يطلق عليه اسم (افندية لندن) الذي يريد ان يبقى الحزب ملتزما بعدم الولاء لمرجعتي قم او النجف، كما هو ديدنه منذ الخمسينات من القرن الماضي.

ويواجه حزب الدعوة، منذ تأسيسه في نهاية الخمسينات، مشكلة الشرعية والعلاقة مع المرجعية التي تحصر الحق الشرعي في العمل الاسلامي في قيادتها فقط، حيث انشق في وقت مبكر احد المؤسسين الاوائل للحزب وهو المرجع محمد الشيرازي واخوه حسن الشيرازي الذي كتب العام 1963 كتاباً بعنوان (كلمة الاسلام) يرفض فيه النظرية الحزبية في العمل الاسلامي ويدعو الى اتباع قيادة (الفقهاء المراجع)، وهو ما ادى بالتالي الى ولادة (الحركة المرجعية) ومنظمة العمل الاسلامي على ذلك الاساس.

وكذلك فعل الشيخ محمد مهدي شمس الدين رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في لبنان ومهدي الحكيم وأخوه محمد باقر الحكيم والسيد محمد حسين فضل الله، الذين فضلوا العمل المرجعي الجماهيري على الالتزام بالاطار الحزبي. وبقي الحزب يتأرجح بين المحافظة على وجوده ونظامه واستقلاله وبين الخضوع للمرجعية التي كان يتهمها في السابق بالقصور السياسي والانطواء على الدراسات الفقهية فقط.

ومع الاستعدادات التي تجري، لعقد المؤتمر السابع عشر لحزب الدعوة في الربيع المقبل، يُثار التساؤل حول علاقة الموقع الحزبي، بالدور الحكومي، معيداً إلى الأذهان حضور ظاهرة غدت من قبيل التقليد الثابت، حيث يتبع حيازة الحكم شخصياً، ويلازمه رسوخ المكانة الحزبية، بينما يفضي العكس، أي فقدان الموقع الحكومي، إلى الإنشقاق غالباً، او فقدان الموقع الحزبي، كما حدث عندما تم استبدال الجعفري بالمالكي عام 2006. والأمر نفسه مع اختلافات قد تجعلها أضخم، يتوقع حدوثها قريباً، بينما تلوح نذر اقصاء المالكي رئيس الوزراء السابق من منصب (الامانة العامة) لحزب الدعوة.

الأنباء المتداولة رشحت كلا من: حيدر العبادي، وعلي الأديب، وعلي العلّاق، ومؤرخ الحزب وعميد الدعاة حسن شبّر، لمنصب الامين العام مع ارجحية للعبادي، في حين لايُمكن التكهن فيما يخص المالكي والوجهة التي سيعتمدها في حال اقصائه، واذا كان سيميل لاعلان الانشقاق وتشكيل تيار جديد، او يقبل حكم المؤتمر المقبل، بعد ان يكون قد فقد آخر مواقع قوته اثر فقدانه موقعه في الحكم. وبذلك يكون العبادي قد تحرر من ضغط المكانة الاعتبارية التي مايزال المالكي يتمتع بها كأمين عام للحزب.&

الأجواء الحالية داخل الحزب دفعت للسطح، ظواهر تميز بنية (حزب الدعوة الاسلامية)، من نوع عقدة الزعامة، وغياب المراجعة، واستغلال السلطة لحسم الموقف داخل الحزب، كما فعل المالكي في المؤتمر الذي كرس فيه موقعه، ما أثار حفيظة الدعاة، بالاضافة الى تكرار الإنشقاقات، التي يتوقع عودتها بقوة في المؤتمر المقبل.

وتدور داخل أروقة حزب الدعوة الحاكم، احاديث عن تفاصيل اجتماعات قيادات وشورى الحزب لبحث سبل اختيار بديل لنوري المالكي في امانة الحزب، من اجل التوصل الى شخصية مرضية لكل الأطراف تخدم الحزب او الوصول الى عدة مرشحين تطرح أسمائهم للتصويت. لكن من الواضح ان الخلافات تعصف ايضاً بجناح دعاة التغيير، وباتت القيادات وهيئة شورى الدعوة بين مؤيد ومعارض، ما يعكس الصراع الحاد بين الصقور والحمائم.&

ولعل أبرز اسباب ذلك هو سعي حزب الدعوة جاهداً للوصول الى جادة الصواب، وكسب رضا التحالف الوطني مرة اخرى والبقاء ضمن اطاره، بعد ان تم وضعه بموقف حرج بسبب سياسة المالكي السابقة، اذ يريد دعاة التغيير من قادة الدعوة إعادة هيكلة الحزب والتخلص من القيادات الفاشلة التي لم تجلب للعملية السياسية سوى اثارة الازمات والنعرات الطائفية.

وينهمك النائب المعمم والقيادي في حزب الدعوة علي العلاق في انجاز الترتيبات والوثائق والمستلزمات الأخرى لعقد مؤتمر عام لحزب الدعوة ورسم خريطة عمل جديدة له تنسجم مع المرحلة المقبلة، بينما يعكف عضو المكتب السياسي للحزب وليد الحلي على الانتهاء من اعداد تقرير سياسي موسع يكشف ما يسميه بـ (الفترة السوداء) التي عاشها الحزب في قبضة نوري المالكي منذ العام 2007.

ومن المتوقع ان يعقد المؤتمر العام للحزب في الربيع المقبل، بمشاركة جميع من حضر المؤتمر العام السابق 2007 مع اضافة كوادر جديدة اليه برزت خلال السنوات السبع المنصرمة. ويرفض دعاة التغيير من قادة الدعوة توصيات وقرارات مؤتمرات الحزب التي عقدت في اعوام 2009 و 2011 و2013 ويصفونها بانها اجتماعات روتينية وليست مؤتمرات عامة، كان المالكي يهدف من عقدها استقطاب التأييد لسياساته وتعزيز مكانته في الحزب بدليل انها لم تصدر وثائق او تقارير او برامج سياسية وتنظيمية. في المقابل، فإن علي الاديب الذي يوصف بأنه من (تيار الصقور) المتشددين داخل حزب الدعوة، يعمل بجد مع اطراف بارزة من الحزب على تسويقه كبديل جاهز لخلافة المالكي في امانة الحزب، وإنه هو الخيار الافضل لمعالجة اخفاقات الولايتين الاخيرتين لرئيس الوزراء السابق والامين العام الحالي لحزب الدعوة نوري المالكي.&

وتؤكد حدة الخلافات بين قادة الدعوة الى إن الحزب تحوّل بالفعل إلى جناحين، الأول يقوده مؤيدو توجهات العبادي الإصلاحية، أما الجناح الثاني الذي بدأت جهات عراقية بتسميته (صقور الدعوة)، فهو الآخر منقسم على نفسه، ويتزعمه نوري المالكي وعلي الاديب، برغم افتراق الرجلين والخلافات العميقة بينهما.

أما دعاة التغيير أو من يطلق عليه عليهم تسمية (افندية لندن)، فان هذا التيار ليس له قائد معلن خاصة بعد انفصال د. ابراهيم الجعفري عن حزب الدعوة في أعقاب تولي المالكي رئاسة الحكومة عام 2006 وانتخابه امينا عاما للحزب، لكن بعض الوقائع الملموسة تشير الى ان الجعفري لا يزال هو القائد غير المعلن لهذا التيار وهو من دعم تولي العبادي لرئاسة الحكومة مع باقي القيادات التي كانت تقيم في لندن والدول الاوربية.

ويبدو واضحاً ان المؤتمر المقبل لحزب الدعوة سينتخب العبادي اميناً عاماً للحزب بعد تلاشي فرصة المالكي في الاحتفاظ بموقعه القيادي وتشكيل مكتب سياسي ومجلس شورى جديدين يتم فيهما تصعيد عدد من انصار العبادي واستبعاد مؤيدي المالكي.

ويتوقع ان يقوم المكتب السياسي لحزب الدعوة بمراجعة بيته الداخلي ومناقشة الاوضاع السياسية في ضوء المتغيرات التي جرت في الفترة القريبة الماضية، وسيجري تغييرات مهمة في هيكليته القيادية وتقييما شاملا لعلاقته بالمرجعية الدينية في النجف، بما يعكس رغبة دعاة التغيير في تجديد الحياة الداخلية في الحزب.

ويسعى دعاة التغيير، الذين يتزعمهم علي العلاق ووليد الحلي، الى تقليل سنوات الامانة العامة للحزب الى سنتين بدلا من اربع سنوات او الاكتفاء بالمكتب السياسي كقيادة رأسية والغاء الامانة العامة.&
&

كاتبة عراقية