ونحن نقلب في صفحات العلاقات مع جمهورية الصين الشعبية، وجدنا ما يقول أن العلاقات في العصر الحديث لم تبدأ في الواقع من لدن ثورة الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952؛ ولكن منذ قيام ثورة الصين عام 1911، وقيام جمهورية الصين، وبعد أن منحت بريطانيا مصر استقلالا شكليا، أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين المملكة المصرية وجمهورية الصين، وكانت مصر وقتئذ الدولة العربية الوحيدة التي أقامت علاقات مع الصين.

وكشفت علاقات الصداقة والتعاون بين الشعبين المصري والصيني عن مدى الحميمية والدفء بين البلدين بعدما تعرضت الصين للغزو الياباني. حيث جسد موقف مصر من العدوان الياباني على الصين عمق الصداقة المصرية الصينية.&

وفي الأول من ديسمبر عام 1943، صدر من العاصمة المصرية إعلان القاهرة، وهي شهادة دولية بأن تايوان جزء من أراضي الصين، و أكد بطلان الاحتلال الياباني لتايوان ومطالبتها بإعادة تايوان إلى الصين الأم.

هذا يعني أن الطريق كان ممهدا من قبل لتأسيس علاقات متينة مع الجانب الصيني في ظل نظام الحكم الجمهوري الجديد حينئذ. وبالفعل سعى جمال عبدالناصر بقوة كبيرة نحو تقوية هذه العلاقات كما أشرنا من قبل، ثم جاء عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات والذي كان لديه التزامات ومشكلات بعد انتصار أكتوبر المجيد يرى 90% من حلها في يد الأمريكان وأوروبا، ولذا كان السادات أقل تحمسا في التوجه شرقا وبخاصة نحو الصين، وإن خطى خطوات على استحياء نحو الصين بإرسال نائبه محمد حسني مبارك ثلاث مرات لها.

وكما كانت مصر بعد انتصار أكتوبر المجيد 1973 تستعد لإعادة الإعمار تمهيدا لانطلاقة تنموية جدية، كانت الصين في عام 1978، تعقد الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الحادية عشرة للحزب الشيوعي الصيني وطرح الزعيم الصيني الراحل دنغ شياو بينغ نظرية بناء مجتمع اشتراكي ذي خصائص صينية وانتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح، التي كانت بداية مرحلة جديدة في تاريخ الصين الجديدة، وتاريخ العلاقات بين الدولتين، والتي تجلت في السنوات اللاحقة.

مرحلة مبارك

وتعد مرحلة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك الأكثر ثراء في تاريخ العلاقات المصرية الصينية، نظرا لطول فترة حكم مبارك والتي تعد الأطول في تاريخ رؤساء مصر منذ قيام الجمهورية، والتي زادت عن ثلاثة عقود.

فزار الرئيس مبارم الصين 6 مرات خلال رئاسته للجمهورية، كان آخرها في نوفمبر 2006 لحضور قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي!

وحمل عقد الثمانينات والتسعينات أزهى عصور العلاقة بين البلدين فدخلت علاقات التعاون الودية القائمة بين مصر والصين مرحلة جديدة، حيث شهدت هذه العلاقات تطوراً شاملاً وسلساً، ولهذه احتلت العلاقات مع الصين مكانة مهمة في السياسة الخارجية المصرية.

فخلال حقبة الثمانينيات توالت الزيارات المتبادلة بين الطرفين التي ركزت في مجملها على سبل تعزيز العلاقات لتشمل كافة المجالات علاوة على تنسيق مواقفهما في كافة القضايا المختلفة.

وفي التسعينات من القرن العشرين تكثفت التبادلات على كافة المستويات، السياسية والاقتصادية والثقافية، وزادت حركة السفر والسياحة بين البلدين وصولاً إلى إقامة علاقات الشراكة الإستراتيجية، وفي إبريل عام 1999 وضعت الأسس للعلاقات المصرية الصينية في القرن الجديد، وشهدت إعلان بيان إقامة علاقات تعاون استراتيجي بين البلدين، فتم التوقيع من قبل رئيسى الدولتين على "البيان المشترك بين جمهورية مصر العربية وجمهورية الصين الشعبية حول إقامة علاقات تعاون إستراتيجية، كما وقعا على اتفاق نوايا حول التعاون في مجالات مختلفة.&

وقد ركز البيان المشترك على الأتي:

- ضرورة بناء نظام سياسي واقتصادي دولي جديد على نحو عادل ومنطقي.

- تعزيز التضامن والتعاون بين الدول النامية وتضييق الفجوة بين الدول المتقدمة والدول النامية.

- ضرورة إصلاح مجلس الأمن لتحقيق التوازن الإقليمي مع مراعاة التمثيل العادل للدول النامية.

- أهمية تحقيق السلام الشامل العادل والدائم في منطقة الشرق الأوسط بما يتفق مع المصلحة الأساسية لشعوبها ويخدم أيضا السلام والتنمية في العالم، وأنه يجب الالتزام الكامل والتنفيذ الأمين للاتفاقيات الموقعة بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل والتي شهد عليها المجتمع الدولي بأسره.

- ضرورة العمل الدولي على سيادة مفاهيم نزع السلام وبخاصة أسلحة الدمار الشامل بحيث تشمل شتى مناطق العالم دون استثناء أية دولة أو أية منطقة.

- إدانة الإرهاب بشتى أشكاله والتعاون في مجال مكافحة الأعمال الإرهابية الدولية.

وساهمت الزيارات واللقاءات المتتالية، إضافة إلى زيادة حجم التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة والتنسيق في المحافل الدولية، في وضع أسس العلاقات بين البلدين في القرن الحادي والعشرين في ظل التغيرات التي تشهدها الساحة الدولية.

فى عام 1999، تم التوقيع على اتفاق التعاون الاستراتيجي بين البلدين هو علامة فارقة في علاقات البلدين التي اتخذت أبعاداً جديدة، سياسية واقتصادية وبرلمانية وثقافية وسياحية وشعبية وحزبية، فقد بات التفاهم والتنسيق السياسي بينهما شاملاً، وتجسد ذلك في اللقاءات والزيارات المتعددة لكبار المسئولين، إضافة إلى اللقاء السنوي الدوري لوزيري خارجية البلدين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي المحافل الدولية الأخرى.

يتبع..

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية