&في عام 1936،ألقت السلطات الفرنسيّة القبض على مجموعة من الزعماء الوطنيين التونسيين الذين انشقوا عن حزب الشيخ عبد العزيز الثعالبي الذي بعث للوجود في بداية العقد الثاني من القرن الماضي، ليؤسسوا في الثاني من شهر مارس( آذار)1934حزبا جديد أطلقوا عليه اسم "الحزب الحر الدستوري التونسي"، وأرسلتهم إلى معسكر "برج البوف" الرهيب في أقصى الصحراء التونسية. وجميع هؤلاء الذين درسوا في الجامعات الفرنسية المرموقة،وعادوا الى البلاد بشهادات عليا،كانوا يمثلون في ذلك الوقت النخبة الجديدة.وكان من بينهم الحبيب بورقيبة،وصالح بن يوسف،والطاهر صفر،والبحري قيقة،والدكتور محمود الماطري.
في مذكراته، خصص الماطري فصلا للحديث عن قراءاته وعن قراءات رفاقه في المعسكر المذكور.فقد كان هو يقبل على قراءة القرآن،و"أتحاف أهل الزمان في أخبار تونس وعهد الأمان"للمؤرخ الكبير أحمد بن أبي الضياف ،ومقدمة ابن خلدون،ومؤلفات أحمد أمين،وروايات جورجي زيدان.وكان لبورقيبة ميل خاص لكبار الشعراء الفرنسيين الكلاسيكيين من امثال فيكتور هوغو،ولامرتين، وألفريد دو فينيي الذي كان يحفظ قصيدته الشهيرة "موت الذئب" عن ظهر قلب. وعندما أصبح رئيساً لتونس، كان يحلو له أن يردد مقاطع منها أمام ضيوفه الفرنسيين.
وذات مرة قرأ بورقيبة على رفاقه فقرات من رواية ألالماني ريمارك "لاشيء يحدث على الجبهة الغربية"، ثم أجهش بالبكاء.وكان الطاهر صفر الذي حصل على شهادة الباكالوريا ( الثانوية العامة) بتفوق وهو في سن السابعة عشرة من عمره ، يحب أن يقرأ لرفاقه سير الشعراء والمغنين في كتاب "ألأغاني"، وينشدهم قصائد لبشار بن برد، وأبي نواس ،والمتنبي ...
في وحشة "برج البوف"، قرأ المناضلون الوطنيّون ايضا كتاب"كفاحي" لأدولف هتلر &الذي كان يشهد رواجا كبيرا في تلك الفترة ،وحوله دارت مناقشات ساخنة انتهت بعدم آتفاقهم مع الأفكار الواردة فيه.
وتقديرا لتلك القولة الشهيرة:”قل لي واذا تقرأ أقل لك من تكون"، يمكنني أن أطرح السؤال التالي:ترى ماذا يقرأ السياسيّون التونسيون الذين فرختهم "ثورة الكرامة والحرية". ويبدو لي أنني على حق في طرح هذا السؤال.فمن خلال متابعاتي لكلامهم وتصريحاتهم في المنابر الإعلامية،وخطبهم أمام أنصارهم ،والمناقشات التي تدور بينهم وبين خصومهم ،تبين لي أنهم قد لا يعيرون القراءة أي آهتمام.بل ربما يعتبرونها مضيعة لوقتهم الثمين.وثمة من بينهم من أمضى سنوات مديدة في المنفى في باريس،أو في لندن،أو في برلين ،او في غيرها من العواصم الكبيرة ،ثم عاد وكأنه لم يعرف شيئا ولو يسيرا عن ثقافة البلد الذي احتضنته في منفاه، ولا عن ثقافة بلاده التي يرغب في أن يحكمها.وقد آتضح للتونسيين أن السيد رفيق عبد السلام،صهر راشد الغنوشي ، الذي تولى شؤون وزارة الخارجية في ما أصبح يسمى ب"حكومة الترويكا"، لا يعرف عاصمة تركيا،ولا طول شريط الساحل التونسي الممتد من مدينة طبرقة شمالا الى الحدود الليبية جنوبا.كما أنه نسب آية قرآنية للجاحظ وقد بدا منبسطا شديد الإنبساط بمعرفته الواسعة،وعلمه الغزير!
ولا يختلف اليساريون عن جماعة النهضة في خوائهم الثقافي،وندرة قراءاتهم أو انعدامها.ويبدو أنهم لا يزالون يتغذون فكريا وايديولوجيا من الكراسات والبيانات الشيوعية التي كانت تأتيهم في زمن شبابهم من البانيا،ومن الصين،ومن دول شيوعية بائسة في العالم الثالث.وفي مجال الموسيقى هم يقتصرون على سماع أغاني الشيخ امام،ومارسيل خليفة ،وبعض الفرق الموسيقية التي تتغنى بالفلاحين والبروليتاريا الرثة.
وقبل عامين أصدر الشيوعي حمة الهمامي ،الناطق الرسمي بإسم &"الجبهة الشعبية" كتيبا من خمسين صفحة حمل عنوان:”المرأة والإشتراكية".وقد قرأت هذا الكتيب في سيارة ألاجرة &التي حملتني من العاصمة الى الحمامات.وعندما انتهيت من قراءته،تساءلت:عن أي آمرأة ،وعن أي آشتراكية يتحدث هذا الثوري المسكين؟؟
&