نعم .. لا تكن كالحرباء في مواقفك، &يا من تنظر للحياة بعين لا تبعدك النظر سوى عن رؤية المسافة المحددة بظل قامتك، وأحياناً بإزدواجية البصر، وإنحصارك في تلك المسافة التي تبعث فيك الملل، والتمركز في دائرة قِصْر رؤيتك التي تقودك فيما بعد لتخمينات في غاية السلبية تجاه المجتمع الذي لا يستثنيك من شرعية عضويته، مهما ارتقت بك رؤياك، ومهما تدنت أو انخفضت في الدائرة الوهمية التي تحتويك، رغم معرفتك بحدودها التقليدية التقييدية. &
من منطلق هذه الظاهرة على الإنسان الذي يسعى لما يطمح إليه أن يعي دوره في الحياة مهما بلغ من العمر في اكتساب المعرفة والحكمة التي عادة يقتنيها منذ صغره وفي مطلع شبابه ليستند عليها، وما تتوالى عليه فيما بعد من مراحل النشأة العمرية التي عادة يتوارثها بمعرفته واستدراكه من المحيط العائلي والمجتمعي والتثقيف الذاتي من مواقف معترك الحياة. لذا فإنه مهما طال به العمر، فهو متعطش لها في مسيرته الحياتية، وتستوجبه إرادته بحكم طموحه وتطلعاته من رفدها بما هو جديد عليه، عبر مراحل حياته للسيرعلى هديها والإمتثال بكنهها، مؤهلة إياه تجارب عديدة وقناعة تامة محفوفة بالرضا والتيقن لبناء شخصية متميزة تؤهله لإسداء النصح والإرشاد متى ما استوجبت الحاجة لذلك، وبما ينتقي من عطور تجارب رياض الحياة بغية توجيه من هم في ركبه ومسار تياره بمسوىً أعلى أو أدنى، وكذلك في حال إن كانت غاية من يلتمس مشورة ما لتقويم مَن هو بحاجة للتقويم والتقييم. أما أن يحيد عن مجرى ذلك التصور لأسباب تمليها إعتبارات أخرى، شخصية عفوية أو مصلحية نفعية، &فهذه مسألة فيها وجهة نظر. وهنا تكون تلك المسألة قد دعتنا أن نخمن مواقفه بين وجهتين متفاوتتين، الأولى إيجابية والثانية سلبية. فإن كانت حقاً تتوسم بالإيجابية فهذه دلالة على مفاهيم الصدق والإحترام والإخلاص والإيمان مؤداها الخدمة العامة دون مقابل بغية الإرتقاء بمكانة الإنسان وإقتياده ضمن موكب المصلحين، كونها تـُستَشفُ من الحصافة التي تحتكم إلى العقل الواعي لإتخاذ القرارات وتنفيذ ما ينبغي تأكيده لإصلاح ما يجب إصلاحه من المثالب، وتقويم ما ينبغي تقويمه من الإعوجاج. &أما إن تمثلت المسألة بالجانب السلبي فتلك دلالة على إزدواجية الرأي والإختفاء خلف ستار التردد والتشبث بصفة التملق لتحقيق غايات تؤطرها شارات الأنانية والبغض والحقد التي هي من الأمراض الفتاكة لشخصية الإنسان نفسياً وعقلياً وبالتالي جسدياً، مبعثها أو مصدرها ما يخزنه العقل الباطن من إشكالات ظروف نفسية يغذيها الإستهجان والإستنكار لرفض وكسح الأعمال الخلقية ذات النفع المادي والمعنوي. وفي ذات الوقت الكشف علناً ـ ربما دون معرفة واستدراك ـ &عن أردأ الصفات التي يرفضها وينددها العقل البشري المتسلح بسلاح المعرفة الحقيقية التي توسع مدارك الفرد مهما إجتازت حياته بمراحلها المتمثلة بعهد الشباب وما بعدها، ولحد الشيخوخة. أما مَن يتواطأ مع الصفات السلبية الآنفة الذكر، يؤكد حتماً عن خروجه من سكة مسار الثقة بالنفس التي تكشف حقيقته دون وعيه أحياناً، كذاك الأسد المتبختر حين يتوهم ولا يستدرك بأن يرى منافسه في ظله المشابه له على سطح ماء البئر، متحدياً تبختره في عمق البئر الذي يرمي بنفسه فيه ليصارع ظله، وبالتالي ليلق حتفه فيه.
هذا هو واقعنا الذي نعيشه اليوم في أوطاننا الأم من جراء حالة الحرمان المزرية والأضرار النفسية والصحية الناجمة عن فقدان الأمن والإستقرار والعوز المادي والمعنوي مجتمعة، بحيث لم تدع الفرد أن يعيش أواصر العلاقة الإنسانية في تعامله مع ذاته ومع الآخرين في المحيط الذي أصبح غريباً عليه. وأقل ما يمكن قوله وإثباته بأنه تتقاذفنا أمواج مواكب مكونات التحزب الطائفي بالمحاصصة للتربع على زمام البرج العاجي، تلاطفنا ألسنة العسل الممزوج بالسم القاتل، لتجعلنا قاب قوسين، نشكو الضيق والحرمان والتشريد بضعف قدراتنا على تَحَمّل ما تمليه علينا إرادتنا المشحونة بالمخاوف والفزع والقلق، لتهدينا ـ رغماً عنا ـ أن نبحث عن منفذ للخلاص، بوسائل قد تؤدي إلى الهلاك، ومن طرف آخر بأساليب لا يُحمد عقباها، كما تثبته الإحصاءات التي لا تـُقـَدر من هجرة أبناء الوطن الأصلاء من مراتع وجودهم، إلى جانب الدخلاء ـ إن صح التعبير ـ الذين يقتدون بغيرهم من الذين سبقوهم لغاية في نفس يعقوب. لتكون المصيبة الأخرى وهذه الحالة بنقل ذات الداء والأعراض من المفسدين والدجالين والسارقين إلى بلدان الشتات التي احتضنتنا ورعتنا رغم تفاوت مبادئنا ومواقفنا وانتماءاتنا في أوطاننا، فحدّث عنها ولا حرج. فكيف تحلو الحياة لشعب منزوع السلاح في أرض وطنه وبتفاقم المصائب وأهوال المعاناة بإستفحالها أن يكون ضيفاً على الضيف المُنتهك للحرمات في أرضه المغتصبة أن يعيش بأمان؟! اللهم إلا إذا انقلب السحر على الساحر. وسحر اليوم تتحكم عليه مصالح الثروات النفطية من الدول الغربية ومن يساندهم من مستوطني البلد من النفعيين، ومن اولئك اللاعبين على حبلين. هذا ما تنبأ له في مطلع العشرينات أحد مطارنة الكنيسة الشرقية وممثلها في الهند أثناء حضوره مؤتمراً دينياً في مدينة اوبسالا السويدية حين أفاد في كلمته بأن الشرق سيكون منطقة صراع على القوى النفطية. وهذا ما تحقق اليوم لصالح الدول الغربية لتنتفع من ذلك وتجعل بشكل خاص من العراق وسوريا وليبيا ودول أخرى التي منها إيران وفق الرابط المنشور في نهاية المقال بعنوان " للمزيد " حيث تعيش تلك الدول الصراع الطائفي والمذهبي شارات الوهن والتخاذل والهزال بإستحواذ تلك القوى المراوغة، ومن ثم انتشار الفساد. وها هي منظمة الشفافية الدولية تؤكد ذلك في تقريرها الذي نصبت العراق من الدول العشر الأوائل الأكثر فساداً من مجموع 168 دولة لعام 2015.&
إذن ماذا ينتظر الشعب العراقي قاطبة من هذه النتائج؟ وماذا تتأمل وتنتظر تلك المكونات المنزوعة السلاح من أبناء شعبنا والمكونات الأخرى المؤمنة بمبدأ السلام والتسامح بهجر بيوتها وأملاكها وقراها من تلك السياسة التي إختلط فيها الحابل بالنابل والأخضر باليابس من جراء مساوئ تلك الصراعات المستشرية لأسباب تسموية أدت بمنزوعي السلاح المادي من الآشوريين بكافة نعوتهم والإيزيديين والصابئة وغيرهم من حماية الأرواح عوضاً عن حماية الممتلكات؟! لكون الممتلكات بالإمكان تعويضها، ولكن الأرواح لا تـُعَوّض. رغم ما حلّ بتلك المكونات التي غفل عنها من حرروا العراق بإسم ديمقراطية الإستحواذ المناهضة لمبادئ الديمقراطية الحقيقية التي من أسسها إبعاد الظلم والإستبداد، بتفضيلها طرف على آخر، ومن ثم نثر بذور الفكر الداعشي لمصالحهم الخاصة.&
الأهم من كل ذلك بعد تلك النتائج المزرية والمعيبة هو أن تتخذ تلك المكونات قرار الخلاص في الحين الذي تقذف بهم أمواج البحر على السواحل الآمنة لتستقبلهم النواطير في الأماكن المأمونة من بلدان الشتات بعبارات مؤداها مبادئ الرحمة والإنسانية والإحترام والتقدير وفق مبادئ حقوق الإنسان، ليستغربوا من ذلك التعامل الإنساني في البدء. وما أن يستقر بهم المقام والوضع من بحبوحة العيش، تراهم وقد استباحوا كل شئ لدى ديوان الضيف، ناقلين ذات المساؤئ التي اعتادوا عليها. وهنا ليس معناه وفق مبادئ الأخلاق وتوصيات الشرائع السماوية أن يتجاوز البعض على ما هم عليه بعد أن تطأ أقدامهم أرض الراحة والأمان لتعيشوا براحة البال والسلام، متناسين ذلك وفي وقت قصير بتعمد التجاوز والتطاول بإسلوب شائك لا يجدي نفعاً على توفير ما لا ينبغي ولا يمكن توفيره ليدل عن يقين على الطمع الذي لا مبرر له بمناداة لا يستوجب مضاعفتها. وهنا تنعكس الآية لا على الفرد الواحد نفسه وإنما لتنتقل العدوى إلى مجموعة أكبر لتشمل من الطيبين والقنوعين بشكل غير مباشر ومن الذين يمتثلون لمقولة " خبزنا كفافنا "، وبما معناه كفانا إننا أنقذنا أرواحنا وأرواح أطفالنا الأبرياء. وهنا تستشري الطامة الكبرى بما قيل " ما زاد عن حده انقلب إلى ضده ". عندئذ تكون تلك الطامة سبباً لخلق حالة كرهٍ ونفور بإشمئزاز وفتور من الذين استقبلوك بحسن النية والإنسانية، ومن ثم تكون عاملاً مؤثراً على مَن هم مِن بعدك مِنَ الذين عاشوا ويعيشون تفاقم معاناتكم الميأوسة، بإيصاد أبواب الرحمة والعناية أمامهم مهما كانت الأعذار والمسببات بدوافع إشتداد الجشع الذي لا مبرر له، إضافة لإتباع ممارسات لا يقرها القانون ولا الأعراف النتعارف عليها. هذا ما أكدته وسائل الإعلام في أغلب دول العالم التي احتضنت اللاجئين والمشردين لتتخذ حكوماتها قرارات الترحيل بالإبعاد القسري للآلاف منهم رغم تواجدهم في تلك البلدان لفترة زمنية معينة بتوفي المأكل والمشرب والسكن والمساعدات والأمان.
لهذا تجد من تسديه النصيحة لتجنب ذلك السلوك يستهجنك ويعاديك ويكيل لك بما لا تتصوره من عبارات الحقد والتشويه، تيمناً بمضمون ما قيل إذا نصحت الجاهل عاداك، غير مستدرك لفحوى تلك العبارة، ولا لمضمون علـّم الجاهل بما يجهل عساه يهتدي لدرب الصواب إن كان يلتمس مشورة العارفين. لذلك ينبغي الإنتباه بكل حذر " من الذي كان جائعاً وشبع، لا من الذي كان شبعاً أو متخماً وجاع ". وفق ما قاله أحيقار الحكيم مستشار الملك سنحاريب قبل الميلاد لإبن أخته نادان الذي تبناه ومنحه من الثروات لينقلب على فضله.
كاتب آشوري عراقي&
للمزيد&
(إضغط على &Ctrl في لوحة الحروف وعلى المزيد في نفس الوقت
&