&دائما وأبداً، سيظل الملف السوري محل اختلاف في وجهات النظر بين القاهرة والرياض.. فالقاهرة ترى أن التدخل العسكري للإطاحة بالرئيس بشار الأسد، سيؤدي إلى انهيار سوريا، وسقوط الدولة وتدمير مقدراتها ومؤسساتها، من هنا كان تصويت مصر لصالح القرار الروسي الداعي لوقف استهداف المدنيين، ودعم العمل الإنساني والإغاثي.. أما الرياض فتسعى إلى الإطاحة ببشار الأسد دون استبعاد الحل العسكري، الأمر الذي أغضب الرياض من القاهرة بعد أن صوتت بمجلس الأمن على المشروع الروسي، الذي كان لا يختلف كثيراً عن المشروع الفرنسي الإسباني الذي كانت تقف خلفه كل من أمريكا وبريطانيا..

&
رغم كل ذلك فإن اختلافات وجهات النظر بين القاهرة والرياض، لا تزيد عن هذا الملف، في حين تتمسك الدولتان بالعلاقات السياسية والتاريخية باعتبارهما رأس الحربة في الشأن العربي بالمنطقة، بمعنى أنه ليس هناك صراع سياسي بين البلدين، بقدر ما هو اختلاف في وجهات النظر حول ملف محوري في المنطقة العربية.. الأمر الذي لا يستدعي النفخ في النار لإشعال فتيل الأزمة بين دولتين كبيرتين.. لذا لن تنجح قناة تلفزيونية أو غيرها في الوقيعة بين القاهرة والرياض، لمجرد أنها نقلت مشهدا يجمع بين مندوبي مصر وسوريا وهما يتهامسان قبل التصويت على القرار، في محاولة لإثبات أن الطرفين اتفقا مسبقاً على التصويت لصالح المشروع الروسي، متناسية هذه القناة أن مندوب مصر لن يستطيع التصويت بشكل شخصي على أي قرار دولي، دون أن يتلقى أوامر من الخارجية أو القيادة المصرية، فهو داخل مجلس الأمن يمثل سياسة مصر، بعيداً عن الهمس والغمز واللمز الذي ادعته هذه القناة المريضة.
&
بين مصر والسعودية علاقات تاريخية على المستوى الرسمي والشعبي، وما حدث لا يزيد عن كونه زوبعة في فنجان، وهذه العلاقة لن تتأثر بأراء بعض المزايدين أو الذين يصطادون في الماء العكر سواء في الإعلام الأصفر أو مواقع التواصل التي تحولت إلى "مكب" لكل من يريد أن يطرش ما بداخله من سموم لإشعال وافتعال أزمة بين كبيرين على الساحة العربية..
&
لا أحد ينكر أن مصر تحتاج إلى دعم إقتصادي من الجانب السعودي، في ظل تدهور إقتصادها، نتيجة انخفاض الاحتياطي النقدي، وزيادة العجز في الموازنة، مع تراجع موارد الاستثمار والسياحة وعائدات قناة السويس، وانهيار الجنيه أمام الدولار، الأمر الذي ساهم في جنون الأسعار، في ظل مستوى معيشي منخفض لمواطن مطحون يسعى لتوفير قوت يومه بصعوبة بالغة..
&
في نفس الوقت تحتاج الرياض إلى دعم مصر في صراعاتها مع إيران وحربها ضد الحوثيين في اليمن، خاصة بعد أن زادت مؤامرات إيران في المنطقة العربية مستغلة الخلافات العربية- العربية، محاولة بث سموم الفرقة بين الدول.. فمصر بالنسبة للسعودية لا تقل أهمية عن تركيا التي سعت الرياض للتحالف معها، رغم عداء تركيا الواضح لمصر وقيادتها، بعد أن اختارت التواجد الدائم في خندق الإخوان.
&
بالأخير، العلاقة بين القاهرة والرياض أبدية وتاريخية، ولن يؤثر عليها مشهد مسموم على شاشة مغرضة ساهمت في الفرقة بين دول عدة لأهداف خبيثة.. أو هذيان بعض الخرفان على مواقع التواصل.. فالقاهرة والرياض، هما السفينة التي تبحر بالأمة العربية نحو شاطئ الأمان، في ظل واقع مؤلم ومنعطف خطير تمر به المنطقة بأسرها، رغم أنف كل حاقد.
&
&
كاتب صحفي
&