&
تعرضت منطقة الشرق الأوسط مع نهاية عام 2010 إلى، ما سماه الغرب بالربيع العربي، والتي تبين في الحقيقة بأنه إنتفاضة غضب عولمي، بعد أن زاد تباين الثراء بشكل فاحش، في جميع إنحاء العالم، بعد الإزمة المالية العالمية للبنوك في عام 2008، وتبقى الأسئلة التالية: بعد أن عانت شعوب العالم من تبعات جشع قيادات الوول ستريت، مع إنتفاضة العولمة لعام 2008، هل سيواجه العالم أزمة إنتفاضة عولمة جديدة تتعلق بالعلاج الدوائي والجراحي؟ فهل إنتشر وباء جشع الربحية من القطاع المالي إلى القطاع الصحي، الوقائي والعلاجي، الدوائي والجراحي؟ وهل هناك تلاعب في تسعير الأدوية، لترتفع أسعارها بشكل خيالي، بحيث لا تستطيع ميزانية المواطن، بل وموازنة الدولة تحمله؟ وهل بدأت المستشفيات وصف أدوية لا حاجة للمريض إليها، لزيادة أرباح شركات الأدوية؟ وهل تستفيد شركات الأدوية من شراء رجال البرلمان والحكومة والقضاء لكي تضمن إستهلاك أدويتها وبسعر مرتفع فاحش؟ وهل امتد طاعون هذا الجشع للمنتجات والعمليات الجراحية؟ فهل بدأ &الجراحون أجراء عمليات لا يحتاج لها المريض، لترتفع استهلاك المنتجات الجراحية، لتكسب الشركات الصناعية الجراحية أرباح هائلة، ولترشي القطاع الطبي بقلة من أرباحها؟ وهل ممكن أن نتصور بأن طبيب القرن التاسع عشر حقن نفسة بجراثيم الأمراض ليكتشف علاجات جديدة لمرضاه، بينما يضطر طبيب القطاع الخاص في القرن الحادي والعشرين على العمل ليلا ونهارا، لزيادة ربحية الشركات الدوائية والجراحية، ومع المستشفى الذي يعمل فيه، لكي يحافظ على وظيفته، لكي يغذي ويدرس أطفاله؟ وما خطورة الأخطاء الطبية؟ هل ارتفعت نسبها لتصبح أحد أهم أسباب الوفيات في المستشفيات؟&
لنكمل الإجابة على هذه الأسئلة، بمراجعة عدة مقالات غربية برزت في الإعلام الياباني في شهر سبتمبر الماضي. فلقد كتب جيمس سوروويكي، بمجلة النيونيوركر مقال بعنوان، كيف حول صانع إبرة "الأبي بن" الحكومة حليفها؟ يقول فيه: "في جلسة الكونجرس لمساءلة الرئيسه التنفيذية لشركة ميلان كورب، عن زيادة سعر إبرتي، أبي بن، لمعالجة صدمة الحساسية، وكان ردها بأن شركتها لا تربح الكثير من هذا الدواء، ولم تبين كيف أرتفع سعر هذا الدواء المهم لانقاذ البشر من الموت من صدمة الحساسية، ستة أضعاف منذ عام 2007. وطبعا حاول رجال الكونجرس عضها "صوتيا"، وحاولت أن تدافع عن شركتها وفي النهاية لم يجد جديد، فرجال السياسة لا يستطيعون الاضرار بمصالح الشركات العملاقة، لأنهم سيخسرون دعم اموالهم في الأنتخابات، ليخسروا مقاعدهم في الكونجرس. وكما قالها النائب الجمهوري، إيليجا كومنج، في إفتتاحية خطابه: "ستتقبل شركات صناعة الأدوية الضربات الصوتية من أعضاء الكونجرس، ولكن سيستمروا بدون خوف في رفع الأسعار، فالمسائلة مع أنها لن تحقق شيئا من ناحية الأنظمة الرادعة، ولكن وضحت شيء مهم، بأن معضلة هذه الشركة ليس فقط أنها ستستمر في رفع سعر الدواء، بل ستستفيد من سلطة الحكومة لستسمر في ذلك." والحقيقة بأن أحد الأسباب التي ساعدت لكي تكون هذه الإبرة مرغوبة وغالية هو دعم شركتها من قبل لوبياتها السياسية، التي دفعت لدعم الدولة، وخاصة بعد أن صرفت هذه الشركة على الدعاية الإعلامية، لوعي المواطنين عن صدمة الحساسية، والمقصود منه بأن يعتقد المواطنون بأن توفر، الإبي بن، أساسي للوقاية من مآساة صحية مع الموت، والذي ساعد الشركة للدفع بتشريع قانون يوفر هذا الدواء في المطاعم والفنادق والمواقع العامة الأخرى، لاستخدامها في حالة الطوارئ. كما دفع لوبي الشركة بإدارة الغذاء والدواء الفيدرالية الأمريكية، لكي ترفع الجرعة الدوائية من إبرة واحدة إلى إبرتين، ولذلك يوجد اليوم الإبي بن في علبة بها إبرتين، فيعني ذلك بأن على المريض أن يدفع ضعف السعر، لدواء يحتاج منه إبرة واحدة فقط. كما قام لوبي الشركة بالدفع بالمشرعيين الفدراليين، لضمان تغطية كلفة توفر هذا الدواء في المدارس.&
وطبعا جميع هذه التشريعات زادت من الاستهلاك المصطنع لهذا الدواء، بل زادوا استهلاك مؤسسات الدولة لهذا الدواء، حيث أن مدة صلاحية هذا الدواء قصيرة، فيحتاج باستمرار التخلص من المخزون القديم إن لم يستهلك، وشراء مخزون جديد، والذي لن يستهلك إيضا، وبذلك تدخل اموال طائلة في ميزانية شركة الدواء، ولتفلس الميزانية الدوائية للحكومة. بل وتقوم الشركة بمشاريع خيرية في المدارس، لتدعم سمعة دوائها بين المواطنين، فحينما يفكر الأب عن صحة طفله مع الإبي بن، الموجود في المدرسة، فلن يفكر في نفس العلاج، التي تصنعه شركة أخرى، كمثل إبرة الأدريناكليك، وخاصة بأن الشركة التي تصنع الإبي بن توفر إبرة الحقن بالمجان، وتصر بأن من يأخذ أبرة الحقن هذه يجب إلا يشتري الدواء، إبي بن، إلا من شركتها، ولا يسمح لهم أن لا يشتروا هذا الدواء من أيه شركة أخرى. بل امتدت هذه الشركة في غيها بحيث أنها تحاول أن تدفع بالحكومة الأمريكية لكي تعتبر هذا الدواء دواء وقائي، والذي سيؤدي لأن تغطي شركات التأمين جميع الكلفة، والذي يعني بأن المستهلك لن يشتكي من رفع السعر، وبذلك ستستطيع الشركة أن ترفع السعر كما تشاء، وبدون صراخ المواطنين، لأنهم لن يدفعوا الثمن إن كانوا مأمنيين صحيا. وقد يكون هذا مثلا، لكيف تدفع شركات الأدوية بالحكومة لزيادة الحاجة للمنتجات الدوائية، كما أنه مثل لكيف تحاول شركات الأدوية إخفاء أرتفاع أسعار الأدوية، بأن تدفع بالحكومة أو شركات التأمين بتغطيتها، لكي تخفي إرتفاع السعر عن عيون المواطنين. وقد يساعد ذلك المستهلك على المدى القصير، ولكن على المدى البعيد، لن يقلل ذلك كلفة، إبي بن، على مصاريف الرعاية الصحية الشاملة، والذي يعني في النهاية، سيدفع المستهلك الكلفة برفع سعر التأمين، والرابح الوحيد على المدى الطويل هي شركة ميلان. ويعني ذلك بأن نجاح شركة ميلان هو تعبير بأن النظام الدوائي الحالي، يسمح لشركات الأدوية أن تربح ليس من الأبداع التكنولوجي في إنتاج الأدوية، بل بالتلاعب بالنظام الدوائي الحالي المهلل. وما تفعله هذه الشركات، هو بأنها تتمتع بمساعدة الحكومة والسلطة، وبدون التدقيق ولا المحاسبة، بل بالعكس، يسمح لهذه الشركات برفع سعر الأدوية كما تشاء. ومع أن شركة ميلان تم التدقيق معها في الكونجرس يوم الأربعاء الماضي، ولكن ومع سوء الحظ، ترجمة تدقيق الكونجرس إلى محاسبة قانونية حقيقية، شيء لن يحاول أن يحققه رجال الكونجرس." &
كما كتب ريكاردو الونسو زالديفار في الأسوسيشيت برس، وتحت عنوان، هل تشريعات الكونجرس مكنت من رفع أسعار الأدوية؟ &يقول: أرتفع أصوات المشرعيين في الكونجرس بسبب إرتفاع أسعار الأدوية، ولكن رجال البرلمان ورؤساء الحزبيين، هيئوا الطريق لرفع أسعار الأدوية، وعلى حساب المستهلكين. فخلال الثلاثة عشر سنة الماضية، مرر الكونجرس تشريعات كبيرة رفعت سقف التغطية لادوية المواطنين، ولكنها تفتقد للآلية للسيطرة على ارتفاع الأسعار، بل تركتها لقوى السوق. ويعلق الاقتصادي بول جنسبرج بأن الكونجرس قد خلق وضع يؤدي لإرتفاع أسعار الأدوية بسرعة، فتغطية الحكومة رفعت الميزانية المتوفرة للأدوية، ليستغلها القطاع الخاص لرفع كلفة الدواء.. فسياسات الحكومة شجعت البيئة المناسبة لإنتاج دواء جديد، بأسعار مرتفعة، ورفع اسعار الادوية القديمة المتوفرة."
كما نشرت المجلة الطبية البريطانية دراسة بحثية قارنت بين العملية الجراحية وتمارين العلاج الطبيعي، في المرضى المصابين بألم في الركبة مع التمزق الغضروفي، وبدون التهاب الركبة. وقد أكدت هذه الدراسة بعدم فائدة العملية الجراحية، مقارنة بالعلاج الطبيعي. وأكدت ذلك في إفتتاحيتها بأن: "عملية التمزق الغضروفي للركبة عملية مشكوك فيها جدا، وبدون إثباتات علمية، وحتى قليلة. وقد تجاهل الجراحون حقائق نتائج الأبحاث الجراحية العلمية هذه." وقد نشر البروفيسور جوردون جويت، استاذ العلوم الطبية والابديمولوجية بجامعة ماك ماستر الكندية، إفتتاحية يقول فيها: "أنا شخصيا أعتقد بأن الطبيب يجب إلا يذكر عملية غضروف الركبة هذه، لأن نتائجها نتائج وهمية كاذبه أي &بلاسيبو. بل عليه أن يخبر مريضه بأن لدينا أبحاث طبية مقارنة دقيقة، تبين بأن العملية ليست بدون فائدة، ولكن إذا كانت هناك أية فائدة فهي فائدة قليلة، ويجب مقارنة هذه الفائدة القليلة بالمضاعفات الخطيرة للتخذير والعملية نفسها، وبالإضافة للكلفة. ومع سماع المريض جميع هذه الحقائق، لا أتصور بأن أي مريض عاقل سيفكر في إجراء هذه العملية."&
&كما كتب اريك بيانين في صحيفة الفيزكال تايمز في 12 مايو الماضي يقول: "زيادة القلق من إرتفاع كلفة الرعاية العلاجية أدت للتدقيق في خطورة تضارب المصالح الشخصية للأطباء مع زيادة كلفة الرعاية العلاجية، فقد بينت في شهر مارس الماضي دراسة لمنظمة بروبابليكا الغير ربحية، بأن الأطباء الذين يقبلون الأموال والهديا من شركات الأدوية يميلون أكثر لوصف أدوية مكلفة جديدة، من الأطباء الذين يرفضون الأموال والهديا من هذه الشركات. &كما أن هناك تقرير من اللجنة المالية للكونجرس الأمريكي تبين بأن الأطباء يزيدون دخلهم بتشجيع المرضى المصابين بأصابات ظهر خطيرة لإجراء عمليات ظهر مكلفة، تستخدم فيها أجهزة ومعدات من شركات لهم مصالح مادية معها. &وهم حلقة وصل بين هذه الشركات المنتجة والمستشفيات، ويستفيد الأطباء من بيع هذه المنتجات من خلال الرعاية الحكومية للمسنين وقليلي الدخل، وهؤلاء منتشرين في 43 ولاية أمريكية على الأقل، كما بين التقرير بأن هولاء الجراحين المرتبطين بالشركات المنتجة، يقومون بنسبة عالية من العمليات عن زملائهم الجراحين الغير مشاركين في هذه الحلقة وبنسبة 44%، كما أنهم يقومون بجراحة الظهر بنسبة الضعف عن زملائهم الغير مرتبطين بهذه الحلقة بي. أو. دي. أي أطباء يملكون توزيع المعدات والأجهزة، ويستلم هؤلاء الجراحين عمولة على كل عملية بيع، لذلك يتشجعون في أجراء عمليات أكثر لتزيد عمولتهم. وهنا يطرح التقرير سؤلا مهما: أذا كانت هناك مصالح مادية للجراح في بيع الإجهزة والمعدات والأجهزة فهل يراعي الجراح مصلحة المريض أم مصلحته حينما يقرر عملية جراحية خطيرة؟ ويؤكد خبراء الجراحة بأن عمليات دمج فقرات الظهر من أصعب وأخطر العمليات والأكثر كلفة، ويوصون بها فقط حينما تكون مشكلة الظهر خطيرة جدا. كما يؤكد التقرير بأن شراء المستشفيات لهذه المعدات تعتمد على طلب خيار الجراح، بمعنى كلما زادت طلبات الشراء، كلما زادت عمولة الجراح. وقد بحثت اللجنة في هذه الممارسات وقدمت تقريرها للقضاء ليتم محاكمة بعض الجراحيين باتهامهم الاستفادة من إجراء عمليات غير ضرورية وخطرة، لزيادة عمولتهم. & &
وهناك معضلة أخطر في زيادة كلفة الرعاية الصحية مع زيادة الأخطاء في الممارسة الطبية، فقد كتب مارتن شكرلي، بصحيفة الواشنطون بوست، في الرابع من شهر مايو الماضي، وتحت عنوان، الأخطاء الطبية السبب الثالث للوفاة في الولايات المتحدة، ليقول: "كابوس من القصص عن ممرضات تعطي أدوية خطيرة للمريض خطاءا، بدل المريض الذي يحتاج له، بل وإزالة الجراحين بالخطء عضوا سليم من مريض، بدل العضو المريض المصاب. فقد نشرت المجلة البريطانية الطبية في هذا الشهر، دراسة تبين بأن الأخطاء الطبية شائعة جدا في المستشفيات، وقد تكون السبب الرئيسي الثالث للوفاة في الولايات المتحدة، والتي تسبب وفاة مائتين وواحد خمسين ألف مريض سنويا، أي أكثر من وفيات الأمراض التنفسية والحوادث والجلطة الدماغية ومرض الألزهايمر. وقد وضح البرفيسور مارتن ماكاري، أستاذ الجراحة في كلية الطب بجامعة جون هوبكنز الأمريكية المشهورة في مقابلة صحفية، بأن القضية تشمل كل شيء من أطباء سييئين حتى الأنظمة، ومن التواصل الخاطئ منذ إنتقال المريض من قسم إلى آخر، ولتنتهي بموت المرضى من الرعاية التي تقدم لهم، بدل المرض الذي يتعالجون منه." &كما نشر في عام 1999 تقرير مؤسساتي يبين بأن الأخطاء الطبية في الولايات المتحدة سبب في وفاة ثمانية وتسعون ألف سنويا، بينما جمعت أبحاث البروفيسور ماكاري أربعة تقارير كبيرة منذ عام 2000 وحتى عام 2008، والذي قدر بان هناك مائتن وواحد وخمسين ألف وفاة سنويا بسبب الأخطاء الطبية، بحوالي سبعمائة وفاة يوميا، ولتمثل 9.5% من أسباب جميع الوفيات سنويا. ويؤكد البروفيسور ماكاري بأنه قد عمل مع فريقه حول هذا البحث لأن معظم المؤسسات الطبية تتجنب الخوض فيه، بل لا توجد أنظمة دقيقة للبحث عنها والتصريح بها او الإعلان عنها. كما أن مراكز التنظيم والوقاية الأمريكية لا تطالب بذكر الأخطاء الطبية في رموز تقاريرها، وقد تكون هذه الأرقام قمة الجبل الجليدي للاخطاء الطبية، لذلك هناك حاجة لكي يعلن الأطباء والمستشفيات أية أخطاء طبية في ممارساتهم اليومية، لكي نعرف النسب الحقيقية لنعالج أسبابها.&
وتبقى الأسئلة التالية لعزيزي القارئ: ما مدى انتشار هذه الظواهر السلبية العلاجية في مجتمعات الشرق الأوسط؟ وإذا كان سبب الربيع العربي العولمي لعام 2011 تباين الثراء الفاحش في العالم، فهل نقترب اليوم من طوفان انتفاضة غضب ربيع عولمة طبي؟ وهل سينتبه رجال السياسة لذلك ويعالجوه، قبل أن ينتهي العالم لغضب حرب عالمية ثالثة؟ ألم يكن تباين الثراء الأوربي في نهاية القرن التاسع عشر السبب لانتفاضة الغضب الأوربي، والتي انتهت ببروز التمرد النازي والفاشستي والشيوعي، لينتهي العالم بحربيين عالميتين مدمرتين، حرقت الأخضر واليابس في النصف الأول من القرن العشرين؟ ولنا لقاء.
&
&
د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في اليابان