الجمعة:&خلبت عقول الناس وزاغت عيونهم يوم الجمعة ذاك .بعد الصلاة صعد ابو بكر البغدادي المنبر ، وكا يرتدي بنطال جينز ممزق وقميص ابيض بأكمام قصيرة . بكى اولا بصوت سمعه الناس &، ثم رفع يديه الى السماء ومضى يخطب دون حوقلة او بسملة . استغفر ربه وطلب العفو من الناس وامر بأفناء الخلافة . مما قاله &وسجلته ذاكرات البعض " ان دولته باطل في باطل ومعصية ليس دونها معصية وانه يستغفر الله والناس والذين قتلوا من غير ذنب " ثم اجهش بالبكاء طويلا &ومما قاله " انه سيربط نفسه الى جذع شجرة كالكلاب ولن يأكل او يشرب وسيقضي ايامه الباقية قرب تنور ليتعود جسده عذاب النار " ذلك النهار ماجت وهاجت &مدن دولة خلافته وصار اتباعه يقتلون بعضهم وهم يجهشون بالبكاء .لم تغرب الشمس حتى اباد جنود الخلافة بعضهم . من لم يجرؤ على تذوق طعم الموت اطلق ساقيه للريح وسلم نفسه لمفارز الجيش والشرطة التي على فراسخ من المدن . بعد سنوات سيروي الشيوخ &ممن كتب له الحظ &عيش وقائع يوم الزنكوري ، كما سموه ، لأحفادهم وهم يتضاحكون .
في مساء اليوم ذاته ، وعلى مبعدة 500 كيلو مترا ، في بغداد دعى المالكي الصحفيين واتباعه الى اجتماع في ساحة التحرير . وصل بدشداشة بيضاء &اتسخت اطرافها بالتراب . صعد برميل قمامة وصار ينتف شعره ويبكي ويضرب جبهته بكلتا يديه ويصرخ : التوبة ، التوبة &ياربي . التوبة ياعلي ، التوبة ياحسين ، التوبة ياعباس . ثم قال للناس " ايها الناس انسبوني وانظروا هل " لكنه تذكر ان هذا المقطع الاول من خطبة الحسين بن علي يوم عاشوراء &، فتوقف وحك مقدمة رأسه وقال انه اذنب ذنبا عظيما وطوال سنوات طويلة كانت جيثوما على العراق واهله ، وان دماء القتلى في ذمته وان دموع الاطفال والنساء والاخوة والاخوات في عنقه . واضاف وهو يولول في بكائه انه سيعيد المليارات الى الخزينة وسيترك نفسه وابنه للعدالة تفعل بهم اتشاء ولن يترك احمدا يشتري قصرا او بيتا في فرنسا او بريطانيا وانه سيعود ابتداءا من الغد ، وبعد ان يعيد كل ما اخذ من اموال الدولة، الى طوريج &يودع اهله &ثم يمضي للنجف وسيربط نفسه الى شباك امير المؤمنين علي ، عسى ان يتوسط له عند البارئ &لكي لايخلد في النار ولكي لاتكوى جبهته بمليارات المليارات من الفلسان المعدنية التي لم تعد متداولة &.
حينما انتهى من كلامه &، صعد اصحابه ، واحدا بعد آخر ، المعمم منهم والافندي ولطموا خدودهم ونثروا التراب على رؤسهم &وقالوا &مثل ماقاله . ظلوا يتناوبون على صعود البرميل حتى انتصف الليل . ثم تفرقوا مشيا على الاقدام الى دورهم البعيدة عن المنطقة الخضراء .

السبت: استيقظ الناس في الفجر على صوت اياد علاوي يزمجر في الراديو ، وهو الذي اعتاد على الحديث الهادئ ، فظنوا انه استغل الفرصة &ليذيع البيان الاول للأنقلاب . لكنه كان يتحدث باكيا ، فأختلطت كلماته &ببعضها كلما كان يجهش بالبكاء . لكن الناس سمعوه يعتذر منهم ويتوسل اليهم الغفران &على فعلاته كلها وعلى عدم وضوحه في يوم من الايام ، منذ التاسع من نيسان . كان يردد : والله لم اكن اريد ان يحدث كل الذي حدث ، صدقوني والله " ثم امر &كل من كان معه بالعودة الى بيوتهم القديمة وتسليم اموال الدولة وبيوتها وممتلكاتها المنقولة وغير المنقولة &واستعادة كل ماهرب من اموال الى الدول البعيدة والقريبة ، دول قبل البحار ودول خلف البحار .حين انهى خطابه الاذاعي مضى الى تلفزيون العراقية &وظهر على الشاشة مع العشرات والعشرات من اتباعه وخصومه في الوفاق والشقاق وهم يبكون ويصرخون بصوت واحد : تبنا &توبة نصوحة وسنعيد كل شئ حتى بدلاتنا الايطالية والفرنسية والاربطة التي لم تستهلك بعد وهي بألآلاف وسنعيد السيارات المدرعة &والبيوت و سنعود لبيوتنا في البياع والسيدية والكرادة وحي العدل والجهاد مشيا وبلا حمايات . سنمكث في بيوتنا حتى ينظر القضاء فينا ماينظر ، بعد ان يعين حكام نزهاء يحكمون بأسم العدالة المعصوبة العينين .
حالما انتهوا من خطابهم الجماعي حتى دخل النجيفيان ثم تبعهما الدليميان &والعبيديان &والاعرجيان والمطلكيان &وقد ارتدوا الدشاديش السوداء &وقالوا مالم يقله احدا قبلهم ولا بعدهم . بكوا مثل الآخرين ولطموا وجوههم واعترفوا بخطاياهم وطلبوا من الناس ان يشنقونهم في اقرب فرصة &في ساحة التحرير مثل الجواسيس الذين شنقوا هناك قبل 50عاما. لكن بعد ان يعيدوا كل شئ &من اموال وذهب وخيول وسيارات واكياس دولارات &ولوحات فنية الى خزينة الدولة .تعب الرجال الذين خلف الكاميرات فأستبدلوا &بآخرين اقل حرفة في التصوير فأختلطت المشاهد مع موسيقى قديمة من ايام الجالغي البغدادي ارتفع فيها صوت حمزة السعداوي ويوسف عمر والقبانجي . تلك الليلة توقف تلفزيون العراقية عن البث في الساعة العاشرة ، فقد تعب الفنيون وتعب المشاهدون ونام البغداديون مبكرا .

الاحد: من اربيل صرح مسعود البرزاني ، بعد ان جمع القادة الاكراد ، بأستثناء محمود عثمان ، على منصة طويلة . كانوا يرتدون البدلات الافرنجية &التي بدت انها قديمة من لنكات السنين البعيدة . قال انهم سيعيدون الاموال للشعب الكردي فلسا فلسا . سيهجرون القصور والفلل ويسكنون مثل الناس في بيوت صغيرة تكفيهم . لن يتدخلوا في السياسة بعد ان فشلوا بها فشلا ذريعا وسيتركون للاجيال الجديدة ادارة الفدرالية ولن يستفزوا الناس بالاستقلال حتى تستتب الامور ويعقدون مع الجيران عقدا اجتماعيا &لكي تنعم الدولة الكردية بالامان والرخاء . ثم قال مسعود بأسم الجميع ، وشاركته في الخطبة هيرو ابراهيم ، انهم سيمضون لبغداد مشيا على الاقدام ليعيدوا كل شئ الى نصابه ثم يعتزلون السياسة والتجارة ولن يكون ابن احدا منهم في منصب &الا بعد ان يثبت عبقريته . وحينماعرج ليتحدث عن النفط ، صاح به الابناء انه ملك العراق كله حتى تقوم دولة كردستان ، ولما ذكر كركوك ، احتج الجميع وقالوا كركوك لأهلها ، فسكت.
بعد الخطبة التي دامت ساعة ترجلوا جميعا &وساروا الى خارج اربيل ، نحو الطريق المفضي لبغداد &تتبعهم زغاريد الكرديات اللواتي اصطففن على سفوح التلال وكانت فيان دخيل &تقود مسيرة النائبات الكرديات وتغني بالكردية مع بعض العبارات العربية من اغنية لأحلام وهبي ، هلهل وغنيلي بيوم الفرح &.
خلال ذلك كان العبادي ، وقد ارتدى الدشداشة السوداء التي ارتداها ليلة العاشر من محرم &، &يصرح للصحفيين وبقية اعضاء مجلس الوزراء والهيئات العليا للنزاهة والانتخابات والرقابة المالية &ومشتقات الوزارات . اعلن استقالته امام الملأ &وقال انه لم يكن يوما لا في العير ولا في النفير . حاول ان يرتجل خطبه فخانته لهجته البغدادية فصار يدور بين الأكو والماكو . لكن نص كلامه كان يعلن عن عدم طاعة الوزراء وعن خوفه من المليشيات والمافيات في الوزارات والاحزاب . قال انه &صار مثل شهرزاد كلام ليله يمحوه نهاره ، فلم يصلح ولم يفلح في تغيير &مسار طريق سيارة وزير او قائد من الحشد الشعبي . لكنه كان باسما ، مستبشرا بسماعه خبر تحرير الموصل &دون الجيوش والحشود العسكرية والشعبية وجيوش النجيفي التي ظلت في مواقعها تأكل سندويشات الكبة &الموصلية المشهورة . ثم صاح بصوت عال : انتحرت داعش على ابواب الموصل . فهز الحضور &رؤسهم علامة الموافقة وتأكيدا على صحة كلامه وتذكروا كلاما سمعوه ذات يوم صاخب .
قبل ان ينتهي من خطابه ، اعلن بعبارات ، تشبه الكلمات المتقاطعة ، انه سيعود الى بيت اهله في الكرادة وسيعود مهندسا الكترونيا يصلح التلفزيونات والكومبيوترات &ويهتم بمستقبل اولاده . وغادر المنطقة الخضراء مشيا على الاقدام ، متلفتا ذات اليمين وذات اليسار عابرا الجسر المعلق نحو الكرادة الشرقية .

الاثنين: &ذلك الصباح كان سوق مريدي خاليا من الباعة . احتشد الناس على ارضه منذ ساعات الفجر الاولى . ثم من البعيد شاهدوا مقتدى الصدر متجها اليهم وحده ، بلا حراس ولا &سيارات تنفخ في الصور . وقف وسط الحشود المليونية &وتفرق اتباعه المقربون &بين الناس . قال لهم " حبيبي. ظهر الحق وزهق الباطل &فأتركوا اسلحتكم للدولة واعيدوا ماسرقتم اليها والى كل عبد في هذا الوطن سواء كان من المذهب اومن غير المذهب ، والاحوط ان نكون جميعا مجتمعين على حب وطننا . انتهى كل شئ والوطن كله سيعود لأصحابه كلهم والله اعلم . انا سأعود للدراسة حبيبي ، واتعلم مهنة مفيدة للوطن والعباد .اما الذين سرقوا وتسلطوا على الناس فالاحرى ان يسلموا انفسهم للدولة وهي التي تقرر مصيرهم على ضوء القوانين &وآل الصدر ليسوا بحاجة الى كل هذا فهم خدموا العراق ، كل بطريقته ، وهم عند ربهم يرزقون . السلام عليكم واستودعكم الله . ثم مضى مشيا الى داره . في المساء استقل سيارة اجرة عامة برفقة عائلته ومضى الى مسقط رأسه .
لكن في الليل ، حينما كانت عقارب الساعة تشير &الى منتصفه ، دخل ابراهيم الجعفري الى مقر تلفزيون العراقية ، وقد ارتدى دشداشة سوداء هو الآخر و وضع على كتفه شالا اخضر &. جلس امام الكاميرا &وراح يمسح دموعه . قال انه كان رئيس وزراء فاشل &وطبيب فاشل لم يداوم يوما في العيادة الخارجية لكنه قاد وزارة الخارجية سنوات وهو يفكر في مقولات كونفشيوس التي لاتنفع في ضروف العراق . اعتذر من الفيلسوف الصيني &واعلن بصوت واه انه يتنازل عن مناصبه وسيقضي بقية عمره متفرغا للكتب الكثيرة التي اشتراها و وضعها في مكتبه &ولم يتح له الوقت لتصفحها . لكنه منذ اليوم سيلجأ الى الصمت ، كما لجأ زكريا قبله ولن ينطق حرفا واحدا ، حفاظا على اللغة والمنطق والدين . غير ان الناس كانوا نياما ولم يسمعه غير القلة ، ممن اصابهم الأرق تلك الليلة .
&
الثلاثاء: على الطريق الدولي السريع في الانبار ، طلب حاتم السلمان واصحابه &الهايس وابو ريشة من الناس ان يتجمعوا &. جاء الناس من الرمادي والفلوجة وحديثة والخالدية وغيرها من المدن والقصبات . عند العاشرة جاء السلمان &يحيطه اصحاب ساحة الاعتصام وشيوخ &العشائر و رؤساء مجالس الأنقاذ والصحوات ضاحكين ، كل منهم يمسك بيد الآخر . اصطفوا في خط طويل ، فتناثر الغبار وارتفعت بضعة اطلاقات نارية . لكن الجميع استنكر &ذلك وطلبوا من اصحاب الاسلحة ان يلقوها على الارض . ثم خطبوا &وبكوا وتعانقوا &وامروا بفتح الطرق الى المدن واقسموا على اعمار ماتخرب واعادة اموال الصحوات الى الحكومة وانتخاب مجلس لتعمير المحافظة من الخبراء وليس من العشائر ، شرط ان يعمل الجميع على قدم المساواة . اضاف لسان حالهم ، حاتم السلمان ، انه ابن العراق اولا وليس ابن الانبار فقط وانه سيترك امارة عشائر الدليم &ليكون مواطنا عراقية ، فلا مواطنة مع العشائر . تعجب الناس من حديثه لكنهم صدقوه ، لأنه كان يبكي وهو يتحدث وكشف عن ذمته المالية وذمم غيره وتعهد بأعادة اموال الدولة ، وكشف الاموال الاجنبية التي وصلته و وصلت غيره و وضعها في خزينة اعمار المحافظة .
في اليوم ذاته ، وفي الطرف الآخر من العراق ، في شرق بغداد &وشمالها، تجمعت عشائر ديالى ، فلاحيها وموظفيها وطلبتها ومتسويليها ، رجالا ونساءا &وقرروا ما قررته &الانبار وتعهدوا بزرع البرتقال والليمون ونخيل تمر الاشرسي والبرحي &ابتداءا من اليوم ذاته . وفي صلاح الدين ، في الشمال &سبق مشعان الجبوري الجميع بخطبة عصماء اعترف فيها بسرقة الاموال والضحك على عقول الابرياء والبرلمانيين و رؤساء الوزارات . ثم تبعه في الحديث رجال ونساء بكوا على ضحايا سبايكر و قرروا اقامة اكبر نصب لهم يوكل تصميمه وانجازه للنحاتين طه ونجم ومعتصم و رضا معا . تعاهدوا على نسيان صدام والنظر اليه فقط كرجل حكم العراق . قالوا الكثير وبكوا الكثير حتى جن الليل ، فأنصرفوا لبيوتهم .
&
&الاربعاء: تجمع اهل البصرة ومدن الجنوب في ساحة البروم . لم ير احدا حشدا مثل ذلك ابدا . جاءت الناس من الناصرية والعمارة وبدرة وجصان &والديوانية &مشيا ، فكان تجمعهم مثل يوم الحشر . صعد النواب ومحافظي المدن واعضاء المجالس على منصة من جذوع النخيل .واحدا تلو آخر كانوا يعترفون بسرقاتهم وجرائمهم وفسادهم &حتى المساء . قرروا الغاء كل المناصب واعادة كل الاموال وتسليم كل فاسد او خارج عن القانون الى الدولة &وان يشمل هذا العراق كله . في الليل جاءتهم الردود من كل اصقاع العراق ، بالايجاب .قرروا جعل البصرة قبلة بحر العرب وليس الخليج فحسب .وفي منتصف الليل احتشدت الجموع على ضفة شط العرب من القرنة حتى مصب النهر &وقد اضيئت الضفة بالمشاعل التي ظلت ظلال نيرانها تتراقص في الماء . علت الهلالهل وحاول البعض من الخشابة الرقص لكن الناس منعوهم حتى يتم كل شئ بخير في عموم العراق .
&
الخميس: في ساحة ثورة العشرين في النجف &انطلقت مكبرات الصوت تحث الناس على الجلوس على الارض . امتلئت الساحة والطرق المؤدية اليها بالبشر. جاء الناس من الكوفة والحلة والمشخاب وغماس ليسمعوا ماتوقعوه بعد ايام نادرة عمت ارجاء العراق . وصل رجال الدين &والسياسيين &يتقدمهم عمار الحكيم ، جامع المهنتين .كانوا حفاة ، مجللين بالسواد وقد نزع البعض من رجال الدين العمائم ، علامة الهول والفزع والحزن . ارتجت الابصار &وقد رأى الناس السيستاني يتقدم رجال الدين وقد نزع عمامته وخضب لحيته بالطين . كان الاكثرية يرونه لاول مرة بعد ان سمعوا به لسنوات طويلة . ارتجل خطبة هاجم فيها المفسدين من السياسيين وبعض المعممين . بكى لحال الشيعة في الحكم ومافعلوا بسمعة الطائفة واعلن براءة اهل البيت منهم . بكى فضج الناس بالبكاء وصاح الناس بصوت واحد : براءة منهم . ثم حاول عمار الحكيم ان يلقي خطبة طويلة فأهتاج الناس وطالبوه بالسكوت ، فأنصرف وتبخر بين الحشود . خطب مجهول خطبة طلب فيها &حل الحكومة والبرلمان وكل الرئاسات فلا رئاسة الا للشعب ومن يمثله من المخلصين العارفين بأمور الدنيا وطلب من الناس ترك الدين لله والصلاة في المسجد والحسينية والبيت ومنع الأذان بمكبرات الصوت وان يؤذن كما في زمن الاسلام الاول وان تلغى مواكب العزاء الصاخبة وتدمير النفوس وطغيان الشعائر على الاخلاق ، فالدين هو الاخلاق ، والاخلاق في كل المعمورة نفسها . لا تجارة ولا سياسة في الدين ولا اكراه فيه . طأطأ البعض من المعممين رؤوسهم وانسربوا كما االحوت في البحر .ثم عاد الناس الى بيوتهم ومنهم من عاد الى مرقد علي بن ابي طالب .وحل الصمت على المدينة حتى الفجر .

الجمعة: اشرقت الشمس مبكرة هذا الصباح . في الفجر امتلأت السماء بحمرة ارجوانية تعلن عن شمس فضية &لم ترها بغداد سنوات تعجز الذاكرة العراقية عن تخيلها . &جاءت البلابل وطيور الحب &والعصافير والحمام المطوق من ارجاء بعيدة لتوكر على اغصان اشجار البرتقال والنارنج والنخيل &والتوت والنبق . جاءت من بساتين الصليخ والطارمية والجادرية ومن بقية بساتين المحمودية . &استيقظ الناس في كل مكان مغمورين بسعادة تشبه سعادتهم في اعياد الفطر القديمة . &كانت المدن هادئة ، لكنها لم تكن صامتة ، فضجة المطابخ وغرف الاستقبال كانت تصل للشوارع التي نظفها الليل من الاوراق والاكياس البلاستيكية وعلب الماء الفارغة . تناولوا فطورهم لأول مرة مجتمعين ، ضاحكين وهم يسردون ايام الاسبوع العراقي ، يوما يوما . ذلك الصباح ارتدى الناس في المدن والارياف والمخيمات ملابسهم التي ، بقدرة قادر ، صارت جديدة ، ونزلوا الى قلوب المدن والقرى &يتنزهون . كانت الام تمسك بايدي اطفالها والاب يسير امامهم ، كأنه دليل &لمدينة سحرية انبثقت من ظلمة القرون & وستذوب في اول خيط من خيوط الليل . &عبروا الجسور والقناطر وساروا في الاودية . رقصوا وغنوا اغان قديمة وتذكرت الفتيات اغاني عبد الحليم حافظ وهاني شاكر وحسين نعمة . &غنى الشباب في حلقات في حديقة الزوراء وساحة مدينة العمارة الكبيرة ، تحت رذاذ النافورات اغنية ياطيور الطايرة ، وغنى الشيوخ في البصرة اغنية الافندي ، وتذكر الناس صبري ، صندوق امين البصرة .في اربيل &دبك الاكراد والعرب المقيمين هناك على ايقاع اغنية احمد الخليل هربجي &واغرورقت عيونهم بالدمع وهم يغنون ، كأنهم يرون وجه المغني &بشعلة رأسه البيضاء &وقد عاد ليعزف معهم بعوده .
مر النهار سريعا وهبط المساء ، وظهرت نجمة الصلاة في وسط السماء في صمت المساء . دخل الناس بيوتهم ، وصعد البعض منهم الى السطوح متذكرين الليالي النجمية القديمة . حل الظلام شيئا فشيئا لكن القمر ظهر بدرا تلك الليلة ، فأضاء &الشوارع واسطح البيوت وماء دجلة والفرات والزابين وبحيرة الحبانية &واعالي النخيل في البساتين.
نام الناس على اسرتهم &مبكرا ، يسري بين اطرافهم تعب لذيذ وقد ادركوا ان الليالي القادمة سيضيئها نور الكهرباء الوطنية . تلك الليلة ، ومنذ زمن انمحت تفاصيله في التقاويم وذاكرات الاحياء منهم &، ادرك العراقيون ان لهم وطنا تنيره كهرباء وطنية .
&