& &
&
قوبِل خطاب أوباما الأخير بالغضب من قِبَل بعض الشعوب العربية لا سيّما على خلفية ما قاله إنّ الشرق الأوسط سيعاني من الصراعات لأجيال بسبب الرواسب التاريخية. وبين مَن يلوم أوباما على تصريحه هذا ويعتبره تحريضاً على الفتنة وبين مَن يلومه على عدم تقديم المساعدة للشعوب العربية المصابة بداء التغيير للوراء؛ يأتي السؤال الأهم وهو لماذا يرفض العرب والمسلمون هذه الحقيقة؛ حقيقة الأحقاد الموجودة بينهم؟ وهل انتهت الحروب الطائفية يوماً لا سيّما بين السنة والشيعة؟&
لماذا دائماً اتهام الغرب باستغلال أحقاد التاريخ العربي والإسلامي وكأنّ الغربَ مسؤول عن إشعال الحروب المذهبية والطائفية من البداية في العالم العربي؟&
لقد تسبّبتْ تلك الأحقاد التاريخية مع غباء وأنانية السلطة الدينية بقتل آلاف من الشعب العربي والمسلم كما تسبّبتْ ممارسات السلطات الحاكمة بتهجير الآلاف وتدمير مقدرات الشعب البشرية والمادية بعد الإعتقالات وفقدان أقل ظروف العيش الكريم &وما زال الشعب العربي والإسلامي يشتم الغربَ كل يوم وينكر وجود تلك الأحقاد بل ويلوم الغربَ على عدم تدخله في حل مشاكل الشرق وعدم استقبال اللاجئين وتقصيره في إعداد الملاجئ وتوفير الخيام وإيصال المساعدات الإنسانية وإيجاد الحلول. إنه العجز الحقيقي والإنهزامية التي يعيشها قسم من الشرق رافضاً توجيه السهم نحو المشكلة الأساسية فيستسهل إلقاء اللوم على الآخر ونقده.&
ينتقد العرَبُ الغربَ وسياساته وحرياته وشعوبه؛ بينما يموت الكثير من العرب في البحار وفي الطرقات ويبيعون كل ما يملكون للوصول لبلاد الغرب، وحين يصِلون ينتقدون الحرية والديمقراطية التي أتوا من أجلها وهُم لم يختبروها في بلادهم الأم. &&
فما زال العالم العربي الذي يرزح تحت ثقافة القمع والتهميش يحاول إضافة مفاهيم ومصطلحات لكلمات كالديمقراطية وحرية الرأي والإستقلالية الفِكرية ويُعطيها صِيَغاً تُناسب ثقافته ومجتمعه الخاص ويريد العالم أجمع أن يحذوَ حذوَه ويأخذ بمفاهيمه. ما زال الشرق لا يملك حتى المواد الأولية ليخطوَ بها الخطوة الأولى نحو التطور الحقيقي والإنتقال من القبَلية الفِكرية للمَدَنية، ونراه مع هذا يوجّه كل انتقاداته بشكل دائم للغرب "الآخَر" أو لكل مَن يُعارض مُعتقداته.&
من هنا، وحيث الأحقاد التاريخية تلك لم تنحصر في الحروب والمعارك على الأرض، فثقافة الرفض باتتْ نمَطاً مُمَنهَجاً لمواجهة الآخَر المختلِف وفي أي مجال كان؛ حيث عزّزتْ سياسات الأنظمة وممارسات السلطات الحاكمة هذه الثقافة كما ساهمتْ بإبقاء تلك الأحقاد مشتعلةً. وقد أظهرتْ الخمس سنوات الأخيرات ما كان مخفياً في النفوس وطفحَ على السطح ما كان مُغطّى. فيكفي الفرد أن يتصفّحَ عدداً من ردود أفعال الناس وأحكامهم على أي رأي أو تصريح مهما كان عادياً وليس ذا أهمية في الصفحات العامة أو صفحات المشاهير والسياسيين ليعرف كمّ الرفض الذي يحملونه تجاه بعضهم البعض مصحوباً دائماً بكلام بذيء وكراهية.&
فإذا ما أخذنا هذا مقياساً - مثلاً - نجد أن الجميعَ بتصنيف مُناهِضيهم من الجهة الأخرى خوَنة والعكس صحيح، وهذا يُفضي إلى نتيجة مخيفة جداً أن الجميعَ يدّعي امتلاكَ الحقيقة والكل خائن أو كافر حسب تصنيف الآخر المختلف.&
بين الخلاف الديني والخلاف العقائدي والخلاف السياسي وغيره، نرى الفِكر الداعشي في النفوس أكثر منه على الأرض؛ داعش تلك هي فقط نموذج حَي لما تحمله فئات عديدة من هذه الشعوب من عِدائية تجاه بعضها البعض ورفضها الآخر المختلف.&
إذاً، ألم يحن الوقت لوقف إلقاء اللوم على الآخر وعلى الغرب والبدء بإعمال العقل والفِكر الواعي؟ هذه العقلية الإقصائية التي تحملها شعوب الشرق الأوسط والعرب خصوصاً ليست نِتاجَ الغرب، ولم تأتِ داعش من المريخ، وأوباما أو الإدارة الأميركية - رغم ضلوعهم بالحرب الحالية ورغم أنّ الحرب على داعش وطول المدة تثير جدلاً واستغراباً في أميركا والعالم - غير أنّ أميركا لم تكن موجودة عندما قتل العرب من بعضهم من عدة قرون أكثر ما قتلتْ إسرائيل وغيرها، بل هذه العقلية القبَلية هي نِتاج ثقافة مجتمعهم وأحقاد تاريخية مذهبية وسياسات القمع والإقصاء بدءاً من الحكومات والسلطات لأصغر مسؤول أمني أو ديني وانتهاءً بالعائلة والأسرة فماذا نقول!؟؟ "إذا كان ربُّ البيتِ بالطبلِ ضارباً؛ فشيمةُ أهلِ البيتِ كلّهمُ الرقصُ"، كما في قَول الشاعر العراقي ابن التعاويذي.&
هذا هو حال الشعوب العربية اليوم، شعوب تعيش أحقادَها التاريخية بكثير من ممارساتها اليومية وتستفيض بلوم الغرب وأميركا على كل ما يحدث، حتى على غبائنا نلوم الغرب ونطالبه بكفّ يده عن عقولنا ونحن غارقون في الوحل السياسي والديني والإجتماعي. وهو ما يُعزّز موقف الغرب بالإنتصار دائماً على العرب لأنّهم مُنقسِمون فيما بينهم وعلى ذاتِهم، وهي فرصة ذهبية لأميركا لتقف مُتفرّجة والعرب يقتلون بعضهم البعض.&
لا شك، لا للتّعميم بأي حال من الأحوال، وأمَلنا دائماً كان وما زال بالمُتنوِّرين وأصحاب الفِكر الحُر من هذا الشعب و هُم كُثُر أيضاً. لهذا، على العرب بدلاً من إلقاء اللوم على الغرب؛ العمل على بناء قوة عسكرية واقتصادية لحماية شعوبهم وبلدانهم وليستطيعوا الدفاع عن أنفسهم فلديهم من النفط ما يعادل %30 من الإنتاج العالمي، وثروات هائلة من الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية والسمكية والمعدنية، هذا فضلاً عن أنّ البلدان العربية تقع على أفضل المواقع الجغرافية أهمية وذات تاريخ في العلم والثقافة حيث من الشرق انبثقَتْ أولى حضارات العالم من ما قَبل العرب، وعليهم لإعادة عهد العلم والثقافة حلّ الصراعات الدينية أولاً لإنهاء تلك الأحقاد، والإعتراف بمسؤوليتهم تجاه أوضاعهم المُزرية التي وصلوا لها.&
لا بديل عن هذا، فالقوة والحضارة لن يصنعهما السباب ولوم الغرب وأخذ دور الضحية دوماً حتى لو تحمَّلَ الغرب جزءاً من المسؤولية. آن الأوان. &
&

ريم شطيح - كاتبة وباحثة سورية &