في كتابه "قوة العقل الباطن" يقول الكاتب جوزيف ميرفي: "لا تحاول أن تجبر العقل الباطن على قبول فكرة بممارسة قوة الارادة، فسوف تحصل على عكس ما كنت تريد"، ويبدو أن الفكرة التي انتابت صالح مسلم بناءً على بدر من بشار الجعفري، وللرغبة بقول شيءٍ مفيد متعلق بالمناسبة، حاول مسلم رد الصاع صاعين، إلا أن الفكرة والرغبة ربما تعارضتا في دخيلة نفسه، وخرج المنطوق بخلاف ما أراده الرجل، وذلك باعتبار أن العقل لا يعمل تحت الضغط.&
ولكن في الوقت عينه فيبدو بأن الرجل وفيٌ لمدرسته الأيديولوجية ولو من غير أن يتعمد التذكير بفحواها، إذ أن الطالِبَ كثيراً ما ينهل العلوم من معلمه ويرشحها بدنه ولو من دون درايةٍ منه، باعتبار أن المهضوم من الطبخات العقائدية يظهر في أوقات لاحقة على سطح ممارساتِ مَن قام بغرفها في السابق، إذ قد لا تظهر صور المحاكاة إلّا بعد مرور فترة من الزمن عليها، كما هي الحال هنا مع الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم.
إذ أن وصفة السرطان لم تأتِ من فراغ عندما نطقها مسلم مِن باب الرد على بشار الجعفري، وذلك باعتبار أن قيادات حزب العمال الكردستاني كثيراً ما وصفوا من قبل البارزاني وحركته التحررية الممثلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني بسرطان الحركة الكردية، إلا أن منظومة حزب العمال الكردستاني حدَّدت القطعة التي تراها ورماً خبيثاً في الجسد الكردي بإقليم كردستان العراق، بينما صالح مسلم فقد استخدم كلمة السرطان بشكلٍ أوسع قليلاً، حيث شبّه القضية الكردية في سوريا برمتها بالمرض الخبيث، رداً على بانادول الجعفري، تصوراً منه بأنه يُلقِّم رئيس وفد النظام بِردٍ فعالٍ مناسب، فمن جهة يُرضي به مُريديه وبنفس الوقت لا يُغضب حلفائه، ولكنه بدلاً من أن يقوم بتكحيل العيون لتصويب الخللِ زاد على العمش عماءً.
ولكن مع ذلك فثمة زاوية جديرة بالانتباه تحدث عنها مسلم، وربما لم يكن مذنباً في سردها كما هي أو كما يراها هو، فإن لم نقل بأنه تحدث بموضوعية عن تصنيفه للكرد، إلا أنه لم يقوِّض الوقائع المتعلقة بذلك التصنيف، وذلك عندما قال: " بأن للنظام أكراده، ولمعارضة الرياض أكرادها، ونحن، أي هم يمثلون شريحة من المجتمع الكردي" فالرجل بهذا الصدد لم يكن مجافياً لحقيقة الوضع بسوريا بشكلٍ عام، والمفيد في هذه الزاوية التي تطرق إليها صالح مسلم هو قد يساهم في إدراك الآخرين بأن الكرد شأنهم شأن بقية الملل في سوريا، فمثلهم مثل العرب السنة، منهم مع النظام ومنهم مع المعارضة، وهو هنا يشبه نفسه بالمسيحيين، إذ يمثل حزبه الطرف الثالث والوسط بين الحالتين السابقتين، وربما يتوقع بأن مرونته تسمح بالمناورة والالتفات الى أي طرفٍ من أطراف الصراع الرئيسية في سوريا، وكأن موقفه كموقف الأعرابي الذي شاهدوه في معركة صفين وهو يتناول الطعام على مائدة معاوية ويُصلي خلف الامام علي، فسألوه هل أنت من أنصار علي أم من أتباع معاوية فقال الرجل: "إن الطعام مع معاوية أدسم، والصلاة خلف علي أتم، والوقوف على التل أسلم"، ولكن يبقى الملفت في التصنيف الذي أثاره صالح مسلم يفيد مجمل الكرد عندما يتعامل الآخرون معهم على أساس أنهم كتلة واحدة، وبالتالي يريدون منهم أن يتصرفوا ككتلة واحدة، وهذه النقطة مهمة وينبغي عدم مجافاتها سواءً أكنا مختلفين مع قائلها في خطه السياسي أم لا، ولكن الخطأ الذي وقع فيه كامنٌ في عدم توفيقة باختيار المفردة لوصف الحالة، وذلك عندما شبه القضية الكردية بالسرطان كمرض خبيث وجوداً وامتداداً، وهو ما لا يصح قوله البتة بحق الكرد السوريين الذين لم يأتوا من أواسط آسيا ولا من أي مكانٍ آخر، إنما هم يعيشون على أرضهم التاريخية، وكان من المفروض على مسلم أن يشبههم بكُليتا الإنسان اللتان لا غنى للجسد السوري عنهما، وليس تشبيههم بالسرطان الذي حتى وإن تم معالجته بالاستئصال فإن الخلايا الخبيثة قد تمتد وتقضي على الجسد وصاحبه، حتى أن بعض الأجساد أصلاً لا تتحمل العقاقير المستخدمة لدحر المرض، إنما قد تموت مع الورم أو قبله، لذا فكان عليه أن يشبههم بنقطة تلاقي، وليس بعِلة خبيثة ينفر منها البدن، وذلك باعتبار أن الكرد من الفئات الأقل تطرفاً من بين مجمل الجهات المتصارعة في سوريا، وبإمكانهم التلاقي مع أي طرفٍ من مجمل الأطراف في سوريا المستقبل، هذا إذا ما تعامل الآخر معهم بالعدل والانصاف وكان مشروعه يضمن حقوقهم كشركاء فعليين وليس صوريين، والتقدم نحوهم بخطوات حقيقية، صادقة وودودة.&
عموماً فردود الأفعال السريعة عادةً لا تناسب مقام العاملين في الشأن العام، وقد تفضي بصاحبها الى أماكن لم يكن يود الانزلاق اليها، إلا أنَّ لفلتات اللسان وقعها السيء على الناس وصاحبه على حدٍ سواء، ويبدو أن التعارض بين إرادة القول والخيال الذي تحدث عنه جوزيف ميرفي، هو الذي أحرج صالح مسلم، والذي ربما من شدة الحرص على أن لا يجرح الطيرَ، ولا يؤذي الصيادَ، وقعَ في مصيدة الكلمة، وذلك من شدة قلقه وحرصه الزائد للوقوف على جبل الحياد، الحياد الذي تسبب في دحرجته الى حالةٍ تماثل تماماً حالة امرأة تحدث عنها الكاتب السوري بو علي ياسين في كتابه "شمسات شباطية" حيث يقول: أرادت إحداهن أن تشتري زبيباً، ولكنها من كثرة خجلها مِن تلفظ الكلمة المحرجة أمام البائع، احتارت ماذا تقول، ولكنها في النهاية لم تجد المرأة نفسها إلا وهي تقول للبائع أعطني كيلو زباب!.
&
&