&

كشف مؤتمر لندن للمانحين وعيا دوليا لابعاد الازمة السورية والنتائج المترتبة عليها. هذا الوعي يفسّر الحماسة الاوروبية للتبرع بسخاء من اجل بقاء اللاجئين السوريين في البلدان التي استضافت اكبر عدد منهم وهي لبنان والأردن.&
&في المؤتمرات السابقة التي استضافتها الكويت، كانت معظم التبرّعات تأتي من الدول العربية، على رأسها الكويت نفسها. وكانت التبرّعات السخيّة للكويت من بين الاسباب التي دفعت الامم المتحدة الى تكريم امير الدولة الشيخ صُباح الاحمد ومنحه لقب "القائد الانساني".
لم تعد نار الازمة السورية تكوي سوريا والجوار المباشر، امتدّ الحريق الى اوروبا التي تسعى حاليا الى منع النار، نار الارهاب خصوصا، من الانتقال اليها.
&في الوقت الذي كان المؤتمر منعقدا، كان رئيس الوزراء التركي احمد داوود اوغلو يثير مسألة استمرار تدفّق السوريين الهاربين من حلب ومحيطها في اتجاه بلده. هناك بالفعل رغبة روسية وايرانية بالاستجابة لما يريده النظام، اي تهجير اكبر عدد من السوريين من سوريا.
شاركت الكويت في مؤتمر لندن بعدما كانت استضافت المؤتمرات الثلاثة السابقة المخصصة لمساعدة الشعب السوري المظلوم.
كان صُباح الاحمد دقيقا في توصيفه للوضع السوري وذلك عندما قال ان "المأساة الانسانية في سوريا لن تنتهي الّا بحلّ سياسي يحقن الدماء ويعيد الاستقرار الى عالمنا"، مضيفا انّ "آثار هذه الكارثة المدمّرة لم تقتصر على اقليمنا الذي يعاني حاليا من تبعاتها، بل تجاوزته لتصل الى قارات اخرى ومنها اوروبا التي وفد اليها اللاجئون باعداد كبيرة طلبا للامن والعيش الكريم، كما انتقلت اليها المنظّمات الارهابية التي انطلقت من بؤر التوتّر لتمارس اعمالها الاجرامية الدنيئة في بعض الدول الاوروبية".
تطرّق امير الكويت الى مسألة في غاية الاهمّية هي مستقبل الاطفال السوريين قال: " انّنا مطالبون بالتفكير في فلسفة جديدة لتقديم الدعم والمساعدة للنازحين واللاجئين عبر اعتماد برامج وخطط توفّر لهم فرصا للتعلّم وتحفظ الاطفال من ضياع حقّهم فيه".
تعود اهمّية مؤتمر لندن الى الجهد الذي بذل من اجل ايجاد مقاربة شاملة للأزمة السورية. لا بدّ من الاعتراف قبل كلّ شيء ببداية وعي اوروبي لحجم الازمة وللتهديد الذي تتعرّض له القارة. هذا ما دفع المستشارة الالمانية انجيلا مركل الى الاعلان عن تبرّع بمبلغ مليارين وثلاثمئة مليون يورو تذهب للسوريين والدول المحيطة. كانت هناك ايضا تبرعات سخية من بريطانيا بلغت مليارا ومئتي مليون جنيه استرليني ومن نروج التي قدّمت مليارا ومئة وسبعين مليون يورو، فيما اكتفت الولايات المتحدة بتقديم ثمانمئة وتسعين مليون دولار.
بات على اوروبا ان تدافع عن نفسها. بات عليها المحاربة على جبهتين الاولى منع اللاجئين من الوصول اليها والاخرى مواجهة روسيا وايران اللتين تعملان على ابقاء النظام، اقلّه صوريا، من اجل متابعة عملية تفتيت سوريا وتهجير السوريين.
بدا واضحا من الكلمات التي القيت في مؤتمر لندن ان تركيا تشعر بتهديد مباشر لها وان من الصعب ان تبٍقى متفرّجة على ما يدور على حدودها. كذلك، بدا واضحا ان الاردن من الدول القليلة التي تعرف كيف تدافع عن مصالحها وعن مصالح شعبها. يدلّ على ذلك حضور الملك عبدالله الثاني الى لندن والقائه كلمة اعطت بعدا آخر للمؤتمر.&
مرّة اخرى، اظهر عبدالله الثاني كم هو بعيد النظر وكم هو قادر على النظر الى الازمة السورية من زاوية مختلفة، اذ قال: "اننا نلتقي اليوم في هذا المؤتمر للمانحين تحت شعار دعم سوريا والمنطقة. الّا انني على قناعة بان اجتماعنا يتجاوز في اهدافه قياس مستوى استعدادنا لتقديم المساعدة والدعم فقط". اضاف: "انّ الاساليب التقليدية لمعالجة الازمات ما عادت وبكل وضوح ناجعة في مواجهة التحديات الخطيرة التي نواجهها. بناء عليه، نحن في حاجة الى عمل اوسع نطاقا واكثر جرأة". ليست لدى الاردن عقدة التوطين وما شابه ذلك، هو الذي استقبل مئات آلاف اللاجئين من كلّ دول المنطقة، بما في ذلك اولئك الذين اتوا اليه من فلسطين والعراق. لذلك دعا الى "نهج يعطي الاولوية لتمكين اللاجئين واعتمادهم على الذات، بدل الاتكال على المساعدات".&
كذلك دعا الى الاجابة عن سؤال "لماذا يجدر منح الاردن اهمّية خاصة دون دول العالم الاخرى المحتاجة للدعم؟" اوضح "انّ الاردن ليس بلدا فقيرا يطلب الدعم، بل هو معطاء وكريم بسخاء. لكن لكم ان تتخيّلوا لو ان الاردن تصرّف بطريقة مغايرة ولم يسمح للاجئين بدخول بلدنا على مدار العقود الماضية . ماذا سيكون اثر ذلك على المنطقة الآن وعلى السلم والامن العالميين؟" كذلك قال: "اننا نعيش اليوم واقعا مفاده ان واحدا من كلّ خمسة اشخاص يعيشون في الاردن هو لاجئ سوري، وهذا يوازي استيعاب المملكة المتحدة لسكان بلجيكا جميعا (...) اكاد اجزم انّه لا توجد دولة نامية اخرى ساهمت اكثر من الاردن في حفظ الامن العالمي".
كان مؤتمر لندن نقطة تحوّل، خصوصا انّه جاء بعد اربعة وعشرين ساعة من تعليق لقاء جنيف ـ 3 نتيجة امعان روسيا في البحث عن حلّ عسكري في سوريا.&
هناك بداية لبحث جدي في تأثير الازمة السورية على السلم والامن العالميين. نجح عبدالله الثاني في لفت اوروبا الى هذا الامر وذلك من منطلق الضغوط التي تعرّضت لها دول القارة اخيرا. هناك للمرّة الاولى بوادر تفهّم لحقيقة ان ايجاد حلّ في سوريا يساهم في القضاء على الارهاب. لا ينمو الارهاب الّا في ظل الفقر وغياب الاستقرار. ليس صدفة ان الاردن لم يحافظ على استقراره الّا لانّه، على خلاف النظام السوري، لم يستثمر في الارهاب ويشجّعه ويسعى الى استغلاله. على العكس من ذلك دخل باكرا في مواجهة مباشرة مع الارهاب بكلّ انواعه.&
هل من يتذكّر ان الاردن لعب دورا بارزا في القضاء على "ابو مصعب الزرقاوي" في داخل العراق وذلك قبل ان يبدأ الكلام عن "داعش" وما شابه "داعش"؟
بعد مؤتمر لندن،هناك ظهور لوعي حقيقي في اوروبا لاهمّية مساعدة اللاجئين السوريين والسعي الى بقائهم غير بعيدين عن سوريا. ما الخطوات السياسية التي ستتبع ذلك؟ المال يمكن، من دون ادنى شكّ، ان يكون عاملا مساعدا. لكنه ليس العامل الحاسم.&
هل في استطاعة اوروبا حمل الادارة الاميركية على لعب دور اكثر فاعلية في التخلص من النظام السوري؟&
من دون خطوة من هذا النوع، ستظلّ المساعدات المالية، مهما بلغ حجمها، مجرّد مسكّن لا اكثر. المال ليسّ حلّا. في غياب الحلّ، ستكون الحاجة الدائمة الى مؤتمرات مثل مؤتمر لندن تغطي العجز عن الذهاب الى لبّ المشكلة الذي هو النظام السوري ولا شيء غبر ذلك!
&