في الأصل يُفترض في من لديه أفكار، أو لديه رؤية فلسفية، أو يعتنق مبادئ أو إيديولوجيا، أن يتحلى بنظرة تحليلية إلى ما جرى ويجري من أحداث. وفيما يخص انتخاب رئيس فرنسي أو أمريكي، تغدو المسألة مفارقة.&
&
ففي الحالة الفرنسية، هناك فارق يُلزمنا بالتمييز بين الديغوليين والاشتراكيين، فالأخيرين ينبغي، حتى على اليساريين منّا، اتخاذ موقف الحذر منهم، فهم، تاريخياً، ذوو نزعة استعمارية منذ أيام نابليون الثالث، حيث بدؤوا العمل على استعمار الجزائر والهند الصينية وغيرها، رغبة منهم في تدعيم بورجوازيتهم الوطنية ومانيفاكتورتهم كي تهيئ لبناء الاشتراكية، ناهيك عن أنهم شاركوا في العدوان الثلاثي على مصر في خريف عام 1956.&
&
في حين مارس الديغوليون، هم والشيوعيون، مقاومة وطنية حقيقية في مواجهة النازية في القسم المحتل من فرنسا، لذلك وقف الديغوليون، عندما عادوا إلى استلام الحكم بعد غياب طويل - في مطالع الستينات -، موقفاً إيجابياً من حركات التحرر العربية، والافريقية، إلى حدّ يزيد أو ينقص، وذلك يُوجب علينا - مبدئياً، ومن باب المصلحة أيضاً - إبراز التأييد لهم، حتى الاشتراكيين منا، فتشابه العناوين لا ينبئ بالضرورة عن &تواكب المصالح، فنحن أحرى بالانتباه إلى ما يصبّ حقيقة في مصلحتنا.
&
أما في الحالة الأمريكية فالأمر يختلف جذرياً. لنتفق بداية على أن مهمة الرئيس الأمريكي رعاية المصالح الأمريكية أولاً، وقبل مصالح حلفائها بالتأكيد. ويبدو، وفق الأحوال القائمة في منطقتنا، أن ليس هناك من تطابق في المصالح.&
&
من هنا يبدو سرور بعض العرب، وهؤلاء ليسوا قلّة، لدى نجاح - أوباما - في انتخابات رئاسة الولايات المتحدة، طبيعيا إذا كان نابعاً عن السرور بتحقق المساواة في أغنى وأقوى بلد في العالم، فالفرح بحلول رئيس من جذور أفريقية في كرسي رئاسة دولة، لم يمض فيها على تطبيق القوانين المدنية، المكافحة للعنصرية إزاء الملونين، سوى أقل من نصف قرن بقليل، حالة إنسانية. وقد كان نجاح أوباما على أساس شعاره الذي طرحه للتغيير، أنه قال ما مفاده: "هذه هي أمريكا، كما أرادها الآباء المؤسسون". إذاً هذا حدث في أمريكا، وهو يخصها...&
&
يبقى النظر من زاوية المصالح. وكي تكون المقايسة، وليس المفاضلة، أكثر اتضاحاً. فإن لإعادة استعراض بعض ما حدث فيما مضى فائدة.&
&
يوصف الجمهوريون بأنهم ميالون إلى استخدام القوة عموماً، غير أن روزفلت الديمقراطي، كالأسبق منه ويلسون، هو الذي أشرك الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء. وكان يقول عن الديكتاتور سوموزا: "إنه ابن عاهرة... لكنه زلمتنا" على ما يذكر الصحفي الفرنسي كلود جوليان في كتابه "معرض الحريات". ونائبه ترومان - الديمقراطي أيضاً - الذي خلفه، بعد وفاته في ولايته الثالثة، هو الذي أمر بإلقاء القنبلتين الذريتين على اليابان، - وكان في إمكانه أن لا يفعل كما تقول بعض المذكرات - وما زالت الولايات المتحدة تجني ثمار ذلك إلى اليوم فقد كان لاقتصاد الحرب، خلال حربين عالميتين وما بينهما وما بعدهما، بالإضافة إلى العوامل الذاتية والموضوعية الأخرى، أثر بالغ في تدعيم بنية اقتصاد الولايات المتحدة ودفعه إلى مقدمة دول العالم الصناعي.&
&
وفي حالة المواجهات العسكرية الثنائية رفع الرئيس الديمقراطي - كينيدي - عدد جنود الولايات المتحدة في فيتنام الجنوبية من أربعين ألفاً - باسم مستشارين- إلى أكثر من أربعمئة ألف محارب ببوارجهم وطائراتهم وقَصَفَ فيتنام الشمالية.&
&
لم التفاؤل - المفرط أحياناً - برئيس جديد للولايات المتحدة، حتى لو كان ديمقراطياً، رفع شعار التغيير (في بلاده طبعاً)، قبل أن نرى التغيير يطرأ فعلاً على سياسة الولايات المتحدة إزاءنا؟؟!!.&
&
فيما يخص الولايات المتحدة، ليس مهماً، بالنسبة لنا، مَن رئيسُها، فليست المسألة مسألة صداقة شخصية أو عداوة مبدئية، بل تكمن المسألة في تضارب أو توافق مصالح البلدين. الأمر الأساس: سياستها إزاءنا؟!
&
وسؤال يطرح نفسه: لنفترض، جدلاً أو احتمالاً، أن خلافاً وقع بين بعض العرب وبين الإدارة الأمريكية الجديدة مستقبلاً، فهل سنعمد عندها إلى التمييز - كما نفعل بحكم العادة - بينها وبين الشعب الأمريكي؟ هل سننسى أن الشعب الأمريكي هو الذي انتخبها؟ وفرح من فرح معه وله بنجاح رئيسه الأمريكي الانتماء؟.
&