&

في البداية كانت الصورة إياها: رجال شرطة فرنسيون في ساحل البحر الفرنسي يحيطون بامرأة مسلمة تلبس لباس بحر جديدا لم يسبق ان رأينا مثله. كانوا يأمرونها بنزع هذه الملابس التي تشبه نقاب الوجه. صورة لا شك في أنها كانت ما يشبه الإهانة للمرأة وكان بإمكان البوليس ان يبتعد عنها قليلا حتى تفعل ما طلبوا.

صورة طافت المعمورة بفضل الانترنت. وتبرعت وسائل الإعلام ولاسيما في بريطانيا والولايات المتحدة بتوجيه انتقادات حادة لفرنسا معتبرين ان ما جرى كان اعتداءا على حرية المرأة في اختيار نوع ملابسها وكذلك إساءة لمشاعر المسلمين في فرنسا. ولابد أن نذكر هنا أن أوباما سبق له في ولايته الأولى ان وجه انتقادات مبطنة إلى فرنسا بسبب قوانينها العَلمانية التي تحظر حمل الرموز الدينية في مدارس الدولة. وكانت المدن الساحلية الفرنسية قد أصدرت مرسوما بتحريم لبس تلك الملابس الجديدة المسماة البركيني. ومن بين هذه المدن مدينة نيس التي شهدت منذ أسابيع مجرما داعشيا يسوق شاحنة تسحق المئات من المحتفلين بالعيد الوطني ما بين قتلى وجرحى. ولذا بدا منظر تلك المرأة وامثالها وكأنه استفزاز وتحد وعدم اكتراث بمشاعر سكان المدينة.

لا ادري من اعتبر هذا اللباس الجديد فريصة إسلامية، وهو بالمناسبة من انتاج غنية لبنانية مسلمة يقال ان وراءها عددا من اغنياء الشمال الافريقي المقيمين في فرنسا. ومنهم من كان يتبرع بالآلاف لدفع غرامات المفروضة على مسلمات يلبسن النقاب علنا وهذا ممنوع قانونيا في فرنسا. أي تشجيع المسلمات المتطرفات على انتهاك القوانين.

في الواقع ان مثل هذا اللباس هو أولا تجاري بحت حولوه إلى فريضة على المسلمة التي تسبح في البحر. ومعنى ذلك ان المسلمة التي لا تلبسه تتحدى الدين والفضيلة. في هذا السجال الذي تحول الى سجال فرنسي فرنسي وصل الى الحكومة ومجلس الدولة تمحور السجال الى موضوع الحريات العامة ومشاعر المسلمين، بينما هو في الحقيقة تشجيع للتقوقع المتزمت ويمس بقوانين العلمانية في فرنسا. وقد اصدر مجلس الدولة قرارا يدعو الى تجميد المرسوم الذي اتخذته سلطات المدن الساحلية وهو ما يعتبر تراجعا أمام التطرف الإسلامي وخدمة لليمين المتطرف. أما رئيس الوزراء الذي كان قد ايد المرسوم فقال ان قرار مجلس الدولة يجب ان لا يغلق الحوار حول الموضوع. إن ما اتذكره هو ان شواطئ الإسكندرية حتى منذ

الثلاثينات كانت مليئة بنساء مسلمات يلبسن لباس البحر القصير ولم يجرؤ أحد على ادانتهن. وهذا ما كان أيضا يحدث في الشواطئ اللبنانية وذلك قبل صعود الإسلام السياسي والتطرف الإسلامي بكل أشكاله ومذاهبه.

أما بخصوص حرية المرأة في جسدها فإن اللباس الجديد نوع من السجن لهذا الجسد الذي ما زال يتعرض مرة بعد أخرى إلى فتاوى وعاظ الدين المتزمتين الذين ينشرون أفكار الخوف من جسد المرأة بل حتى من كشف وجهها باعتبار ذلك اثارة للرجل جنسيا. إن هؤلاء وأمثالهم مهوسون بالجنس حتى انهم ادانوا لعبة الأطفال باربي. وفي ايران انتجوا باربي جديدة بملابس طويلة وحجاب وفي يديها القرآن.

إن هؤلاء الذين يرفعون راية الفضيلة والدين هم انفسهم يحللون خطبة الرضيعة ومداعبتها جنسيا وزواج طفلة التاسعة، فهل يقبلوا بذلك هؤلاء الصحفيون والمحامون الذين نهضوا للدفاع عن البركيني. ويذكرني وعاظ اليوم بحاخامات اليهود قبل الإسلام حين كانوا يسجنون المرأة عندهم أياما بحالة الطمث وأسابيع عند الولادة، باعتبارها صارت نجسة.

في الحالات السابقة كان الإسلاميون يتصدرون السجال أما في هذه الحالة فقد تطوع نيابة عنهم فريق من الإعلاميين والمحامين الذين حاربوا مرسوم حظر البركيني. وبهذه المناسبة يجب ان نتذكر كتاب الباحث الأميركي كالدويل الصادر عام 2009 والذي بين بالتفاصيل والشهادات والوثائق كيف ان تنازلات أوروبا الغربية أمام المطالب الإسلامية المتصاعدة ستؤدي تدريجيا الى نخر العَلمانية وقوانينها وإلى انتشار العادات والممارسات الخاصة بالإسلام المتطرف.