يعتبر نموذج الاسلام الكردي من النماذج المعتدلة والمتسمة بالتسامح والتعايش المشترك في منطقة الشرق الاوسط التي تعتبر بودقة مزخرفة وممتلئة بتعددية واسعة للشعوب والقوميات والأقليات والأديان والمذاهب والطوائف.

والمجتمع الكردي يمتاز بتنوع منفرد للقوميات والأديان، ففيما يخص الاول هنالك تعايش مشترك من ازمان تاريخية سحيقة بين الكرد والكلدان والاشوريين والأرمن والسريانيين والعبرانيين والعرب والتركمان، وأما فيما يخص الثاني فهنالك تواصل ديني متنوع بين الاسلام والمسيحية واليهودية وأديان غير سماوية كالايزيدية، ومع تماس تعددي للمذاهب بين السنة والشيعة ومذاهب مسيحية متنوعة ومذاهب اخرى تؤمن بها افراد ومجموعات على مستوى اقليات وطوائف.

وأرض كردستان احتضنت قبل الميلاد وبعده معابد عديدة للأديان الاولية للحضارات القديمة وعلى رأسها للديانة الزرادشتية التي آمن بها الكرد قبل ظهور السيد المسيح (ع)، وكذلك فان الديار الكردية احتضنت أديرة عتيقة للديانتين اليهودية والمسيحية لا تقل عمر البعض منها عن الفي سنة والبعض الاخر عن الف سنة.

وكذلك احتضنت الارض الكردية مساجد عتيقة عديدة وكثيرة لدين الاسلام ولمذاهبها في مدنها الكبيرة والصغيرة وفي قراها، ولا ينكر ان أغلبية قرى كردستان تحتضن في كل قرية مسجدا للشعائر والمناسبات الدينية والاجتماعية، وهذه السمة تعتبر علامة فارقة ومميزة وخاصة ببلاد كردستان، ولا يوازيها بلد أخر في العالم الاسلامي.

هذا وقد ساهم الكرد في الدفاع عن الاسلام بفعالية وقيادة متميزة يشهم لها التاريخ الاسلامي والانساني، ودفاع البطل والقائد صلاح الدين الأيوبي ملحمة تاريخية يفتخر بها كل مسلم على كوكب الأرض، وقيادة الدولة الأيوبية للمسلمين طوال قرنين من الزمن تعتبر مساهمة كردية تاريخية متميزة وفي ظروف في غاية الصعوبة لقيادة وانقاذ المسلمين وحماية الديار الاسلامية من جحافل الجيوش الافرنجية.

والجميل ان صفحات التاريخ الكردي القديم والحديث غير مسطرة بسطور سوداء عن ابادات ولا غزوات ولا هجمات ولا اعتداءات ولا عدوانيات لسحق وابادة جماعية لمجموعات بشرية جماعية وطوال سنوات التاريخ العتيق والجديد، وبينما ارتكبت أقوام مجاورة للكرد مجازر وابادات بعشرات ومئات الالوف ولمرات عديدة في تاريخ المنطقة، واحدث ابادة جماعية تعرض لها الكرد االأنفال وفاجعة حلبجة من قبل نظام البعث البائد.

وبالرغم من ما تعرض له الكرد من مآسي انسانية كبيرة عبر التاريخ، الا انه احتفظ بانسانيته وباخلاقياته الحميدةـ وما يتمتع به الكرد بصورة عامة من مفردات وسمات وممارسات وسلوكيات نابعة من القيم الانسانية والاخلاقية علامة فارقة مميزة يشهد لها شعوب المنطقة من عرب وعجم وترك، وخاصة في باب الضيافة والكرم والسخاء والوفاء والاخلاص والشجاعة والدفاع عن الاخرين، اضافة الى ممارسات فردية حميدة يحظى بها اغلب الكرد في حياتهم العامة.

هذه المقدمة سقتها لدعوة انسانية نبيلة سارطرحها في مقال قادم لنشر نموذج الاسلام الكردي عبر العالم الاسلامي للاهتداء به والاقتداء به لمجابهة ومحاربة الفكر السلفي المتشدد والارهابي في الحركات الارهابية السياسية الدينية المتطرفة التي تقاد باسم الاسلام والتي سببت واقعا دمويا ومأساويا في واقع وحال شعوب ودول منطقة الشرق الاوسط وفي مناطق كثيرة من العالم يندى له جبين الانسانية ، ولهذا بات ضروريا وتوازيا مع الوقفة البطولية والشجاعة للبيشمركة والكاريلا وقوات روجآفا الكردية لمجابهة تنظيم داعش والحركات الارهابية، ان يطرح نموذج الاسلام الكردي المتسم باليسر وصفاء الايمان وبساطة السلوك وبانسانية عالية، للاستفادة منه في اتباع نهج اسلامي انساني جديد وقابل للتعامل مع العالم الحديث للاهتداء به في حياة المسلمين بسلام وأمان، والله من وراء القصد.

&

* كاتب صحفي