طوال العقود الثلاثة الماضية، و بين کل فترة و أخرى، دأب القادة و المسٶولين في الجمهورية الاسلامية الايرانية على إطلاق تصريحات تٶکد على إن منظمة مجاهدي خلق قد إنتهت ولم يعد لها من أي أثر أو دور على الساحة الايرانية، لکن المثير و الغريب في الامر إن القادة الايرانيين يعودون بأنفسهم و من بينهم المرشد الاعلى للجمهورية، يحذرون من دور هذه المنظمة في داخل إيران نفسها، ولعل إنتفاضة عام 2009، أصدق مثال على ذلك، عندما إتهم خامنئي و من دون لف و دوران المنظمة بها.

هناك قول شائع ينسب لمسٶولين أتراك، تتلخص في إنهم سيحاربون قيام دولة کردية حتى لو کانت في أقصى نقطة من العالم، ولعل هذا القول يمکن سحبه على الجمهورية الاسلامية الايرانية ولکن بتحوير بسيط وهو" إن الجمهورية الاسلامية الايرانية ستحارب منظمة مجاهدي خلق في کل مکان من العالم"، وبطبيعة الحال، فإن طهران قد ترجمت هذا القول فعلا على أرض الواقع وفي العديد من دول العالم کما سنوضح لاحقا، لکن من المفيد جدا الاستشهاد بقول هام للخميني بهذا الخصوص عندما قال:" ان عدونا ليس في أمريكا ولا في الاتحاد السوفيتي ولا في كردستان وإنما هنا وأمام أعيننا وهو في طهران"، وبطبيعة الحال فإنه يشير وکما يأتي في سياق حديثه الى منظمة مجاهدي خلق تحديدا.

الاهمية الاستثنائية التي منحتها و تمنحها طهران في معاداتها لمنظمة مجاهدي خلق، لم تأت إعتباطا ولا من دون أسباب و عوامل أساسية تقف خلفها، بل إن لقضية العداء الشديد هذه أبعاد متباينة، ليست تنحصر في جانب أو زاوية محددة وانما هي أوسع و أعمق و أکبر من ذلك بکثير، ذلك إن الدور الکبير الذي لعبته هذه المنظمة في الثورة الايرانية من حيث الاعداد و تهيأة الارضية و المناخ المناسبين لها ومن ثم المشارکة الفعالة فيها بحيث يمکن القول و بکل ثقة بإن الثورة ماکان مقدرا لها النجاح و الانتصار لو إنعدم دور منظمة مجاهدي خلق فيها، ولهذا فليس بغريب أن نجد في أدبيات المنظمة و بياناتها التأکيد على إن المنظمة کان لها الدور الاکبر في إسقاط نظام الشاه، وإنها قادرة على إعادة الکرة مع النظام الذي أعقبه.

الديناميکية و سرعة الحرکة و المبادرة و التأقلم مع الظروف و الاوضاع الذاتية و الموضوعية مهما کانت صعبة و معقدة، هي من الخصائص الاساسية لهذه المنظمة، وهذا مايشکل صداعا مزمنا لطهران، ذلك إنها لم تستسلم أو تتراجع أو تهتز ولو في أحلك الظروف، ويکفي بهذا الصدد الإشارة و التذکير بحادثتين مشهورتان ليس في تأريخ المنظمة وانما في التأريخ الايراني المعاصر نفس، أولهما إقدام النظام الملکي في عام 1971، على إعدام قادة المنظمة الثلاثة و جميع أعضاء اللجنة المرکزية لها، والحادثة الثانية إقدام الجمهورية الاسلامية الايرانية في عام 1988، بفتوى فريدة من نوعها من جانب الخميني على تنفيذ حکم الاعدام ب30 ألف سجين سياسي من منظمة مجاهدي خلق، لکن الذي جرى بعد هذه الحادثتين إن المنظمة خرجت کطائر الفينيق من بين الرکام لتعود أقوى و أصلب عودا من السابق.

بعد تأسيس نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية، دخلت منظمة مجاهدي خلق في صراع أقل مايقال عنه دموي وقد مر هذا الصراع بمراحل مختلفة أکدت على حقيقتين هامتين وهما إصرار طهران الکامل على القضاء التام و المبرم على منظمة مجاهدي خلق و محوها من الوجود، و إصرار منظمة مجاهدي خلق على إسقاط النظام إنهاء حکم الاستبداد الديني.&

دخول منظمة مجاهدي خلق الى العراق في خضم الحرب الايرانية العراقية المحتدمة و فتح معسکرات لها و الذي هو في الحقيقة إحدى مراحل الصراع الذي ألمعنا إليه آنفا، کان يعتبر في نظر الکثيرين وقتئذ بمثابة إنتحار سياسي للمنظمة و خطوة تصب في مصلحة رجال الدين المتشددين في طهران، وکما حاولت الجمهورية الاسلامية الايرانية توظيف قضية الحرب مع العراق لصالحها من خلال المقولة المشهورة للخميني بشأن هذه الحرب و التي قال فيها:"الخير فيما وقع."، فإن طهران سعت لإستغلال تواجد منظمة مجاهدي خلق في العراق و إستخدامه کوسيلة من أجل تحقيق غاياتها وبالاخص فيما يتعلق بتشويه سمعة المنظمة و التأثير على شعبيتها الکبيرة لدى مختلف شرائح و أطياف الشعب الايراني، لکن ملامح الصورة لم تکن کما خطتها و رسمتها أنامل رجال الدين المتشددين في طهران وانما کانت مختلفة تماما، خصوصا بعد أن أفرز تواجد المنظمة في العراق عن نتائج و تداعيات لم تتفق مع رٶية رجال الدين و توقعاتهم.

لم يکن دخول منظمة مجاهدي خلق الى العراق في عام 1986، هي البداية من حيث العلاقة التي ربطت العراق بهذا المنظمة، بل إن العلاقة کانت أقدم من ذلك بکثير، حيث إنه يعود الى عام 1969، إذ شهدت في الحقيقة المرحلة الاولى للعلاقة التي ربطت العراق بالمنظمة، عندما تمکن نظام الشاه من إلقاء القبض على مجموعة من أعضاء منظمة مجاهدي خلق في دبي کانوا ينوون التوجه من أجل التدريب في المعسکرات الفلسطينية، وقد سيطرت المجموعة على الطائرة التي کانت تقلهم لطهران و أجبروها على التوجه لبغداد، ويومها حدثت أزمة سياسية بسبب هذه القضية، حيث إنه وبعد أن تدخلت المنظمة لدى منظمة التحرير الفلسطينية فقامت المنظمة ومن خلال شخص الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بمطالبة السلطات العراقية بهم بإعتبارهم متطوعين إيرانيين لصفوف منظمة التحرير الفلسطينية وقد تم فعلا الافراج عنهم و نقلهم الى لبنان ومن ثم الى المعسکرات الفلسطينية. کما يجدر الإشارة أيضا الى إنه کان هناك في العراق إذاعة تحت إسم"ميهن طرفان"، تبث باللغة الفارسية من بغداد و تدار من قبل منظمة مجاهدي خلق و منظمة فدائيي إسلام وإستمرت منذ عام 1973 الى عام 1975، وقد أسدل الستار على هذه المرحلة بعد أن قامت المجموعة المتواجدة في العراق بالانقلاب على المنظمة وإعلانهم عن توجهات مارکسية رفضتها المنظمة و فصلتهم على أثر ذلك.

المرحلة الثانية من علاقة منظمة مجاهدي خلق بالعراق تعود الى بدايات الثورة الايرانية و تلمسها عن توجهات لدى التيار الديني لتصدير التطرف الديني للخارج بشکل عام و للعراق بشکل خاص، خصوصا بعد أن قام السفير الايراني بعد الثورة"محمود دعائي" وفي صيف عام 1979، صرح دعائي و من داخل العراق، بأن الشعب العراقي يطالب الخميني بقيادة الثورة العراقية ضد النظام العراقي، حيث تم طرده على أثرها من العراق، وخلال هذه المرحلة تأکدت المنظمة من إن هناك توجهات لدى التيار الديني عموما و لدى الخميني شخصيا بإشعال حرب ضد العراق، وحينها وجهت المنظمة رسالة للمرحوم ياسر عرفات تطالبه بالتدخل من أجل الحيلولة دون ذلك(وهذه الرسالة تم نشرها فيما بعد من قبل المنظمة)، بمعنى إن حمى الحرب لم تکن لدى عراق البعث فقط وانما کانت موجودة و بقوة و عزم أکبر في طهران. والمرحلة الثالثة تأتي في منتصف عام 1982، على أثر إعلان العراق إنسحابه من کافة الاراضي الايرانية، حيث بادرت المنظمة لإصدار بيان تعلن فيه بأن الحرب لم يعد من مبرر لإستمرارها، و سعى العراق بعدئذ للإتصال بمنظمة مجاهدي خلق ولاسيما عن طريق کاظم رجوي، الممثل السابق لإيران في منظمة الامم المتحدة في جنيف و تتوجت بزيارة طارق عزيز نائب رئيس الوزراء العراقي حينئذ لباريس حيث زار خلالها مقر المنظمة و صدر بيان السلام بين العراق و منظمة مجاهدي خلق والذي کان بمثابة رسالة لأکثر من طرف و جهة، وللموضوع صلة.

&