لم تكن الرؤية الاستراتيجية التي اتخذتها مكونات روجآفاي كردستان تأتي من تشخيص سريع وآني للحالة السورية وإنما كانت تلك الرؤية هي نتيجة تدقيق ودراسة معمقة لحال الظروف التي شهدتها سوريا، وبهذه الرؤية في الوقت الذي بدأت القوى التي وجدت نفسها ضمن الصراع الدائر بالعمل دون تنظيم و بمنطلقات عامة أغلبها لم تكن مناسبة لخصوصية السوريين، كذلك عدم قدرة البعض على الوصف الدقيق لاسباب الازمة وللحاجة السورية وتصدير الملف السوري إلى الخارج من خلال الوقوع في مصيدة العديد من القوى الإقليمية و تحويل الملف السوري إلى ملف إستثمار وبازار سياسي، بدأنا نحن في مناطقنا بالإجراءات العملية لعدم الوقوع في حاله من الفوضى العارمة وكذلك تحويل مناطقنا إلى المفصل المؤدي إلى إحداث حالة التغيير في بنية النظام السائد ألا وهو التغيير نحو نبذ المركز والحكم الأوتوقراطي وإجراءات الحكم القومي وإضافات الصبغة الطائفية لإدارة البلاد، بهذه الأهداف ومن أجل إلغاء ما تم ذكره كحالة موجودة ضمن النمط المرافق لعيش السوريين ومن أجل إثبات التغيير الجذري في آليات التنظيم وقلب الهرم المعروف بالشكل التقليدي إلى شكل مناسب للحالة التي نعيشها وللوصف الملبي لطموح السوريين، وإيصالهم إلى حقوقهم الطبيعية بمختلف إنتمائاتهم في الوطن السوري كانت الإدارة الذاتية الديمقراطية رد واضح وقوي على جميع المشكلات تلك وعلاج للمشاكل العالقة التي نجمت عن الحكم الإستبدادي والطرح القومي الاحادي في حكم الدولة ومراعاة منطقية وعملية لحالة التنوع السائدة في مجتمعنا.
لقد كانت الإدارة الذاتية الديمقراطية الملونة بمكونات المنطقة من كرد، عرب، سريان، آشور ، كلدان، تركمان وبمشاركة وقيادة المرأة الحرة إختباراً حقيقياً لقياس القدرة على عدم الإنجرار وراء المخططات الهادمة للمنطقة والبناء والتنظيم الوطني في ظل الحرب والصراع الدائر، لقد كانت الخطوة مجسدّة للتغير وكانت في وقتها أي في وقت تأسيس الإدارة غريبة وتعتبر ضرب من ضروب الجنون إلى الحد الذي جعل البعض يصف تلك الخطوة الشعبية المنظمة والنادرة المتوجه نحو قلب كيان الحكم التقليدي في المنطقة بأنها لن تدوم أكثر من ستة اشهر بحكم إنها غير مناسبة ولن تقبل بها العديد من الأطراف، لقد كانت الهجمات التي تم شنها على مشروع الإدارة الذاتية كفيلة بإلغاء أي مشروع على مستوى دول ولكن بفعل إرادة وتصميم شعبنا ومقاومته الباسلة وبالملاحم البطولية التي قدموها شبابنا وشاباتنا نجحت الإدارة الذاتية وتوجهت من التأسيس إلى التعميم حيث من الجزيرة توسعت نحو كوباني وعفرين ومن ثم الى المناطق التي تم تحريرها من داعش فيما بعد مثل منبج و كري سبي والشدادي واليوم مناطق أخرى من سوريا باتت تقترب من إعلان هذا النموذج كنمط إداري أفضل من أية رؤية أخرى يتم طرحها.
أمام الحصار الجائز وحالات العزل السياسي والدبلوماسي وكذلك المشاريع العسكرية التي تم التخطيط لها من أجل عدم نجاح هذه التجربة استطاع شعبنا مقاومة كل ما تم حياكته من تلك المؤامرات وعمل على إنجاح تجربته وبفضل تلك الإدارة والتصميم كان الرد بالعمل المنظم هو أكبر وأهم جواب لتلك المخططات المضادة، فقد تم فتح العديد من الممثليات الدبلوماسية في أرجاء العالم وشهدت الإدارة الذاتية زيارات للعديد من الأطراف والشخصيات الصديقة والرسمية وكل من تعّرف على هذا المشروع ثمنه بأعلى تقدير، هذه إن دّل على شيء إنما على إرادة وتصميم شعبنا المناضل وبسالة أبطالنا وعظمة شهداؤنا الذين يستحقون كل الاجلال والاكبار وكذلك مدى الحرص الوطني في خلق الأرضية المناسبة لايصال الشعب إلى طموحاته، اليوم وبفضل كل هذا تتوجه روج آفا- نحو التوسع في حل معضلات المنطقة من خلال المشروع الفيدرالي الديمقراطي الذي يعتبر بمثابة الحل المشخص والدقيق للمعضلات الناجمة عن تداخل السلطة مع المركز، الهجمات التي تتوالى على المشروع الفيدرالي تأتي في نفس الإطار الذي تم عند الهجوم على الإدارة الذاتية الدينقراطية، لا يمكن بأي حال من الأحول نجاح المساعي التي تتعمد إليها القوى المناهضة للمشاريع الديمقراطية في إجهاض هذه المحاولات الحرة بحكم إن التغيير الحاصل في مجمل الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة تشير إلى إنه من المحتم وجود قوى ديمقراطية تجسد حالة التغيير بالتوجه الديمقراطي القائم على التعدد والتنوع مع الحفاظ على دلالات المنطقة التاريخية من نواحي التواجد الأثني والعرقي، مع الوحدة الجغرافية المناسبة من أجل ممارسة النموذج الإداري الحديث ويمكن القول بإن مكونات روج آفا هي خير من مثل هذه المرحلة المهمة وبالتالي لا يمكن بحالة العزل السياسي أو الإقصاء في الرأي من أن يجهضوا هذا الدور التاريخي الهام الذي عمل شعبنا على رسمه بدمائه وبتنظيمه وإرادته الحرة، منطقتنا بنموذج الإدارة الذاتية و بطرحها الديمقراطي تمثل أهم أسباب الحل والسبل المؤدية إلى تحقيق مسيرة الحرية لدى شعوب المنطقة، لذا نحن نتجاوز تلك المدة الزمنية التي وضعها البعض وهي ستة أشهر إلى انقضاء ثلاث سنوات من النجاح والتقدم مع تشخيص دقيق للأخطاء التي تظهر نتيجة حداثة التجربة، ويبقى مشروع الإدارة الذاتية طرحاً قابل للتطوير بمساهمات ومشاركات كل من يريد خدمة شعبنا.
لذا من الضروري وخاصة في هذه المرحلة من أن تتكاتف كلالقوى الوطنيه والديمقراطية بما فيها الكردية من أجل إغناء هذه التجربة وطرح سبل تطويرها وتدارك ما حدث من إخطاء بحكم إننا بالنهاية نجهد ونعمل من أجل حرية واستقرار منطقتنا والوطن السوري، فالإدارة في عامها الرابع لابد ان تكون منفتحة على جميع المقترحات والمساهمات التي تخدم هذه الغاية على الدوام.
&