&

بقلم أميمة الخميس
&
هل سيشرع إعلامنا المحلي بإحراق مراكبه القديمة وهو يقفز إلى ضفاف الإعلام الجديد والعالم الافتراضي الذي تحتمه الصيرورة الزمنية ؟ هل الأمر هو مسألة وقت فقط قبل أن تغور تلك المراكب إلى قاع محيط الوقت؟
والمراكب القديمة و تحديدا الصحافة الورقية كانت دوما في الصفوف الأولى لمسيرة تأسيس الدولة& سواء عندما بدأت كصحافة أفراد يستغرقها الهم التنويري النهضوي، أو عندما تحولت إلى مؤسسات حاضرة باستبسال كذراع من القوى الناعمة ذات اللياقة عالية، والتي بدورها مهدت الدرب وأشرعت البوابات لدخول العصر للمكان، وخاضت أثناء مأسسة قطاعات الدولة حروبا شرسة ضد المكون الظلامي الرافض لكل طارئ، ابتدأ من استجلاب أنظمة إدارية وتقنية حديثة ...انتهاء بتعليم البنات، وطوال الوقت ظلت رفيقا للمسيرة التنموية المشتركة والتي لم تكن يوما ما سهلة أو يسيرة.
وعبر نظام المؤسسات الصحفية كان هناك بين الدولة والصحافة مشروع شراكة مضمر يتلخص في أن تتنازل الصحافة عن بعض استقلاليتها, وتغمض عينها عن بعض الحساسيات السياسية والاجتماعية أو الدينية، مقابل أن يمرر لها بعض الامتيازات والنجومية إضافة إلى مساحة معقولة من الحركة والأسقف المطمئنة تعمل تحتها ضمن المتاح والوقار الذي لايحتمل الكثير من المغامرات أو البروباغندا الجماهيرية .
ويبدو إن الصحافة المحلية اتقنت هذا الدور المهادن على اعتبار أقصى ما تسمح به المرحلة، وأصبح نفسها رتيبا داخل مواجهة طويل المدى سواء ضد تيارات داخلية محافظة ذات خلفية سلفية صارمة، أو في محيطها العربي الذي لطالما كانت صحافته خاضعة للمزايدات القومجية واليسارية والآن (أخونجية)، وجميعها تحتاج إلى إعلام يبرز المواقف المحلية اتجاه القضايا العروبية .
وعبر هذه المسيرة الطويلة التي تكاد تلامس القرن كونت الصحافة المحلية حضورا متينا عبر مؤسسات كبرى إضافة إلى كليات إعلام تبث كل عام أعدادا هائلة من خريجي الصحافة إلى السوق، وجميعها باتت جيشا وطنيا على المستوى الإداري والتحريري.
هذه الترسانة الثمينة ترسانة الضوء، وقد بدأت تتآكل مراكبها القديم وتتهرأ،ولم تعد تمتلك القدرة على الإبحار ونقل خطاب النهضة والتنمية, ولاسيما بعد أن انفض الجمع عنها وانزلق في العالم الجديد.
فأعتقد أنه قد أزف الوقت للاستثمار في ترسانة الضوء هذه عبر المنصات الجديدة، أي أن يكون للوطن منصات حديثة قادرة على احتواء جيشه الإعلامي, منصات مهنية عصرية وذكية تظهر كمرجعية أولى للقارئ المحلي والدولي.
في مرحلة حرجة أصبح العالم الافتراضي فيها، هو من يقود الرأي العام ويشكله، وهنا تحديدا مكمن الخطورة في أن يترك الرأي العام لمنصات مناوئة أو للشعبوي الغوغائي الذي حتما سيعرقل طموحات رؤية بحجم 2030،رؤية يعول عليه الكثير ليس داخليا بل على مستوى المنطقة بل والعالم بأسره
بالطبع لن يكون حل المراكب المتآكلة لدى إدارات الحرس القديم القابع داخل المؤسسات الصحفية، إن لم يكونوا أنفسهم جزء من المشكلة!! لتخاذلهم عن استشراف مستقبل المؤسسات الصحفية، فبينما كانت إرهاصات اضمحلال الورقي قد بدأت منذ تسعينات العام الماضي, قبل أن تبدأ قطع الدومينو بالتهاوي مؤسسة تلو الأخرى بداية بانهيار إمبراطورية مردوخ الصحافية 2008ثم كريستان سيانس مينتور، نيوز ويك ...وووو انعكست تلك الأزمة بشكل واضح على صحافة العالم العربي عبر أغلاق الكثير من المجلات الورقية.
بينما في ذلك الوقت نفسه كانت بعض قيادات مؤسساتنا الصحافية بمعزل عن هذا وتهدر المزيد من رأس مال تلك المؤسسات في شراء آلات طباعة ورقية استنزفت الكثير من أصول تلك المؤسسات، حتى إذا وصل طوفان العالم الافتراضي إلى التراق، عندها ارتفع الصياح انقذونا ... نحن نغرق!!
على كل حال مأزق الصحافة الورقية لن يكون حله لدى الحرس القديم، بل عبر دعم كتيبة الضوء الوطنية من إعلاميين وكتاب رأي وإداريين من ذوي الطاقات الثمينة والقادرين على أن يحدثوا فرقا في الواجهة الإعلامية الوطنية ....شرط أن تدعم منصات جديدة قادرة على احتوائهم والاستثمار في قدراتهم .&
&
&