في ظلّ الإبادة الجماعية اليومية التي يتعرّض لها الشعب الفلسطينيّ في القطاع والاغتيالات اليوميّة للمواطنين الأبرياء في الضفّة، التزمت السلطة الفلسطينيّة الصّمت ولم تُحرّك ساكِناً أمام العدوان الصهيونيّ الغاشم، ولمْ تَقدِم على أي خطوة لِمُناصَرة أهالي غزّة، ولوْ بإيقاف التنسيق الأمني مع الكيان، فبالرغْم من تأكيد قيادة السلطة الفلسطينية يوم 18 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي على استمرار وقف التنسيق الأمني بسبب الحرب على غزة، إلا أن الجانب الإسرائيلي أكد أن التنسيق لم يتوقَّف أصلاً، بل تَعَزَّز منذ "طوفان الأقصى" في وقت تعالَت فيه الأصوات حتى في حركة فتح للمطالبة بإعادة النظر في فكرة التنسيق الأمني.

يَتَّضِح مما تقدم أنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس يَدور في فَلَكهِ الخاصّ، بعيداً عن إطار المُقاوَمة المُسلّحة، ولا يزال يُؤْمِن بما يُسمّيه "المُقاوَمة السِّلْميّة" الغامِضة المعنى والمُلتبِسة المَفهوم. فإذا كان السيد الرئيس يقصِدُ بها العودة إلى طاولة المُفاوَضات العقيمة مع الكيان، من أجلّ حلّ الدّولتيْن، فقد سبقَ أنْ خاضَت منظمة التحرير الفلسطينيّة لِقاءات مَكوكيّة مع إسرائيل ولمْ يتحقَّق منها سوى المزيد من بناء المُستوطنات والطّرق الالْتفافية وتشييد الجِدار العُنصُري مِمّا نَتجَ عنْه قَضْم مساحات شاسِعة من الأراضي المُتفاوَض حولها، أيْ أقلّ من 22 بالمئة من الأراضي التاريخيّة الفلسطينيّة، أمْ هو راضٍ بِالمَنصب الذي تقلَّدَه، كرئيس للسلطة الفارغة التي تخدُم أهداف إسرائيل ولا صلة لها بتحرير الأرض وإقامة الدولة.

للتذكير، فَقد قدَّمت منظمة التحرير الفلسطينيّة العديد من التنازُلات في اتفاقية أوسلو اعترفت فيها بدولة إسرائيل على 78 بالمئة من أراضي فلسطين، أي كل فلسطين ما عدا الضفة الغربية وغزة، خلال خمس سنين تنسحب إسرائيل من أراض في الضفة الغربية وقطاع غزة على مراحل أولها أريحا وغزة اللّتيْن تشكلان 1.5 بالمئة من أرض فلسطين مُقابلَ إِقِرار إسرائيل بحق الفلسطينيين في إقامة حكم ذاتي أصبح يُعرَف فيما بعد بحكم السلطة الوطنية الفلسطينية على الأراضي التي تَنسحِب منها في الضفة الغربية وغزة (حكم ذاتي للفلسطينيين وليس دولة مُستقِلة ذات سيادة).

لقد تغاضى رئيس السلطة الفلسطينيّة المُنتهيةُ ولايَتُه منذُ 9 كانون الثاني (يناير) 2009 عن أخطائه السياسيّة عديدة، ونذكُر منها على سبيل المِثال، التنسيق الأمني، بدعوى وُرود ذلك في اتفاقية أوسلو، والذي لا يخدُم القضية الفلسطينيّة في شيء، وإنّما كما يبْدو، يرمي إلى مُساعدَة الكيان الإسرائيليّ في كَبْح جماح المُقاوَمة في الضفّة. وسعيُ الرئيس إلى العودَة إلى إحياء المُفاوَضات مع إسرائيل، لَن يؤدّيَ إلى أيّ تسويَّة عادلَة للقضية الفلسطينيّة، ولا قيام دولة فلسطينيّة مُستقِلّة ولا وَقْف بِناء المستوطنات ولا إطلاق سراح السّجناء الفلسطينيّين القابعين في السجون الإسرائيليّة ولا عودة اللاجئين.

وها هي السلطة الفلسطينية برئاسة عباس تُغرِّد خارج السرب، بقيام رئيسِها بإصدار مرسوم حول الانتخابات الفارغة التي هي بعيدة كلّ البُعد عن الحرب الشعواء التي تشُنُّها إسرائيل على الشعب الفلسطينيّ في غزة، التي بَلغت ضحاياها ما يُقارب 36 ألف شهيد وأكثر من 77 ألف جريحٍ كلهم من المدنيين الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ، بالإضافة إلى الحصار المَضروب على القطاع من قبل الكيان الإسرائيلي لِمنع دخول المُساعدات الإنسانيّة إلى المواطنين من أجل إنقاذِ الشعب الذي يموت جرّاء انعدام الأغذية والدواء والوقود وغيرها من مقوِّمات الحياة.. علاوَةً على الهجَمات اليومية للكيان على مدن وبلدات الضفة الغربية وتجريفه للبيوت واغتياله للمواطنين العُزّل واعتقاله للآلاف منهم وتعذيبهم والتنكيل بهم أمام أنظار السلطة الفلسطينيّة.

من هنا يتّضح أنّ السلطة الفلسطينيّة لا تهمّها هذه المآسي التي يعيشُها الشعب الفلسطينيّ بِقدْرِ ما يهمُّها بقاء أعضائها على الكراسي الوثيرة؛ كراسي "الحُكم المُزيَّف" بعيداً عن المعاناة اليوميّة للفلسطينيّين. علماً أنّ السلطة الفلسطينيّة قد انتهت صلاحيتُها مُنذُ زمان وأنّ "منظمات التحرير" فاقِدة للشرعيّة والمِصداقيّة لِكونها لا تُمثّل جميع الشعب الفلسطينيّ، ذلك أنّها في حاجةٍ إلى تجديد هياكِلِها وإشراك جميع فصائل المُقاومة فيها، عبر انتخابات شفّافة ونزيهة.

ومن هنا وَجب التساؤل حول منظمة التحرير الفلسطينيّة والسلطة الفلسطينيّة، فهل تخدُمان القضية الفلسطينيّة أم تسيران حسب الأجُندة الأميركيّة والإسرائيليّة؟