(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)

عندما تفرض على نفسك شرع الله وتمتثل له فقد نجوت، وإن إلتزمت إلى جانب ذلك بالسير على خطى المصطفى الكريم وآل بيته (ص) جميعاً فقد اهتديت وفزت فوزاً عظيماً؛ أما إن فرضت ذلك على العباد ولم تمتثل لما ورد في الآية الكريمة فقد ضللت وأضللت وظلمت، وظلمت نفسك وأفسدت في الأرض وهذا هو ما يجري في إيران على يد الملالي المدعين بشرع الله وبالولاء لرسول الله (ص) وآل بيته الطيبين الطاهرين، ولم يكتفوا بما أنزلوه من البلاء على الشعب الإيراني فنقلوه إلى دول وشعوب المنطقة، وهذا هو حال الشعب العراقي أيضاً، صورة طبق الأصل لما يجري في إيران بل تفوقت على صورة إيران بإبداع، وأصبح الملالي وجنودهم اليوم وسائل وأدوات بيد الغرب لهلاك المجتمعات المسلمة بدءا من إيران ووصولا إلى دول المنطقة.

في إيران لم يسلم من شر نظام الملالي أحد، لا شيعي ولا سُني ولا بهائي ولا مسيحي ولا فارسي ولا كردي ولا بلوشي ولا عربي، وحتى فيما بينهم باتوا فئة تفتك بالأخرى، ظلموا وأفسدوا، وأشاعوا الفقر وقد قال من يقولون كذباً أنه إمامهم (لو كان الفقر رجلاً لقتلته) ولو كان (ع) إمامهم كما يدعون لاتبعوه بإحسان ولكنه إن خرج اليوم بينهم لأتهموه بالباطل وخرجوا عليه وأقاموا الحد عليه، وكما يقول الشاعر مظفر النواب (أُنبيك علياً.. لو جئت اليوم لحاربك الداعون إليك وسموك شيوعياً)، أشاعوا الفقر بين العباد فهيمن وساد واستحكم حتى بات الفساد أمراً مقبولاً، وهنا يأتي حديث رسول الله (ص) "كاد الفقر أن يكون كفراً"، مصداقاً لذلك، فكيف يكون من يُشيع الفقر بين الناس، وهل يكون الفقر نتاجاً للعدل، وهل يكون الفقر والفساد بسبب الفقر في بلد يطبق الشريعة الإسلامية وله مداخيل عديدة من الضرائب والزكاة وخُمس المال وموارد المال العام كالنفط والغاز والجباية، ورب العباد خلق الخلق وخلق لهم معايشهم وقسم أرزاقهم بمقدار وفصل في رسالاته وعلى لسان أنبيائه والصالحين قدر الإنسان وكيف يكون العدل وكيف تُعامل الرعية، ولا يستوي السارق لنزوة مع السارق الذي أهلكه الفقر والجوع ودفعت به الحاجة إلى المهالك، فكيف إن سرق أحدهم يقطعون يده ولم يصلحوا شأنه معيشياً وتهذيباً ولا يوجد فيهم من ناصح ولا مُرشد للمجتمع ومصلحاً له وباتت عمامة الدين وسيلة من أجل المال والنفوذ والاحتيال، وفي صلاة الجمعة حيث يجب أن تكون خطبة الجمعة للإصلاح والتوعية وتهذيب الأنفس لا تجد في خطبتها سوى ما يتعلق بالسلطة والحكم ولا شيء يخص الإصلاح فكيف يكون حال مجتمع لا مُصلح فيه ولا جدوى من وجود رجل الدين حتى بات اليوم في أعين الناس محتالا جاهلا ومصدراً للنفور تستخف به الأغلبية العظمى وفي أقرب ثورة سيعلقونهم على المشانق بعمائمهم لذلك يبطشون بالشعب حفاظاً على سلطانهم ونجاةً لأنفسهم ولا شأن لهم برعاية المجتمع وإصلاحه وتلبية احتياجاته.. ولا يعنيهم من المجتمع سوى 4 بالمئة أو أقل من ذلك على حد قول رأس كبير من رؤوسهم...!

الإعدام في إيران
الإعدام في إيران عقوبة يتبعها نظام ولاية الفقيه ليس من باب إحقاق العدل وإنما هي عقوبة عبثية لفرض هيمنة النظام وسطوته على الشعب بالرعب.. وعلى سبيل المثال كيف يكون حكم الإعدام جائزاً حسب الشرع على صاحب الرأي الإصلاحي، وكيف يُطبق حد الحِرابة على أشخاص ذوي أخلاق عالية لا يخالفون الإسلام المحمدي الحنيف في شيء سوى أنهم يقولون للباطل "لا"، وعلى سبيل المثال كيف يكون حكم الإعدام جائزاً حسب الشرع على من أفقرته وأهنته ودفعته إلى السير بمسار الكفر أو الإقتراب منه.. أليس الأولى محاسبة ولي الأمر الذي صدع رؤوس العباد بقول بلا فعل وبوعود لا تعرف الوفاء ويدعي الإسلام وهو أول خارج عنه.

لم يُعدم في إيران لص كبير من المسؤولين أو لص تابع لمسؤولين كبار يعمل واجهة لهم كما حدث بشأن أحد الأثرياء الذي أُلغِي حكم إعدامه في أحداث محاكمة مطولة بغية التغطية على القضية مع مرور الزمن وستر فضائح كانت ستعري كباراً في أعلى سلطات النظام، كما أن العفو نفسه فضيحة من الفضائح التي ألمت بالنظام، ولو أن شخصاً آخر قد سرق طعاماً أو شيئاً يعينه على إطعام أسرته لأعدموه دون تريث، وفي الغالب لا يتم إعدام كبار تجار المخدرات لأن أغلبهم يعملون تحت حصانة السلطة التي تدعم تجارة المخدرات وتستخدمها كوسائل سياسية وكمصدر دعم مالي للجماعات الموالية للنظام في المنطقة برمتها كما الحال في العراق وسوريا ولبنان والأردن واليمن ومناطق أخرى، ويتم إعدام الصغار ومن يهدد سوق المخدرات الرسمي المُحصن أو أولئك المضطرين بعد أن فرضوا عليهم الفقر والذل أو الأبرياء الذين تُلفق لهم التهم ليكونوا أكباش فداء لآخرين متنفذين، ويتم إعدام شخص رجل كان أو إمرأة كونه دافع عن نفسه ويستعجل قضاء السوء بتنفيذ الأحكام دون تريث عله يحدث تصالح أو يعفو ولي الدم أو تتبين حقائق خافية هذا إن سمحوا للمحامين بعرض الحقائق للعمل بها وإنقاذ نفس من الموت بالباطل، والعنصرية ليست في الإطار الديني والمذهبي والعرقي فقط بل تشمل أيضا العنصرية الطبقية فالناس طبقات ومقامات وهناك لص وضيع ولص مقامه عالي ومجرمٌ وضيع وآخر مقامه عالي؛ والنجاة لمن كان مقامه عالي في ظل سلطة ولاية الفقيه.

في إيران الملالي من لم يمت بالسيف (سيف الإعدام القتل الحكومي) مات بغيره؛ تعددت الأسباب والموت واحدٌ.. فالمواطن إما يموت قهراً أو يموت جوعاً، أو يموت بحكم الإعدام على رأيه أو من أجل قوت للحياة وهذا ليس إعداماً وإنما قتلاً حكومياً مسيساً، أو يموت بإطلاق النار عليه وهو يحمل على ظهره حملاً يتسلق به الجبال مغامراً من أجل رزق بسيط لأهله، وهذه فئة امتهنت هذه المهنة الشاقة مهنة (الحمالين) أو العتالين كما يسميها البعض وقد دفع الفقر بعض النساء للعمل بها، وإن تقاسم هؤلاء المغامرين من أجل العيش رزقهم مع عملاء السلطة سمحوا لهم بالمرور والحياة وإن رفضوا أطلقوا عليهم النار.. وبمعنى آخر إن من دفعوا به إلى الفقر ميتٌ لا محالة وتعددت الأسباب والموت واحد.

نهج الإعدامات والأحكام التعسفية والقمع في الميادين والجامعات والسجون ليس بالأمر الجديد على نظام الملالي صاحب أعلى معدلات إعدام في العالم خاصة إعدامات النساء.. لكن الجديد في الأمر أن الربع الأول من سنة 2024 شهد نسبة مرعبة من أحكام الإعدام، ومنها تنفيذ النظام 49 حكم بالإعدام في غضون 11 يوماً فقط، ولا نعلم ماذا سنشهد في المرحلة المتبقية من السنة، وقد نُفِذت بعض هذه الأحكام لأسباب عرقية وطائفية؛ فالـ 49 سجيناً الذين ساقهم نظام ولاية الفقيه إلى المشانق كان منهم 16 شخصاً من المواطنين البلوش وهم من المواطنين السُنة الذين يتعرضون إلى عملية اضطهاد واسعة لأسباب عرقية وطائفية في إيران حيث تقوم السلطات بالإعتداء على المصلين في مساجدهم بالرصاص الحي بالإضافة إلى هدم مساجدهم في مناطقهم ومناطق أخرى فطهران العاصمة لا يوجد فيها مسجد واحد للطائفة السُنية، كذلك يُمنع بناء مساجد للسُنة فيها وفي أصفهان وتبريز وقم ومشهد ومدن إيرانية أخرى، أما حقهم في الوجود هم وفقراء الشعب الإيراني وأصحاب الرأي فهو اليوم أمرٌ غير مشروع في حياة فيها واجبات مواطنة وبلا حقوق، ويغتنم نظام الملالي عملية إنشغال النظام الدولي في القضاء على الشعب الفلسطيني ليقوم هو بالإمعان في التنكيل بالشعب الإيراني والتمدد في دول المنطقة، وفي ظل نظام لا يعنيه ولا يمكنه على واقعه الحالي تطبيق قول الله عز وجل: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) ولن يُدرك هذا النظام قول الله تعالى (من قتل نفس بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) يبقى الإعدام والقمع والبغي وسيلته للبقاء في السلطة خاصة بعد انتفاضات الشعب الإيراني التي لا تتوقف ولابد أن يأتي اليوم الذي يُكتب فيه النصر للمستضعفين وزوال الظلم وأهله.