قريباً من تشكيل الحكومة العراقية الجديدة التي أنتجتها انتخابات الحادي عشر من تشرين الثاني (نوفمبر)، يترقّب العراقيون قدوم مارك سافايا مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الأيام القادمة لوضع اللمسات "الأميركية" على تشكيلة الحكومة، وربما يكون سافايا صاحب القرار الأخير في إسناد الوظائف والوزارات بعيداً عن نفوذ الميليشيات المسلّحة القريبة من إيران.

سافايا تلك الشخصية الجدلية التي اختارها ترامب مبعوثاً له إلى العراق، والذي لا يحمل أي خلفية دبلوماسية أو من المخضرمين السياسيين، سوى أنّه كان من المموّلين لترامب في حملته الانتخابية، وربما أراد ترامب مكافأته، وذلك هو جوهر الاستغراب في الحديث عن سبب الاختيار.

كل شيء أصبح مشوّشاً بين ضجيج التساؤلات عن كيفية تشكيل الحكومة العراقية القادمة وسط محاولات أميركية ورسائل يحملها سافايا لرفع سيطرة الأحزاب الداعمة لسلاح الفصائل عن القرار السياسي والنفوذ عن التشكيلة الحكومية القادمة، وكيف سيكون موقف سافايا وإدارته الأميركية خصوصاً بعد فوز أكثر من 80 نائباً في البرلمان العراقي يمثّلون أحزاباً لفصائل مسلّحة قريبة من إيران، بعكس التوقعات التي كانت تشير إلى تقلّص النفوذ الإيراني بعد الضغوط الأميركية على المنظومة الحاكمة.

قرار التخلي عن الأحزاب والكيانات السياسية التي تملك فصائل مسلّحة عن التشكيلة الحكومية القادمة بالتأكيد سيكون صعباً، خصوصاً وإن تلك الفصائل أصبحت تمتلك شرعية سياسية ونفوذاً وأموالاً وسلطة تجعل من الصعوبة القول إنّها سهلة التفكيك. وإذا كانت تلك الفصائل قد انتفضت لمجرّد خطأ حكومي مقصود أو غير مقصود باعتبار حزب الله اللبناني وجماعة الحوثيين منظمات إرهابية، واعتبرت ذلك الخطأ الحكومي الفادح انتهاكاً وخطيئة تجاوزت فيه الحكومة الخطوط الحمراء، فكيف سيكون الحال عندما يأتي سافايا إلى بغداد وهو يحمل "اللاءات" بضرورة خلوّ الحكومة الجديدة من أي نفوذ سياسي لذراع فصيل مسلّح كشرط أميركي للاعتراف بهذه الحكومة.

قول سافايا إن "تغييرات كبيرة قادمة في العراق ومن الآن سيرى الجميع أفعالاً بدلاً من الأقوال"، في إشارة واضحة إلى استعداد واشنطن لاتخاذ خطوات ملموسة باتجاه الواقع السياسي في العراق، جعل بعض الأحزاب المسلّحة تتخوّف على مستقبلها السياسي وتُسارع إلى اتخاذ خطوات استباقية كما حدث مع منظمة بدر عندما طالبت باستدعاء السفير الأميركي فوراً وإبلاغه أنّ سافايا تجاوز الأدب الدبلوماسي، مع العلم أنّ العراق لا يتواجد على أرضه سفير أميركي.

حكومة منزوعة السلاح، ذلك ما تريده واشنطن من بغداد لتفادي الضغوط السياسية والاقتصادية التي قد تُفرض عليها فيما إذا خالفت تلك الشروط، والأهم هو إطلاق يد إسرائيل في قصف مواقع تلك الفصائل أو المراكز الحيوية والاقتصادية في العراق، التي طالما حمتها أميركا من أي قصف طوال الفترة السابقة.

ملخّص القول إن واشنطن تسعى إلى شرق أوسطي جديد يكون العراق جزءاً منه بعيداً عن النفوذ الإيراني، وذلك ما يُثير قلق الجارة الشرقية للعراق، لذلك لن يكون سهلاً القول إن إيران ستتخلى عن ذلك النفوذ بهذه السهولة.

مجيء سافايا إلى العراق سيُعقّد المشهد السياسي أكثر مما هو معقّد، وباعتقادنا قد يؤخّر تشكيل الحكومة القادمة.

هذه هي صورة العراق القادم بعد الانتخابات، والذي بالتأكيد لن يكون له الكثير من الخيارات قبل أن يأتي الطوفان الذي سيزيح الأخضر واليابس بعد أن ضاع هذا البلد في متاهات الفوضى والفساد والتبعية.