تشير دراسة علميّة حديثة قد تساهم في مراجعة الفهم السائد لعملية هجرة الإنسان الأوّل من أفريقيا، إلى أنّ بشرا عاشوا قبل ما يقرب من 75 إلى 100 ألف سنة فوق أرض يابسة كانت خصبة من قبل، وهي الآن غارقة أسفل منطقة الخليج العربي.


أشرف أبو جلالة: أظهرت مراجعة جديدة لسلسلة من البحوث أن بعضاً من البشر الأوائل خارج أفريقيا قد عاشوا قبل ما يقرب من 75 إلى 100 ألف سنة فوق أرض يابسة كانت خصبة من قبل، وهي الآن غارقة أسفل منطقة الخليج العربي.

وفي قمة تلك اليابسة، كانت السهول الفيضية الموجودة الآن أسفل منطقة الخليج بحجم بريطانيا العظمى نفسه تقريباً، ثم تقلصت عندما بدأت تغمر المياه المنطقة. وبعد ذلك، ابتلع المحيط الهندي تلك اليابسة قبل ما يقرب من ثمانية آلاف سنة، طبقاً لما ذكره العلماء.

وذكرت صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) الأميركية أن الدراسة، التي نُشِرت تفصيلاً في عدد شهر كانون الأول/ ديسمبر من مجلة الأنثروبولوجيا المعاصرة، تحظى بتداعيات واسعة النطاق لجوانب من التاريخ البشري.

فقد تناقش العلماء، على سبيل المثال، بشأن التوقيت الذي غادر فيه الإنسان الحديث قارة أفريقيا، منذ مدة تتراوح ما بين 125 و 60 ألف سنة، وفقاً لما نقلته الصحيفة عن جيفري روز، الباحث المشارك في تلك الدراسة و عالم الآثار في جامعة برمنغهام في المملكة المتحدة.

وفي السياق عينه، قال روبرت كارتر، من جامعة أكسفورد بروكس في المملكة المتحدة: quot;أعتقد أن نظرية جيفري جريئة وخلاقة، ونأمل أن نستوضح الأمر. فنظرية كهذه سيكون من شأنها أن تعيد بصورة تامة كتابة فهمنا لعملية الهجرة من أفريقيا. صحيح أنها لم تُثبَت بعد، إلا أن جيفري وآخرين سيطوّرون برامج بحثية لاختبار النظريةquot;.

في حين وصف فيكتور سيرني، من معهد علم الآثار في براغ، الاكتشاف الذي توصل إليه جيفري بـ quot;النظرية الممتازةquot;، رغم تأكيده ضرورة إجراء المزيد من الأبحاث بغية تأكيدها. وتسببت تلك النتائج بإثارة موجة من النقاش بين الباحثين، بمن فيهم كارتر وسيرني، اللذين سُمِحَ لهما بأن يدليا بتعليقاتهما داخل الورقة البحثية، بشأن الهوية الدقيقة للبشر الذين سبق لهم أن سكنوا حوض الخليج.

وفي تصريحات أدلى بها إلى موقع quot;لايف ساينسquot; الإلكتروني المهتم بالشؤون العلمية، قال جيفري روز :quot; بالنظر إلى تواجد مجتمعات الإنسان البدائي في الروافد العليا لنهر دجلة والفرات، وكذلك في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، فقد تكون تلك المنطقة أيضاً هي منطقة الاتصال بين الإنسان الحديث والإنسان البدائيquot;.

ووفقاً لسجلات تاريخية خاصة بمستوى سطح البحر، فإن واحة الخليج كانت عبارة عن حوض داخلي ضحل مهجور منذ حوالى 75 ألف سنة حتى ثمانية آلاف سنة، مكونةً الطرف الجنوبي لمنطقة الهلال الخصبة.

وهنا، عاود روز ليقول إن هذا الحوض كان بمثابة الملجأ المثالي من الصحاري القاسية المحيطة به، وكان يوجد فيه مياه عذبة من أنهار دجلة والفرات، والكارون، ووداي باتون، وكذلك عن طريق الينابيع. وخلال العصر الجليدي الأخير حين كان الجفاف على أشده، كان الحوض في أكبر حجم له. وقد أظهر علماء الآثار في واقع الأمر خلال السنوات الأخيرة أدلة على وجود موجة من المستوطنات البشرية على طول شواطئ الخليج يعود تاريخها إلى ما يقرب من 7500 سنة.

ونقلت ساينس مونيتور في تلك الجزئية عن روز، قوله :quot; حيث لم يكن هناك من قبل سوى حفنة من مخيمات الصيد المتناثرة، ثم ظهر فجأة أكثر من 60 موقعاً أثرياً فعلياً بين عشيةً وضحاها.وتتباهى تلك المستوطنات ببيوت حجرية دائمة وحسنة البناء، وشبكات تجارية تمتد لمسافات طويلة، وفخار مزين، وحيوانات مستأنسة، وهناك كذلك أدلة على وجود واحد من أقدم القوارب في العالمquot;.

وبدلاً من كونها مستوطنات تطورت سريعاً، أبدى روز اعتقاده بأن السكان السلائف تواجدوا، لكنهم قد ظلوا مختبئين أسفل الخليج.

وتابع:quot; ليس من قبيل الصدفة أن يتوافق العثور على مثل هذه المجتمعات المتقدمة بشكل جيد على طول الخط الساحلي مع الفيضانات التي غمرت حوض منطقة الخليج قبل حوالى 8000 عام. فربما أتى هؤلاء المستعمرون الجُدد من قلب الخليج، بعد أن نزحوا بسبب ارتفاع منسوب المياه التي غمرت الساحة التي كانت تتميز بخصوبتها وتوجد تحت مياه المحيط الهنديquot;.

ومضت الصحيفة تقول إن الدليل الأكثر حسماً على وجود تلك المخيمات البشرية في الخليج يأتي من موقع أثري جديد يطلق عليه جبل فايا 1 بداخل حوض الخليج، تم اكتشافه منذ أربعة أعوام.

وهناك، وجد هانز بيتر أويربمان، من جامعة توبنجن الألمانية، ثلاث مستوطنات مختلفة تعود للعصر الحجري، وقد تكونت منذ مدة تتراوح ما بين 125 إلى 25 ألف سنة.

وأشار روز في هذا السياق إلى أن هذا الموقع وغيره من المواقع الأثرية يشيرون إلى أن المجموعات البشرية الأولى كانت تعيش حول حوض الخليج طوال الفترة الأخيرة من العصر الحديث.

ومضى روز ليؤكد أن العلماء بحاجة لإيجاد أدلة على وجود أدوات حجرية متناثرة تحت الخليج، للتدليل على مثل هذا التواجد البشري خلال العصر الحجري القديم، أو أوائل العصر الحجري، بتلك الكتلة اليابسة الغارقة الآن. ولمزيد من الحسم في هذا الشأن، قال كارتر :quot; سنكون في حاجة للعثور على موقع مغمور، واستخراجه تحت الماء. وهو ما يمكن أن يحدث فقط نتيجة لسنوات من الدراسة في مناطق مختارة بعنايةquot;.