الإرتباط بالأجهزة الالكترونية خاصة لدى الشباب

يحاول لبنان إختراق السوق الإلكترونية العالمية عبر تطوير صناعة تكنولوجيا المعلومات والإتصالات أو ما يُعرَف بـquot;ICTquot;، إلا أنّ العوائق التي تواجه القطاعين الخاص والعام ما زالت كثيرة، ما يجعل لبنان في سباق دائم مع الوقت للحاق بركب العالم التكنولوجيّ المتطوّر.



بيروت: يكتسب إقتصاد المعرفة، الذي يرتكز على تكنولوجيا المعلومات والإتصالات، أهمية متزايدة عالمياً حيث تظهر أرقام النموّ المتزايد لهذه الصناعة القائمة على السلع المعرفية. فقد كشفت دراسة لمركز quot;Ambient Insightquot; الدوليّ للأبحاث، أنّ حجم سوق التعليم الإلكترونيّ فقط وصل الى 32.1 بليون دولار عالمياً في العام 2010، ويتوّقع أن يصل حجمه الى 49.9 بليون دولار عام 2015.

يحتلّ لبنان اليوم المرتبة 79 عالمياً في مؤشر التنمية الخاصة بتكنولوجيا المعلومات، بحسب التقرير الذي أصدره الإتحاد الدولي للإتصالات حول تكنولوجيا المعلومات والإتصالات في أيلول (سبتمبر) الماضي. إلا أنّ فرص التقدّم على لائحة الدول باتت ملموسة أكثر مع زيادة النموّ السنويّ، حيث تؤكد خدمة المفوضية التجارية الكندية في دراسة لسوق تكنولوجيا المعلومات في لبنان، أنّ هناك نسبة زيادة تتراوح بين 13 و15% سنوياً. كما انّ إطلاق لبنان تقنية الجيل الثالث للإنترنت يمكن أن تساعد في إنتعاش الإستثمارات التكنولوجية مع بداية تطبيق هذه الخدمة التي تحلّ الكثير من المشاكل على صعيد تكنولوجيا الإتصالات والمعلومات.

ويمكن لهذا التقدّم أن يؤثر بشكل مباشرفي الإقتصاد الوطنيّ اللبنانيّ، الذي ما زال يعتمد اليوم على التجارة والسياحة، حيث أجمعت الدراسات العالمية أنّ استخدام تكنولوجيا المعلومات والإتصالات يحفّز النموّ الحقيقيّ للإقتصاد. وكذلك، أكّدت منظّمة الأمم المتحدة عبر تقريرها الذي أطلقته تحت عنوان تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كأداة تمكينية لتنمية القطاع الخاص في بيروت منذ شهرين أنّ تطوير هذا القطاع يخلق تأثيراً إقتصادياً حقيقياً عبر سدّ الفجوة الرقمية بين المؤسسات الكبيرة والصغيرة. هذه الخبرات التي تكوّنت لدى الدول الصناعية أولاً وأكدتها الدراسات المواكبة للتطوّرات، إستفاد منها العديد من الدول العربية حيث تعاون القطاع العام مع القطاع الخاص لتطوير صناعة تكنولوجيا المعلوماتية. فقد قدّر رئيس شركة quot;مايكروسوفتquot; في السعودية سمير محمد نعمان أنّ سوق البرمجيات في المملكة على سبيل المثال وصلت قيمته الى 700 مليون دولار، وكذلك في الإمارات حيث قدّر رئيس جمعية منتجي البرمجيات في منطقة الخليج العربيّ جواد الرضا حجم سوق تقنية المعلومات والبرمجيات بنحو 3.5 مليارات دولار. غير أنّ موقع لبنان في سوق تكنولوجيا المعلومات والإتصال ما زال غير ثابت إقليمياً وتواجهه العديد من الحواجز التي يحتاج القطاع الخاص كما العام أن يتجاوزها لتكون هذه الصناعة أولوية في الأجندة الإقتصادية.

مشاكل على مستوى العملية الإنتاجية

يُقدّر نائب رئيس جمعية الإنترنت في لبنان والرئيس السابق لجمعية المعلوماتية المهنية في لبنان وعضو مجلس الإدارة فيها غابرييل ديك حجم سوق تكنولوجيا المعلومات والإتصالات اللبنانيّ بحوالي الـ570 مليون دولار أميركيّ، وذلك يشمل الحواسب الإلكترونية وتوابعها والبرمجيات والشبكات والخوادم (السيرفيرات). ويؤكد ديك ما تشير إليه الدراسات العالمية حول دور هذه التكنولوجيا في تحفيز نموّ الإقتصاد الوطنيّ، حيث يلفت الى أنّ البنك الدوليّ سبق وأشار الى أنّ كلّ زيادة في استخدام شبكة الإنترنت بنسبة 10% تزيد الناتج المحليّ الإجماليّ بنسبة 1.3%، بالإضافة الى حصول خزينة الدولة على حوالي 200 مليون دولار من الضرائب الإضافية. كما أنّ هذا القطاع هو محفّز للقطاعات الأخرى كالتعليم والصحّة وغيرها، وكلّما زاد استخدام تكنولوجيا المعلومات والإتصالات تمّ خلق المزيد من الوظائف.

إلا أنّ ديك، وبعد خبرته الطويلة في المجال التكنولوجيّ، يشدّد على وجود حواجز كثيرة تعترض مسيرة تقدّم قطاع المعلومات والإتصالات، فلبنان هو اليوم ذات موقع جيّد في هذه الصناعة لكنّه ليس رائداً أو منافساً قويّاً للدول الإقليمية المجاورة له. ويُعدّد ديك ست مشاكل رئيسة على مستوى العملية الإنتاجية لتكنولوجيا المعلومات والإتصالات، لا بدّ من حلّها بالتعاون بين القطاعين الخاص والعام:
أولاً، المستوى الضعيف للبحث والتطوير في الجامعات، حيث يلاحظ ديك وجود شعور بالإحباط لدى الطلّاب الجامعيين ورغبتهم في الهجرة ما يؤثرفي قدرتهم على الإبتكار والإبداع.

ثانياً، النقص في تمويل الإبتكارات الجديدة والأفكار ما يعيق عملية التنفيذ.

ثالثاً، مشكلة حماية الملكية الفكرية في لبنان حيث يضطر المخترعون اللبنانيون الى اللجوء الى فرنسا وسويسرا والولايات المتحدة لتسجيل براءات الإختراعات بآلاف الدولارات، ما يغطّي دولا محدّدة، فيما لا قدرة لحماية الأفكار والإبتكارات في لبنان إلا ضمن نطاقات محدّدة.

رابعاً، تواجه الشركات العاملة في قطاع التكنولوجيا مشكلة أساسية تتمثّل بمعرفتها الضيّقة حول الأسواق الخارجية التي يمكن أن تصدّر إليها وإمكانية فتح أسواق جديدة بسبب عدم وجود أي مؤسسة عامة متخصّصة في هذا المجال، في حين أنّ الدول التي تبحث عن مكانة في عالم التكنولوجيا يكون لديها استراتيجيات وعمليات ممنهجة للوصول الى الأسواق. خامساً، تعاني الشركات الخاصة المستثمرة في هذا القطاع فقدان التنظيم للبورصة والأسواق المالية ما يجعل من الحركة الإستثمارية بطيئة. أمّا العائق الأخير الذي يشير إليه ديك فهو البنية التحتية للإتصالات، حيث تمّ تسجيل تقدّم إيجابيّ عبر إطلاق خدمة الجيل الثالث لكن هذه التقنية ما زالت تحتاج الى مزيد من الجهود لتكون متوّفرة للكلّ وبجودة عالية.

كلّ هذه العوائق لا تمنع لبنان، بحسب ديك، من السير في المسار الصحيح لتكنولوجيا المعلومات والإتصالات إلا أنّ الخطوات المتخذة بطيئة جداً بسبب عدم تضافر الجهود بين الحكومات والشركات الخاصة. ويطلق ديك نداء الى كلّ المسؤولين بضرورة اتخاذ خطوتين سريعتين ولهما الأولوية: تأمين الكهرباء للمواطنين والبنية التحتية المتطوّرة للإتصالات، فلا معارضة إذا كانت الدولة تريد تشغيل خدمات الجيل الثالث ولكن من مسؤوليتها أن تكون الخدمة ذات مستوى عالٍ. كما لا بدّ للسلطات الرسمية أن تتخذّ كلّ الإجراءات اللازمة لاحتضان الشركات الخاصة التي يمكن أن تخسر في استثماراتها جراء تشغيل الدولة للتقنية الجديدة.

تطوير صناعة تكنولوجيا المعلومات والإتصالات في لبنان

إنتعاش سوق التكنولوجيا

الحواجز التي يعدّدها ديك، وهي أسباب رئيسة لابتعاد الكثير من المستثمرين عن لبنان خوفاً من فقدان الإستراتيجية الحكومية الواضحة تجاه قطاع تكنولوجيا المعلومات والإتصالات، ما زالت الشركات الخاصة في لبنان تواجهها بزخم كبير سعياً لتحقيق مكانة عالية إقليمياً. وفي جولة لـquot;إيلافquot; على عدد من الشركات المتخصّصة في بيع البرمجيات والأجهزة الإلكترونية في لبنان، برزت حالة الإنتعاش في أسواق التكنولوجيا حيث كانت الأرباح عالية عام 2011.

وذلك ما يؤكد الأجواء الإيجابية التي أشار إليها تقرير بنك عودة حول ارتفاع حجم سوق تكنولوجيا المعلومات وحده الى نحو 321 مليون دولار هذا العام بعدما شهد نموّا ملحوظاً عن العامين السابقين. فقد أشار جورج كرم، مدير التسويق في إحدى الشركات الخاصة العاملة في مجال التكنولوجيا، إلى أنّ هناك تقدّما ملحوظا في مبيعات الحواسب والأجهزة الإلكترونية. كما يلفت الى أنّ هناك طلبا متزايدا خصوصاً من قبل الفئات العمرية الشابة التي باتت أكثر إدراكاً لأهمية التكنولوجيا في الحياة اليومية، لا بل أصبحت مرتبطة بالأجهزة الإلكترونية بشكل يصعب تفكيكه.

وكذلك يؤكد باتريك خيرالله، مدير إحدى الصالات المتخصّصة ببيع أحدث الأجهزة الإلكترونية، أنّ عام 2011 كان مثمراً بالنسبة إلى الشركات العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات، ويشير الى أنّ كلّ تطوير جديد يتمّ إدخاله الى عالم الإتصالات يؤثر بشكل مباشرفي قطاع المعلومات.

لكن تحريك القطاع الخاص المستمر في لبنان لقطاع تكنولوجيا المعلومات والإتصالات لا يمكن إلا أن يطرح تساؤلاً رئيساً: هل يمكن للمبادرة الفردية أن تحفّز وحدها نموّ الإقتصاد اللبنانيّ عبر الإبتكارات التكنولوجية أو أنّ السلطات الرسمية تحتاج هي أيضاً الى مدّ يد العون الى هذه الشركات؟ ربما تكون الخطوة الاولى التي اتخذتها الحكومة اللبنانية هي عبر تطوير خدمات الإتصالات، لكن المسيرة ما زالت طويلة جداً والقطاع اليوم يحتاج الى خطوات أكثر جرأة لكي لا تتجاوز التطوّرات التكنولوجيا لبنان مجدداً.