لـم ألتقط صورة جبل الزبالة ـ القمامة في برج حمّود كي أشوّه صورة لبنان السياحية، وأمنع الغيّاب من العودة إليه، أو المصطافين العرب من التنعم بمناخه الرائع، كما قد يعتقد البعض. ولكنني التقطتها لغرابة الجبل، لموقعه، لعلوه، ولعدم وجود جبل مثله على الاطلاق.

صحيح أن لبنان مرّ بحرب مؤلمة للغاية دامت ربع قرن، وصحيح أن البنية الإدارية، التحتية والفوقية، قد تعطّلت كلياً خلال تلك الحرب اللعينة، ولكن الأصح هو أن بعض اللبنانيين يحبّون الفوضى، ويريدون التخلّص من نفاياتهم بأية طريقة كانت، حتى ولو رموها في غابة أرز الربّ، أو أخفوها تحت أسرّتهم، أو بنوا بها جبلاً تخجل منه الجبال، وتشمئز من التطلّع إليه!!..

وإذا راجعنا سنوات الحرب اللبنانية، لوجدنا أن الميليشيات المتحاربة قد جرفت كل شيء، الاسواق التجارية، الفنادق، البنايات الشاهقة وغيرها. ولكنها لـم تفكّر، ولو للحظة واحدة، بجرف الزبالة من تحت شبابيك الناس وطمرها بالجرّافات التي طمرت بها منازلنا، فنادقنا، وأجساد خيرة شبابنا، في أرض بعيدة عن السكن.

الجرافات موجودة، ولكن لتنفيذ مهمات أخرى، كلنا نعرف ما هي. دون أن يرفّ جفن مسؤول واحد، أو يتأفف من رائحة القمامة، حتى أن بعض الناس بدأوا يألفون منظر الجبل وسط منازلهم، ومن يدري فقد يعملون مستقبلاً على فرزه قطعاً أرضية صالحة للبناء، تدر على الدولة ملايين الدولارات، نظراً لموقعه المميّز، وارتفاعه في وسط المدينة.

عندما عرضت صورة جبل القمامة على نائب لبناني التقيته في سيدني، ضحك وقال: هناك جبال كثيرة في لبنان مثل هذا الجبل، لا تدري الدولة ماذا تفعل بها، أو كيف تتخلّص منها. وعندما أخبرته ما أخبرني إياه أحد الوزراء الأستراليين، من أن محرقة النفايات التي كان من المقرر أن تنفذّها حكومة ولاية نيو ساوث ويلز في لبنان، قد أحرقوها قبل أن يرى دخانها اللبنانيون. ضحك مرة ثانية وقال: هذه المحرقة أحرقت أعصاب القضاة اللبنانيين، ولست أدري متى يصدر الحكم.

ما من مشروع حيوي في لبنان، إلاّ وأحرقوه قبل أن يتنفّس الصعداء، والشعب يعيد إلى الحكم من أحرق مشاريعه، وأتلف أعصابه، ونغّص عيشه، ولسان حاله يردد تلك الأغنية الفكاهية التي غنّاها الفنان المرحوم فيلمون وهبة:

جحا قال

هالموال

خربت..

عمرت..

حايد عن ضهري.. بسيطة.

أمام بيتي، في مريلاندز، برميلان متحركان على عجلات: واحد للزبالة المربحة، تلك التي يعاد تصنيعها، كالورق والبلاستيك والألمنيوم. وواحد للنفايات التي يجب التخلص منها بتاتاً. والبرميلان هدية من بلدية المنطقة التي أعيش فيها، وفي حال تعطّل أحدهما، تستبدله البلدية حالاً ومجاناً. وقد وجدت مثل هذه البراميل بأيدي عمّال بعض البلديّات في لبنان. فمتى توزعها كافة البلديات على جميع البيوت، وتحمّل، كل من لا يستعملها، غرامة مالية باهظة.

هكذا يعود لبنان وطن الجمال، وهكذا نريده أن يعود.. بدون زبالة!!

أستراليا
[email protected]