عصابات المافيا هى عصابات جريمة منظمة انتشرت فى صقلية بإيطاليا وانتقلت الى أمريكا، وأصبح الإسم علما على كل عصابات الجريمة المنظمة فى العالم... فأصبح هناك مافيا روسية وأخرى صينية وألبانية ويوغسلافية بل وحتى مافيا يهودية... تبعا لجنسيات قادة تلك العصابات وأعضائها.
وتتمتع عصابات المافيا بهيكل تراتبى صارم. وتسمى العصابة بالعائلة التى لها أب روحى واحد يقودها يطلق عليه (كبير العائلة) يليه قادة الوسط يليهم الجنود العاملون، وطبعا لا يترك ذلك القائد (الأب) مكانه إختيارا أبدا إنما فقط بالموت وعندئذ يخلفه عادة إبنه أو شقيقه بشروط منها أن يتمتع الخليفة بالصرامة والعنف والدموية حتى يتمكن من تسيير أمور العائلة والمحافظة على إهتماماتها، وماعدا ذلك فالسلطة تنتقل بين أب روحى وآخر داخل ذات العصابة أو من خارجها بطريق العنف الدموى.
المصدر الأساسى لأموال المافيا هى الجباية لتوفير "الحماية" لدافعى الإتاوة (جزية أو خراج)، والمصدر الثانى هو الإتجار فى الممنوعات كالبغاء والمخدرات (أو أغذية فاسدة، وبيع القطاع العام وشراؤه بإسم مختلف)، ولا مانع للقيادات الوسيطة ومن يليها من جنود من أن يزاولوا بعض الأنشطة الغير قانونية الصغيرة التى تدر عليهم بعض الأرباح تحت مظلة الأباء الروحيون وحمايتهم ولكن بدون شطط وبإذن خاص من رأس العائلة (نطلق عليها صفقات فى شرقنا العربى)، ومن يشتط أو يتطلع لمركز الأب الروحى فإما أن يجرى تأديبه وجعله أمثولة لمن لا يمتثل... وإما أن يكون من الذكاء والعنف فينجح الى المدى الذى يستطيع معه من قتل الأب الروحى ومعه ثلة من المخلصين له والإستيلاء على العائلة (هذا يفسر تقريبا كل ما سمى بثورة فى العالم العربى).
ونظرا لتداخل المصالح تندلع بين الحين والآخر حروب حقيقة بين العصابات. وعادة ما تكون الرسالة المراد توجيهها هى الفيصل فى إختيار السلاح الأمثل، فإن أريد إرسال رسالة لمن يفكر فى خيانة العائلة وإفشاء أسرارها تكون الطلقات فى الفم، وإن أريد تأديب من لا يتبع التعليمات فيضرب حتى الموت بعصا صنعت خصيصا للعب البيسبول، أما عندما يكون المطلوب إرهاب الدولة وأجهزتها فالطريق المتبع لذلك هى السيارات المفخخة وتفجيرات الطرق وقتل أحد الكبار ومعه أكبر عدد يتصادف تواجده بمنطقة التفجيرات، بذلك تكون الرسالة صريحة ومباشرة وفعالة.
وعندما يضيق الخناق على الأب الروحى ويقترب سيف العقاب من رقبته، فأيسر طريق للخلاص أن يتقدم أحد "الجنود" للإعتراف بالجريمة كاملة ويتلقى الجزاء، وعادة يقتل من بعد إعترافه بدقائق حتى تموت معه الحقيقة- ولذلك أنصح من يبحث عن الذى أدلى ببيان جماعة الشام للنصرة وخلافه أن يوفر وقته فالرجل قتل حتى من قبل التفجير-. وتظل للأب الروحى للعصابة أهمية معرفة مسؤليته عن الجريمة لتمام وصول الرسالة، لكن بطريق غير صريح لكيلا يصلح دليلا قانونيا -وهذا يفسر عدم اعتراف القاعدة مثلا بجرائمها صراحة-، وإنما عن طريق يشير ولا يقطع وعلى المتلقى أن يفهم ولكن بدون إثبات صريح.
يتضح لمن له معرفة بأساليب وقواعد المافيا التى سنتها العصابات الصقلية أن أساليبها تكاد تكون متطابقة حرفيا مع عصابات المافيا الأثنتين والعشرين المتواجدين فى بلاد الأعراب منذ ما قبل البعثة النبوية الى ما بعدها وحتى وقتنا الراهن، ومن غير المعقول أن الأعراب يتبعون أساليب العصابات الصقلية منذ ذلك الزمان القديم، وإنما المعقول أكثر أن العرب وقد أحتلوا صقلية زمنا ليس بالقصير قد نقلوا اليها أساليبهم المافيوزية المعروفة والمتبعة منذ قديم الزمان.
والتشابه فى الأساليب والقوانين بين المافيا وعصابات الأعراب يدهش أى مراقب. ولكن كيف يفسر ذلك ما جرى وسيجرى فى لبنان؟ المشكلة فى لبنان أنه ليس لها بعد أب روحى أى زعيم عصابة... فلا زالت لبنان تعانى سيولة فى الزعامة على خلاف جميع دول أو عصابات الأعراب التى إستقر وضعها بوجود أب روحى واحد "ملهم"... وقد حاولت الأسر المافيوزية اللبنانية إعادة الترتيب عن طريق الأنفجارات والتقاتل الذى سمى بالحرب الأهلية ليعمل قانون الإنتخاب الطبيعى عمله فى إنتاج أب روحى، إلا أن العائلات المافيوزية أجتمعوا فى الطائف ووضعوا الأسر الصغيرة المتصارعة تحت إدارة عائلة مافيا كبيرة وقوية نسبيا لم تنجح حتى الآن فى تجميع جميع الأسر الصغيرة تحت ظلها وإن كانت جمعت أسر قوية الى حد ما (حزب الله، والحزب السورى القومى) لتأييد زعامتها، هذا طبعا لا يرضى باقى الأسر التى ترى أنها أحق بأن تكون عائلة مستقلة تحت رئاستها.
والذى سيجرى أن العائلات القوية ستتنادى الى إجتماع فى المنزل الكبير –الجامعة العربية- لبحث مشكلة بروكلين أقصد لبنان، ولكن المشكلة أن رجال القانون يرصدون زعماء العائلات ولن تغيب أعينهم عن المجتمعين وقراراتهم، لذلك لا بد من التهدئة وانسحاب صورى للعائلة التى تتولى شئون الأسر المتصارعة مع تزويد الفرقاء بالسلاح – كل عائلة من الأثنتين وعشرين تزود الأسرة المحسوبة عليها- لتقوم حرب بالوكالة إستكمالا لحرب لم تبلغ منتهاها فى الماضى... وإن غدا لناظره قريب...
عادل حزين
نيويورك