كثر الكلام وردود الأفعال عما سمى "تدنيس القرآن". وتحصنت المقولة وصار الفعل ورد الفعل عن وقائع –صحت أم كذبت- تتفاعل فى عقول البشر ولم يتساءل أحد عن معنى المقولة وكيف يتم تقديس أو تدنيس أو تطهير كتاب أو خلافه!
الكتاب يحتوى كلام الله ودستوره وهذا ما أسبغ عليه القداسة وهذا معلوم مقبول. إذن فقد لحقت المادة –مادة الكتاب من ورق - قداسة لم تكن لها أصلا وقت كان الياف شجرة فى مكان ما حتى تم القطع والتصنيع، وكذلك الحبر وقت كان سائلا كيماويا تتداخل فى صنعه عناصر أخرى يعلم الله والصناع كنهها ومصدرها، وإلى هذا الحد يصح أن يطبع على ذات الورق وباستعمال ذات الحبر كلمات الله فيصبح الكتاب مقدسا أو كلمات الشيطان فيصبح الكتاب نجسا، فما هى كلمات الله وما هى كلمات الشيطان!
هل كلمة "إقرأ" مثلا من كلمات الله أم من كلمات الشيطان؟ ماذا عن كلمة "الشيطان" مثلا، أو كلمة الجلالة نفسها؟ بل ما هو كنه الكلمة ذاتها؟ أليست الكلمة المكتوبة أو المطبوعة مجرد شكل تجريدى لا يعنى لغير قارىء اللغة سوى أنه شخبطة ملونة؟ بينما ذات الكلام ذى معنى معين عند قارىء اللغة المكتوب بها ذلك الكلام. فكيف تتحدد القداسة والنجاسة؟
هل لو كتب "أعوذ بالشيطان الرجيم" فالنص نجس، ولو حشرنا بين الكلمات "الله من" تنتزع النجاسة وتلحق الكتابة التقديس وتصير من كلام الله؟ وماذا لو كتبت عبارة بالحروف اللاتينية مثلا، هل تتقبل القداسة أو النجاسة أم أن النجاسة والقداسة هى مخترعات عربية ولا تنطبق على غيرها من اللغات؟ وحتى من حيث السياق المنطقى لدى العرب المسلمون فالفكرة فيها بحث.
فمن الواضح لكل ذى فكر أن القداسة والنجاسة هى للمعنى دون الألفاظ المكتوبة. فلو لحق المعنى ما يغيره أو يخرجه عن سياقه فهنا يبدأ البحث عن نجاسة أو قداسة. فلو كتب "أعوذ برب الفلق من شر ما خلق" فهذا كلام له معنى مقدس أما إن كتب "لا أعوذ برب الفلق من شر ما خلق" فالكلام كله يصير نجسا أو من الشيطان فالمعنى كله قد إختلف.
أيضا مدى إختراق النجاسة للمقدس مسألة فيها نظر. هل لو غلف القرآن مثلا بقطعة قماش –ولتكن على شكل قفاز- فهل تحول بين القرآن وبين تنجيسه؟ وماذا لو كان الغلاف كرتون كأن يكون الكتاب الكريم مثلا مثلا بغلاف مزدوج، فهل عندها يصح لمسه من غير طهر، على أساس ان اللمس قد تم للغلاف الخارجى؟ وهل يصح للتغلب على مسألة النجاسة والقداسة أن يغلف كل قرآن بغلاف من قماش وليمسه من يمسه ولكن لا يقلب صفحاته؟ وماذا لو كان الكتاب قرآنا كاملا وفى نهايته عبارة سخرية من كل ما يحتويه، هل يكون له ما للقرآن المعروف من قداسة أم يصح أن يحتقر كله؟ أم يكون الموقف بين بين؟

المقصود من هذه العجالة أولا أن نراجع مواقفنا وقناعاتنا وما دلس علينا خلال سنوات طوال حتى كدنا جميعا نفقد ملكة التفكير النقدى المستقل. وثانيا أن نفتح أعيننا على من يريدون التدليس علينا ويغرقوننا فى الإيمان الغيبى بالكلمة والشكل والمادة، ويبتعدون بنا عن المعنى والمنطق والحكمة. علينا أن نتحوط ممن يلهبون ظهورنا بنصوص جامدة ولو كان فى ذلك إبتعادنا عن مقاصد الشريعة. هل نتبع نصا مأخوذ من سياقه يقول "إقتلوهم يعذبهم الله بأيديكم" أم نتبع غايات نهائية للشريعة تدعو معانيها للرحمة والعدل والتقارب بين البشر؟

هل التقديس للمكتوب أم لفحوى الرسالة؟؟؟


عادل حزين
نيويورك