خالد عباسمن برلين: "متاهة مريم" للروائية المصرية الشابة منصورة عز الدين هي رواية صادمة، صادمة في شكلها ومضمونها، في تتابع أحداثها التي تُلزم اللهث وراء هاجس مكتوب بلغة شعرية وحيوية في آن واحد.

تحكي الرواية التى صدرت مؤخرا عن دار ميريت عن حياة مريم التي تفاجأ في صباح أحد الأيام حينما تستيقظ باختلاف كل معالم حياتها واختفاءها وكأنها أصبحت شخص أخر تلبسه حياة لا يعرفها، وتبدأ رحلتها للبحث عن هويتها القديمة وتتالى الصدمات بأن يصبح كل شيء ليس له وجود وكأن في الأمر نكتة سخيفة ووهم كبير، لكن ضياع هذه النقطة اليقينية بين الحقيقة والخيال وبين العقل والجنون أو بإلاحرى ما بين الحياة والموت هو المضمون المخيف في متاهة مريم التي بحثت عن الحبيب فلم تجده وفتشت عن الصديقة والأسرة والشوارع، كل الشخوص والأشياء تحولت أو اختفت ولم يتبق لها مكان إلا في الذاكرة التي لا تشير بالفعل إلا إلى حالة من الوهم و من الجنون و"الشيزوفرينيا" التي تتربص بالبحث عن معالم حياتها القديمة، هذه الحياة التي تتعلق بكل خيط أمل يبعدها عن حالة الانقسام بين واقع لا يدل إطلاقا على الحياة الغائبة وبين تاريخ ومعطيات حياة لا يعرفها الحاضر، إن كل خط من حياة مريم هو تكرار لأزمات عاشها من كانوا قبلها في أسرتها، بدءا من ظروف وفاة الجد "التاجي"- الرجل الغني المتزوج من امرأتين وصاحب السرايا الريفية التي تدور فيها الكثير من أحداث الرواية – وامتدادا بحادث وفاة الأب يوسف ذي الذراع المبتورة الذي يكرر حياة أبيه في زواجه من امرأتين، ثم إلى جنون الجدة صوفي إحدى زوجات الجد، إن بحث مريم اللاهث عن ضوء يعطيها مؤشرا ولو غير يقيني بأنها لم تجن أو لم تمت يتابع مساره في الرواية التي تلقي فيها الروائية منصورة عز الدين بصور لها خفة على مكان الأحداث وحجم الكتابة فتربط قُراءها بشكل غير ملحوظ في نسيج العمل وتطوره حتى أن عين القارئ لا تغفل أبدا عن متابعة ما يحدث لمعرفة المزيد عن شخوص هذا العمل، هؤلاء الشخوص الذين قد جن بعضهم ورحل بعضهم، وترك مصير من تبقوا منهم معلقا، أما مريم فهي لا تدري هل تهاوى جسدها بعد أن خرجت منه أم أنها مازالت تحتفظ به في عالم متاهتها التي لا تنتهي.