في 12 نوفمبر 2004 نشرت القبس الكويتية أن الشيخين السعوديين عثمان الخميس و سعد الغامدي قد أصدرا فتوى تحرم الإنترنت على المرأة "بسبب خبث طويتها". وأضافت الفتوى أنه لا يجوز للمرأة الدخول على الإنترنت بمفردها دون محرم مدرك، وذلك "لعهر المرأة ومكرها"...
قبل ذلك الوقت بقليل كانت الدكتورة رشا عبد الله، الأستاذ المساعد بقسم الصحافة والإعلام بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، قد امتثلت لنصائحي المستمرة كصديقة عمر، ولرؤيتي كناشرة، ومن قبلهما لضرورة وحتمية الترجمة لتعميم الاستفادة؛ وقررت ترجمة أطروحتها للدكتوراه إلى العربية. وقد حصلت الدكتورة رشا عبد الله على درجة الدكتوراه في الإعلام، من جامعة ميامي بالولايات المتحدة الأمريكية، كما درّست الإعلام لطلبة جامعتي ميامي وجورجيا، وحصلت على جائزة ميامي للأبحاث العلمية لعامي 2002 و 2003، ومن قبلهما حصلت على جائزة مصطفى وعلي أمين للصحافة في مصر عام 1993. أما موضوع الدكتوراه فقد كان عن استخدامات الإنترنت في مصر والعالم العربي، وربطها عن طريق أحدث الإحصاءات بقضايا عدة منها الإعلام. وتعد هذه الأطروحة بتواضع شديد، أهم كتاب يصدر عن موضوعه في العالم العربي، والكتاب الوحيد الذي يشتمل على إحصاءات حقيقية ومحدثة، قضت الباحثة فيه أكثر من أربع سنوات، وأهّلها بحثـُها هذا لأن يـُعرض عليها البقاء والتدريس في جامعة ميامي من قِبل أساتذتها، لكنها قررت العودة برغم إغراء العرض، مع تفهمها الكامل لدوافع من يختارون الطريق الآخر، فقد قنعت بحيوية الدور الذي ستمارسه من خلال موقعها الحالي، مع حرصها الدائم على التواصل مع أحدث ما يجري في العالم في تخصصها، من خلال المؤتمرات العالمية. والآن تصوروا معي هذه المفارقة التي لا تحدث إلا في بلادنا أو في الأساطير؛ فهذه المرأة المصرية العربية النابهة تقدم أهم دراسة عن الإنترنت، تلك التي شاء الحظ أن تصدر في يوم المرأة العالمي في كتاب" الإنترنت في مصر والعالم العربي:دراسة علمية ورؤية مستقبلية"، عن آفاق للنشر والتوزيع المصرية، بعد صدور الفتوى المذكورة من بلد عربي آخر...
تتصدر الكتاب مقدمة الأستاذ الدكتور حسين أمين، رئيس قسم الصحافة و الإعلام بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، الذي حدد الغاية الأساسية للدراسة في كونها تقدم تحليلاً "للإنترنت في العالم العربي بوصفه وسيلة اتصال فريدة، وأحد التساؤلات المحورية فيه تصب على إمكانية توفير منبر جديد لأصوات وجماعات غير حكومية غير الأصوات الرسمية، وكيفية أن تسهم هذه الأصوات في تحويل المجتمع العربي إلى مجتمع أكثر ليبرالية وتقدمية". وهذا المقطع يجعلنا نتأمل في الفتوى المذكورة، ووضع المرأة في العالم العربي عامة، ودورها المستقبلي المطروح على الساحة، ثم نتساءل؛ هل ثمة أمل للمجتمعات العربية بشكل عام، لا على مستوى النهوض بالمرأة فقط؟
نظرة متمهلة في كتاب الدكتورة رشا، التي لجأت فيه إلى كم كبير من المراجع، وكذلك إلى عينات تطبيقية في العالم العربي، تجعلنا نشعر تارة بالأمل وتارة أخرى بالإحباط. فهذا الكتاب الذي كتبته امرأة ونشرته امرأة - مع الأخذ في الاعتبار جهد رجل متحضر وهو مصطفى الشيخ المدير المسئول - ويصدر في اليوم العالمي للمرأة، يطرح قضايا عدة منها؛ خصخصة قطاعات الاتصالات في العالم العربي، وآثار تكنولوجيا الاتصالات علينا، وموقف الحكومات العربية من التدفق الإلكتروني، وآثار الإنترنت على مجريات الدول العربية، وعلى أفرادها حتى في النواحي النفسية، كما يحلل تاريخ تعاملنا مع شبكة الإنترنت وكيفيته، وتأثير ذلك على نمو مجتمعاتنا، وغيرها من القضايا الحيوية مدعمة بالإحصاءات الأخيرة. وتبرز من هذه القضايا تعامل الحكومات العربية مع شبكة الإنترنت، وتأثير هذه الشبكة على الوضع السياسي لتلك الحكومات. وتظهر قضايا المرأة والإنترنت غير منفصلة عن قضايا المجتمع ككل، فتأتي الفتوى المذكورة من ضمن ما تطرحه المؤلفة عن الإنترنت في المملكة السعودية بشكل عام، فقد أتاحت السعودية الإنترنت عام 1999، بينما كان في ذلك الوقت، وطبقاً لتقرير منظمة حقوق الإنسان الدولية، ما يزيد على 30 ألف مواطن سعودي، يواظبون على دخول الإنترنت من خلال مكالمات دولية في بلاد مجاورة. وتقوم السلطات السعودية كما تؤكد الدراسة، بمنع حوالي 200 ألف موقع إلكتروني سنوياً مما وصفتهم بالمواقع المضرة.
والكتاب يقوم على منهج علمي، وأسس بحثية، نبخسه حقه إن حصرناه في دائرة ما يذكره عن محرمات الإنترنت في الدول العربية، وبقدر أهميته العلمية، بقدر ما يطرح أفقاً مستقبلياً رحباً، ربما يُحسب في صالح قضية تلك المرأة، التي تسير في أرض قاحلة نحو ما تظنه نبع ماء، فيحوله آخرون سراباً...إنها المرأة العربية.

الكاتبة من مصر