عائشة ٌ، أو فاطمة ٌ، تَرى حُلماً. تغرزُ الرَفشَ في التراب.
ملائكة ٌ بيضاءَ مُدثّرَة ٌ تقولُ لها: "محمدٌ في الترابْ،
والترابُ مآلُ كلّ خَيبَةٍ.
إنتظري المنتظرَ
سيأتي، ومن كلِّ حَبَّةٍ يُطلِعُ روحاً عَطِرة".

ــ كلاّ.
جِدالُ الملائكةِ حَقٌّ، ورفضُ المشيئةِ عَدْلٌ
لِمنْ اكتَوى قلبهُ
وانتظرَ طويلاً عودةَ الغريب.

تدورُ الدوائرَ المُغلَقةََ عائشةُ، أو فاطمةُ، بِمشْيَتِها الكسيرة.
عباءتها السوداء في الريحِ تطير
وروحها تخفقُ مثلَ طيرٍ ذبيح، أو مثل رايةٍ في موكبِ عزاء.

مُحَمّدٌ، كما انتظرَتْ، رهينة العمرِ،
وديعة الأرضِ يَطلَعُ مبتسِماُ ؛
ضبياً في البراري
وحَقلَ رزّ ٍ يَصعَدُ المياهَ
داعياً الناسَ الى الوليمة.

فاطمة ُ التي تحبّ نبتةَ الريحان في أصص الصفيح
وتَشمّ عطرها عندَ الجبين
تعَمّقُ الآنَ مسحاتها في الترابِ الغريب :
إدفعي بساقكِ النحيلةِ في الأرضِ اللئيمة،
صوتُ النجيلِ تحتَ شُفرَةِ الحديدِ مكتومٌ
وفي أذنيكِ صدى الذي
أضاعَ قلبَه

هنا لا يمكنُ أن تكونَ الحفرة
وهنا لا يمكنُ أن تكونَ المقبرة
وكلّ هذهِ الأكياس ريحٌ مُعَبّأةٌ بالأمنيات.
لا سَكنٌ بعد الطوفان
لا بيتٌ بعدَ الضياع
لا راحة ٌ بَعدَ العذاب
ربما محمد، خَلِيّة ضوءٍ، ذهَبَ جوّالاً في الممالكِ يَعرِفُ
الطُرقَ والمسالكْ.
تَوَضأ وصَلّى
رائياً في الجنوبِ لونَ الدَمِ،
وثقوباً في الجمجمة.
معصوب العينينِ
طافَ بالموتِ وتَلمّسَ ديدانه.

عَمّقي المسحاةَ، يا أمّ،
واغرزيها في القلبِ
هذا الزمانُ، بعدَ عقودٍ من الحِرقةِ، رديءٌ
يطوي الوجوهَ ويسرقُ الدِفء ثمّ يُعَرّي العظام.
تحيطُ بكِ مملكة ٌ، تآخى الناسُ فيها والضباع.
كيسكِ مملوءٌ بالوعودِ تجمعينها ؛
هنا الترقوةُ، وهنا الحَقو،
وها هوَ الذراعْ. وهناكَ قحف الجمجمةِ.

لا تعَمّقي المسحاةَ، يا أمّ،
إفتحي كيسكِ المحفوظ ِكلّ هذهِ السنين
لتلكَ الروح التي تنام،
ثمّ تستيقظ ُ على نجمةٍ، أشارة ٌ هيَ، وهيَ بشارة.
بإصبعها تدَلّلُ
هنا
وهنا
وهناك
ليُعادَ الحَفْرُ
والحَفْرُ
على بثلةٍ، قد تورقُ
في الرملِ زهرة

برلين / ايار 2003