منسق لجنة حماية الصحافيين الدولية يكتب لـ"إيلاف":
كمبانا : بناء الإصلاح على أساس الصحافة الحرة

جويل كمبانا من نيويورك: إن إحدى الخطوات الأولى للإصلاح هي إصلاح الإعلام"، هذا ما أخبرني به صحفي سعودي يبلغ من العمر 28 عاماً، في لقاء جمعني به في مقهى السيد كيف الواقع في طريق الملك عبد الله. لقد كان موضوع الإصلاح يشغل العديد من الصحفيين والكتاب السعوديين الذين التقيت بهم أثناء زيارتي للسعودية خلال الشهر الماضي، والتي امتدت لفترة أسبوعين، وهي أول زيارة من نوعها تقوم بها لجنة حماية الصحفيين.

في العام الماضي، دعا الملك عبدالله، وكان حينها ولياً للعهد، إلى البدء بمسيرة من الإصلاح السياسي والاجتماعي "التدريجي". ولكن بصرف النظر عن السرعة التي يسير بها الإصلاح، فإن الإصلاح الحقيقي يتطلب تمكين وسائل الإعلام في البلاد كي تصبح منبراً للحوار الحر المفتوح حول القضايا الحاسمة التي تواجه السعودية حالياً.

لقد حققت الصحافة السعودية مكاسب مهمة منذ الأحداث الهائلة التي حدثت في 11 أيلول (سبتمبر) 2001، حينما هاجم إرهابيون الولايات المتحدة، ومنذ 12 أيار (مايو) 2003، حينما جرت تفجيرات انتحارية في مدينة الرياض وأدت إلى قتل ما يزيد عن 24 شخصاً. واليوم، تنشر الصحف السعودية أخباراً ومقالات كان من المستحيل أن ترى النور قبل خمس سنوات خلت.

وخلال إقامتي التي امتدت لأسبوعين، نشرت الصحف السعودية أخباراً ومقالات حول مواضيع الجرائم، والاتجار بالمخدرات، ومعارك قوات الأمن مع المتطرفين المسلحين. كما تناول المعلقون الصحفيون موضوع المخيمات الصيفية الدينية التي يستخدمها المتطرفون لنشر آرائهم بين الشباب السعودي؛ ونشروا مقالات دافعوا فيها عن حق النساء في قيادة السيارات.

وخلال اليوم الأخير من زيارتي إلى الرياض،نشرت صحفية الوطن، وهي الصحيفة الأكثر شجاعة من صحف البلاد، موضوعاً حساساً حول المتطرفين الدينيين الذين يقومون بالتدريس في مدارس البلاد. كما نشرت الصحيفة في اليوم ذاته مقالاً لأحد كتاب الأعمدة انتقد فيه المسؤولين عن السجون بسبب تجاهلهم نزعات التطرف داخل سجون البلاد.

إن تغطية الصحف السعودية تنافس التغطية الصحفية في البلدان العربية الأخرى، من بعض الجوانب، أو أنها تفوقها عندما يتعلق الأمر بالقضايا الاجتماعية والدينية. ومع هذا، وعلى حد تعبير أحد الأكاديميين السعوديين، فإن هامش الحرية "يتم منحه أو مصادرته". وقد مقالات هذا الأكاديمي كانت ممنوعة من الظهور في صحف البلاد. وفي واقع الأمر، ويشير العديد من الصحفيين والكتاب السعوديين إلى أن حرية الصحافة شهدت تقدماً كبيراً خلال عقد التسعينات.

تعرض العديد من الكتاب وكبار المثقفين إلى المنع التام أو المؤقت عن الكتابة في الصحف أو التحدث إلى وسائل الإعلام الأخرى، وذلك إما بأمر من الحكومة أو من خلال قرارات المحررين. وقد تحدث الصحفيون عن الضغوط التي يتعرضون لها من قبل الحكومة أو مجالس تحرير الصحف، عندما يحاولون الكتابة بصفة ناقدة حول المواضيع الحساسة، مثل المؤسسة الدينية في البلاد.

ويقول الصحفيون أن الرقابة الذاتية قد ازدادت. وشتان ما بين الوضع الحالي للصحافة والوضع الذي أصبحت عليه بعد أيار (مايو) 2003 حينما نشرت الصحف مقالات تتسم بالشجاعة حول التطرف الديني، وبحثت في شؤون المؤسسة الدينية، وتناولت موضوع الفساد.

وعبّر بعض الصحفيين السعوديين، وخصوصاً من رؤساء التحرير، عن رضاهم من المستوى الحالي لحرية الصحافة، وعلى حد تعبير أحد الصحفيين فإن "ربيع براغ لوسائل الإعلام"، شكل حالة حرية زائدة في وقت أقصر مما يقتضي الأمر.

سيكون من الخطأ من جانب الحكومة والصحافة أن تبالغ في الرضا عن مستوى الإصلاح في الإعلام، فالصحافة الحيوية والحرة القادرة على مناقشة القضايا التي يواجهها الناس في حياتهم وعلى التمحيص في تصرفات الحكومة، هي أمر أساسي لمساعدة البلاد على التصدي للتحديات الاجتماعية والسياسية العديدة التي تجابهها.

لقد أعرب العديد من الصحفيين الذين تحدثت إليهم عن هذه القناعة. ويقول أحد الكتاب، "إن معظم الصحفيين ليسوا ضد الحكومة، وإنما هم ضد سياسات معينة وخطوط فكرية محددة لدى الحكومة. ومن الممكن للنقد الموجه للحكومة إن يقويها".

إن النقاشات الصريحة التي تدور بين السعوديين حالياً في البيوت والديوانيات والمقاهي والقنوات الفضائية، أو عبر شبكة الإنترنت، هي مؤشر أكثر صدقاً بكثير على الخطاب الشائع بين فئات الشعب.وهناك الكثير مما يمكن عمله لتمثيل هذه الأصوات في وسائل الإعلام الوطنية.

ومن أوائل الأشياء الواجب عملها، تشجيع مقدار أكبر من الانفتاح في الصحافة وضمان أن السلطات لن تعاقب الصحفيين –سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة- بسبب نشاطاتهم المهنية. و أن يتضمن هذا الانفتاح استقلال التغطية الصحفية وإتاحة إمكانية أكبر للتمحيص في تصرفات الحكومة.

كما يمكن للحكومة أن تشجع المزيد من الاستقلال والتنوع في سائل الإعلام، من خلال إيقاف التدخل في العمل اليومي للصحف، وإلغاء ممارسة تعيين رؤساء التحرير، ومن خلال تسهيل عملية الحصول على تراخيص لتأسيس الصحف.

ويجب أن يتصدى المحررون بدورهم للتحديات الماثلة أمامهم كي يرفعوا مستوى الحوار في الصحافة الوطنية. وعلّق نائب محرر إحدى كبريات الصحف بالقول، "لقد أتيحت لنا الحرية منذ وقت طويل، ولكن بعض المحررين لا يقبلون بها، فبعض المحررين مؤيدون للحكومة أكثر مما تؤيد الحكومة ذاتها".

وفي حادثة بارزة وقعت خلال الشهر الماضي، أقال مدير القناة الثالثة في التلفزيون السعودي، مذيعاً يستضيف برنامجاً حوارياً، السيد عبد الرحمن الحسين، لأن مجموعة من الشباب انتقدوا الشرطة الدينية خلال البرنامج. وبعد أسبوع من ذلك، أعيد المذيع إلى عمله بعد تدخّل وزير الإعلام السيد إياد مدني.

ينبغي أن ينشط المحررون في الدفاع عن حقوق زملائهم، فلقد ظلت جمعية الصحفيين السعوديين التي تأسست حديثاً، وهي تطور إيجابي من الناحية النظرية، ظلت غير فاعلة، وقد أعرب صحفيون عن تشككهم من جدوى دور الجمعية كقوة إيجابية لحرية الصحافة.

وقد يكون مما يحمل دلالة كبيرة، صمت الجمعية عقب الإقالة المؤقتة للمذيع السيد عبد الرحمن الحسين. ويمكن للجمعية التي يتكون مجلس إدارتها من بعض أشهر محرري الصحف، أن تكتسب مصداقية فورية من خلال مناصرة الصحفيين الذين يواجهون مشاكل قانونية أو يتعرضون لمضايقات بسبب عملهم.


جويل كمبانا هو منسق برامج متقدم في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة حماية الصحفيين في نيويورك. لجنة حماية الصحفيين هي منظمة غير ربحية وغير سياسية تكرس نفسها للدفاع عن حرية الصحافة في كافة أنحاء العالم.