إيلي الحاج من بيروت: يضع الوزراء الخمسة الشيعة أوراق استقالاتهم في جيوبهم بناء على توجيهات قيادة quot;حزب اللهquot; التي تجري مشاورات موازية مع حلفاء لسورية في لبنان ومع النائب العماد ميشال عون لتغيير معادلة الغالبية والأقلية عبر فرض إجراء انتخابات نيابية مبكرة. وكانت قيادة الحزب الشيعي المتشدد، الذي باتت حركة quot;أملquot; ملحقة به عملياً، قد أرسلت قبل أيام موفدين إلى المملكة العربية السعودية التقوا رئيس كتلة quot;المستقبلquot; النيابية النائب سعد الحريري واتفقوا معه على صيغة يعود على أساسها الوزراء الشيعة المقاطعون إلى جلسات مجلس الوزراء، تقضي بضمان بقاء سلاح المقاومة الإسلامية quot;لتحرير مزارع شبعا المحتلة والتصدي للتهديدات والأطماع الإسرائيلية في لبنانquot;، وبالتالي رفض البند المتعلق بهذا السلاح والوارد في القرار الدولي رقم 1559 واعتباره شأنا لبنانياً داخلياً. لكن أوساط الحزب تقول بأنها فوجئت بأجواء مغايرة في بيروت لهذا الاتفاق خلال المفاوضات مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي وصف المعروض عليه بأنه quot;اتفاق قاهرةquot; جديد، على غرار الاتفاق الذي أبرمته الحكومة اللبنانية عام 1968 مع quot;منظمة التحرير الفلسطينيةquot; برعاية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأدى إلى تخلي الدولة عن جزء من سيادتها وأرضها للمنظمات الفلسطينية ودخول لبنان دوامة حروب داخلية وإقليمية مريرة استمرت ثلاثين عاماً ولا تزال تجرجر.
وتعتبر أوساط quot;حزب اللهquot; التي أبدت استياء بالغاً من موقف السنيورة أن ثمة من دخل على الخط ووضع شروطاً معرقلة، ملمحة إلى رئيس quot;اللقاء الديموقراطيquot; وليد جنبلاط وحلفائه من المسيحيين ، ولا سيما منهم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي يرفض إعطاء الحكومة quot;حزب اللهquot; حق الفيتو على القرارات التي تتخذها الأكثرية في مجلس الوزراء.
وكان الزعيم الدرزي قد اشترط علنا حصول لبنان على اعتراف سوري موثق بلبنانية مزارع شبعا وتحديد حدود الحصة اللبنانية من هذه المزارع، وإدانة الحكومة للإرهاب المنظم الذي يقوم به النظام السوري ضد النظام الديمقراطي في لبنان. كما رفض القول بأن القرار 1559 قد نفذ بالكامل، مذكراً بأن القرارات الدولية لا تسقط بقرارات داخلية quot;وإذا كان ذلك صحيحاً فإن إسرائيل تقدر على اعتبار أن القرار الدولي رقم 242 قد طبق، فتسقط كل مطالبة عربية باستعادة الأراضي المحتلةquot;، ولاحظ أن القرار 1559 يشمل بنداً ضد تمديد ولاية رئيس الجمهورية إميل لحود quot;لكأن البعض الذي يطالب باعتبار أن القرار قد طبق يريد تبرئة النظام السوري من التمديد وتداعياته وما أدى إليه من اغتيالات ومحاولات اغتيالquot;.
حسابات الحزب
ومع وصول جنبلاط في هجومه إلى حد التحدث عن معلومات تتعلق بالمكان الذي جُهزت فيه السيارة المفخخة التي استخدمت العام الماضي في محاولة اغتيال الوزير مروان حماده ( في الضاحية الجنوبية)، أوعزت قيادة quot;حزب اللهquot; إلى كوادر الحزب وأجهزته بعدم الرد على رئيس quot;اللقاء الديموقراطيquot; ، وانصرفت إلى البحث في خطة لقلب الأوضاع السياسية في لبنان رأساً على عقب كانت قد وضعتها قبل أسابيع وتقضي بالاستقالة من الحكومة ثم من مجلس النواب، حيث يأمل الحزب الشيعي المتشدد في أن يتوافق على هذه الخطوة مع رئيس quot;التيار الوطني الحرquot; النائب العماد ميشال عون وبعض النواب الدائرين في فلك سورية بما يؤمن نسبة ثلث عدد أعضاء البرلمان المكوّن من 128 نائباً، ويفرض تالياً إجراء انتخابات نيابية جديدة في غضون شهرين يريد quot;حزب اللهquot; أن تشكل نتائجها انقلاباً ديمقراطياً حقيقياً فلا تعود الغالبية الحالية غالبية، وتتغيّر تالياً كل قواعد اللعبة السياسية.
وفي حسابات quot;حزب اللهquot; أن الظروف التي جعلت quot;قوى 14 آذار/ مارسquot; تحصد 72 نائبا في الانتخابات الماضية لم تعد متوافرة ، فهذه الأكثرية مضى عليها أكثر من ستة أشهر وهي تراوح مكانها وقد بذلت أقصى ما في وسعها ولم تستطع تحسين الأوضاع ، لا أمنياً ولا سياسياً ولا إقتصادياً ولا معيشياً ولا على صعيد العلاقات بسورية ، وهي واقعة منذ أشهر في وضع سياسي غير مريح ولم تعد القواعد الشعبية تعتبر أن حكومة السنيورة- ومن وراءها- واعدة بتقديم حلول لمشكلات لبنان.
والعامل الأشد تأثيراً في نتائج انتخابات مبكرة محتملة، في حسابات الحزب الشيعي، هو أنها لن تجري تحت وطأة دم رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورفاقه التي جعلت الجمهور يصوّت تلقاءً لمصلحة أهل الضحية تعبيراً عن التعاطف الإنساني الطبيعي معهم. كما أن سعد الحريري لن يكون في مستطاعه تكرار ما فعل في انتخابات الصيف الماضي ، ولا سيما في محافظة الشمال التي انتقل إلى عاصمتها طرابلس ومكث في أحد فنادقها مع ماكينته الإنتخابية- الإعلامية- المالية الضخمة أياماً كانت كافية لإطاحة كل ما كان سائداً من موازين قوى وتغيير أحجام وأوزان واتجاهات، وتجلت هذه الإطاحة على سبيل المثال في تصويت ناخبي عكار وطرابلس السنيتين لمرشحي حليفته quot;القوات اللبنانيةquot; . فسعد الحريري يعرف أن التهديد بالنيل منه أكثر من جدي ، وإذا راودته فكرة المجازفة بالعودة إلى لبنان فإن ما أصاب حليفه النائب والصحافي جبران تويني في 12 من كانون الأول / ديسمبر الجاري كفيل ردعه ، كما أن الثروة الهائلة بالمقاييس اللبنانية التي تصرفت بها عائلة الحريري عقب اغتيال كبيرها الرئيس السابق لم تعد بالحجم نفسه بعد توزيعها على ورثته، وقد بات في متناول النائب سعد منها ما نسبته واحد على عشرة، مما يعني أن مواجهتها بالأساليب نفسها إذا لزم الأمر لم تعد مستحيلة.
ويأخذ الحزب في حسبانه أنه أهدى quot;الغالبيةquot; التي خاصمها وخاصمته لاحقاً فوزاً غالياً في دائرة بعبدا- عاليه المخصص لها 11 نائباً ، ولو صبت أصوات الشيعة
ال 18 ألفاً فيها لمصلحة لائحة الجنرال عون لخسر جميع مرشحي اللائحة المنافسة التي دعمها ما صار يعرف ب quot;قوى14 آذار/مارسquot;. والأمر نفسه ينطبق على دائرة البقاع الغربي- راشيا بنوابها ال 6. بمعنى لو كان quot;حزب اللهquot; متحالفاً مع عون في الانتخابات الماضية لشكلا مع حلفائهما الغالبية في البرلمان وبالتالي الحكومة.
بهذه الحسابات يصبح حجم كتلة quot;المستقبلquot; برئاسة سعد الحريري في انتخابات مبكرة 15نائباً حداً أقصى وليس 41 و تصبح كتلة quot;اللقاء الديمقراطيquot; برئاسة جنبلاط 6 نواب وليس 19 وكتلة quot;القوات اللبنانيةquot; صفراً أو واحداً على الأكثر في الشوف بأصوات الجنبلاطيين وليس 6 . وتعود إلى البرلمان وجوه موالية أو حليفة لسورية على رأس كتل ، والمقصودون خصوصاً الرئيس عمر كرامي والوزيران السابقان سليمان فرنجية وطلال إرسلان، وغيرهم شخصيات أقل بروزاً ووقوفاً بجانب السوريين.
إغراء الجنرال
ويقدم الحزب إغراء شديداً للجنرال عون للموافقة على الخوض في هذه المغامرة تتمثل في أن حظوظه ستكون شبه كاملة للفوز برئاسة الجمهورية في حال نجاح الخطة، إلا أن ذلك يتطلب اتفاقاً بين الطرفين على مشروع سياسي مشترك يلتزمان تطبيقه ويتضمن حلولاً لمسائل شائكة مثل سلاح quot;حزب اللهquot;، تحالفات الحزب الخارجية، علاقة لبنان الرسمي بسورية، الموقف من القرارات الدولية والعلاقة بالمجتمع الدولي . فضلاً عن حاجة العماد عون إلى ضمانات كافية من دمشق بالسير في هذا الاتفاق، وهذه نقطة شائكة إذا ما استعاد الجنرال بالذاكرة تجاربه الماضية مع النظام السوري في حقبة 1988 ndash; 1990 .
ولا يتفق مراقبو تطور العلاقة بين quot;حزب اللهquot; والجنرال عون على تصور واحد لنتيجة المشاورات وعمليات التفاوض الجارية بينهما. فيستبعد بعضهم أن يقبل عون السير بعيدا إلى هذا الحد مع quot;حزب اللهquot;، ويرجح أن يتصرف حيال هذا الطرح كما فعل سابقاً عندما تجاوب جزئياً في مدينة زحلة البقاعية مع خطة الحزب لتحريك الشارع تحت شعارات مطلبية في وجه حكومة السنيورة ، ثم انكفأ وأحجم عن المشاركة عندما رأى ولمس أن سورية تحرض الحزب على تحرك واسع يشمل كل لبنان لإجبار الحكومة على الاستقالة ، الأمر الذي جعل النظام السوري وquot;حزب اللهquot; يسحبان هذه الورقة من التداول.
وساعد السنيورة في إنقاذ ماء وجه الحزب آنذاك باتخاذ الحكومة قرار خفض أسعار المازوت لثلاثة أشهر. لكن بعض المراقبين الآخر يرى أن أمام عون فرصة قد لا تتكرر للانتقال من مقعد النائب رئيس الكتلة إلى مقعد الرئيس في القصر الجمهوري في بعبدا. ويراهن هؤلاء أن الجنرال السبعيني لن ينتظر أربع سنوات أخرى لتتغير بصورة طبيعية في مجلس النواب الغالبية الحالية التي يعرف أنها لن تأتي به رئيساً بسبب خصومات سابقة ولمجرد أيضاً أنه عسكري كان قائداً للجيش ورئيس حكومة انتقالية أشغل مدافع دباباته في كل الاتجاهات خلال مكثه في قصر بعبدا. ثم أن عليه فوق الحسابات المحض انتخابية أن يدرس الأرض التي يقف عليها جيداً ، فقد لا يستسيغ المسيحيون الذين يمثل معظمهم فكرة تحالفه مع quot;حزب اللهquot; وتالياً سورية فينعكس استياؤهم وبالاً عليه في الصناديق، خصوصاً أن منافسيه استعادوا في الأسابيع الأخيرة شيئاً من المبادرة السياسية ، وإنهم أقوى منه إعلامياً حتى اليوم بما لا يُقاس.
والأهم : هل يوافق الجنرال عون ، الزعيم الماروني، على quot;اتفاق قاهرةquot; جديد مع quot;حزب اللهquot; بعدما رفضه ممثل زعامة الحريري والسنّة في لبنان الرئيس السنيورة ؟ قبله عام 1968 وافق سلفه في قيادة الجيش اللبناني العماد إميل بستاني على الاتفاق مع ياسرعرفات، وقيل أنه كان هو أيضاً واضعاً رئاسة الجمهورية نصب عينيه آملاً في دعم الرئيس المصري جمال عبد الناصر ولم يصبح رئيساً. وماذا إذا لم يصدق السوريون هذه المرة أيضاً مع عون وكرروا فعلتهم عام 1989 عندما عرضوا عليه معادلة quot;إضرب القوات اللبنانية نجعلك رئيساًquot; ففعل المرة الأولى في شباط/ فبراير، وعندما لم تف دمشق بالوعود ارتد عليها معلناً quot;حرب التحريرquot; ليتقلب بعد ذلك في صدامات وتحالفات يختلط فيها دوماً عند عون التحديد بين صديق ونقيض الصديق. وهذا احتمال غير مطمئن لا شك أن quot;حزب اللهquot; يتحسب له أيضاً، خصوصاً أن الجنرال عون يتباهى بأنه صانع القرار 1559 الذي افتعل الحزب الشيعي كل هذه الضجة لئلا يعود يسمع به أقله في الداخل اللبناني. أما الأميركيون والفرنسيون ، فيمكن توقع ردود فعلهم على اتفاق لا يلبي رغبتهم في رؤية الحزب الشيعي ذي الإرتباط الإيراني- السوري يسلم سلاحه، وسيضغطون بقوة على لبنان الرسمي ليمتثل . أما إذا توصل الرئيس عون إلى اتفاق quot;يشرعنquot; ميليشيا الحزب الشيعي المقاوم فإن لبنان يكون سائراً لا محالة ، اليوم ، غداً أو بعده إلى فيديرالية على مستوى الأرض بعدما ترسخت فيه فيديرالية الحكم والطوائف من فوق.
فلا أحد في لبنان يقبل بأن يبقى quot;حزب اللهquot; وحده من بين كل الطوائف والأحزاب وإلى الأبد مسلحاً حتى أسنانه بذريعة أو بأخرى. وحتى الجنرال عون إذا قبل مرحلياً فسيرفض في ما بعد. وهذه أكيدة.














التعليقات