حملات الدعاية للانتخابات الرئاسية تتأهب
كوميديا أحزاب "النصف مليون" في مصر


إقرأ أيضا

تشكيك بنزاهة الانتخابات المصرية

نبيل شرف الدين من القاهرة : ثلاثة فقط هم الذين رفضوا المنحة أو "الجائزة" الحكومية للترشيح لانتخابات رئاسة الجمهورية في مصر، وهم الرئيس الحالي حسني مبارك، وبالطبع فإن الرجل الذي يرشحه الحزب الوطني (الحاكم) منذ تأسيسه، ويهيمن على كافة مفاصل الدولة، ليس بحاجة إلى هذا المبلغ، بل لعلنا لا نذيع سراً أنه هو الذي اقترح هذا المبلغ "تشجيعاً" للمشاركة في الانتخابات الرئاسية التي تجرى لأول مرة في مصر بنظام الاقتراع السري بين عدة متنافسين، ولمواجهة حملة المقاطعة التي تقودها أحزاب وقوى معارضة ومستقلة في مصر، أما الثاني فهو حزب "الوفد" وهو أقدم الأحزاب قاطبة إذا افترضنا ـ جدلاً ـ أنه امتداد لحزب الوفد القديم، والذي كان الحزب المفضل لكثير من "باشاوات" مصر وكبار رجالاتها في زمن مصر الملكية، وما زال أبناؤهم وأحفادهم على ولائهم للوفد وهم أيضاً أثرياء، يستطيع عضو واحد منهم أن يدفع ضعف هذا المبلغ في إعلان تلفزيوني واحد لإحدى شركاته أو حملاته الدعائية دون أن يتأثر موقفه المالي مطلقاً .

أما الثالث فهو حزب "الغد"، آخر عنقود الأحزاب السياسية في مصر، وأكثرها إثارة للجدل، والذي سبب في وقت قصير للغاية صداعاً حقيقياً للحكومة وحزبها الحاكم، لدرجة أنها فعلت كل ما يمكن ضده، من اتهام رئيسه بالتزوير وصولاً للافتات على مقر انتخابه التي وضعها مجهولون لتأييد الحزب الحاكم، وانتهاء بالنجاح في إقناع حزب "الوفد" لترشيح رئيسه، لتكون فرصة لتصفية خلاف قديم مع نور الذي انشق على الحزب، وخاض معركة صحافية ضد رئيس حزب الوفد، الذي أصر بدوره على أن يصدر قراره بفصل نور، وليس استقالته كما كان يريد، وبالطبع هناك بنود أخرى تتعلق بالانتخابات البرلمانية، في سياق ما يتردد كثيراً في الشارع السياسي المصري عن صفقة الوفد .

أحزاب النصف مليون

تتبقى إذن تلك الأحزاب الهامشية الصغيرة المجهولة تماماً، التي يجمع المراقبون على أن قادتها يخوضون الانتخابات الرئاسية، استفادة من التعديل الدستوري الأخير، لسبب وحيد هو "نصف المليون"، وحين حاول أحد رؤساء تلك الأحزاب أن يدفع عن نفسه هذه التهمة، تحدته صحف محلية إن كان صادقاً في عدم اهتمامه بمبلغ النصف مليون أن يتفضل ويعلن رفضه له، كما فعلت الأحزاب الثلاثة المشار إليها، غير أن الرجل أجاب بعبارات طويلة منمقة، عن رفض التمويل الأجنبي، رغم أنه لم يكشف عن أي جهة أجنبية حاولت دعمه، كما تحدث عن مدى أهمية دعم الدولة للعمل الحزبي، وكيف يستطيع أن يتحمل أعضاء حزبه كل هذه النفقات من أموالهم وهم أناس بسطاء . إذن ليس جديداً على أي ممارسة ديمقراطية جادة في أي بلد من بلدان العالم، من الهند شرقاً إلى الولايات المتحدة غرباً، أن يتقدم هذا العدد من المواطنين العاديين للترشيح لأسباب ليست بعيدة عن الرغبة في الشهرة، فهذا يحدث في كل مكان‏,‏ لكن ما يثير الدهشة والسخرية فعلاً أن يتقدم هذا العدد الكبير من رؤساء الأحزاب المجهولة للترشيح لهذا المنصب، ليس لشئ إلا أملاً في الحصول علي "جائزة" نصف المليون جنيه‏,‏ ولهذا طالب كتاب ومعلقون في القاهرة اللجنة المشرفة علي الانتخابات أن تدقق في بنود نفقات رؤساء تلك الأحزاب التي لا يعرفها حتى المعنيون بالشأن العام، من الساسة والإعلاميين، والتي يطلق عليها تندراً "أحزاب الأنابيب"، التي لا تملك قواعد شعبية بالمرة، ولكنها تعتاش من الدعم الحكومي المباشر تارة، ومن اتجارها في تراخيص الصحف التي تحصل عليها بصفة قانونية باعتبارها "أحزاباً سياسية"، وكل هذا من أموال الشعب المصري، كما يقول الكاتب والمحلل السياسي المعروف مكرم محمد أحمد، وغيره من المعلقين في الصحف المصرية ‏.‏

البرتقالي المصري

ومقابل هذا العبث عن حديث النصف مليون، فإن الشارع السياسي في مصر يتوقع أن يقود أيمن نور رئيس حزب "الغد" حملته الانتخابية باللون البرتقالي، لكنه ليس ذاته "البرتقالي الأوكراني" أو حتى اللبناني، فهو برتقالي محلي من إنتاج حي "باب الشعرية" الشعبي وسط القاهرة، حيث يخوض نور الانتخابات البرلمانية هناك ويفوز رغم أنف الحزب الوطني الحاكم، لكن الأمر بالتأكيد يختلف كثيراً في انتخابات رئاسية، تمتد من النوبة إلى مرسى مطروح ورفح، ومع ذلك يؤكد نور بثقة أن ترشيحه رئيساً للجمهورية سيحقق التغيير المطلوب للشعب المصري، بعيداً عن دائرة النظام الحاكم منذ ربع قرن، معرباً عن اقتناعه التام بأن حزبه الذي يمثل التيار الليبرالي ذا تأثير أصيل في الحياة السياسية في مصر، وأنه سيحقق نتائج مبهرة في حالة شفافية الانتخابات الرئاسية، معتمداً على شعبيته كنائب برلماني معارض لمدة عشر سنوات، وأنه يعرف جيداً كيف يطرح برنامجه الانتخابي، الذي هو في الأصل برنامج حزبه الناشئ حديثاً، وكيف يستطيع الوصول إلى قلوب ملايين البسطاء في ريف مصر وصعيدها فضلاً عن أم المعارك" في القاهرة والإسكندرية والجيزة كبرى المدن المصرية .

وذهبت تكهنات وقراءات شائعة في الشارع السياسي إلى أبعد نقطة في رسم خيوط المؤامرة، حين رأت أن الحزب الوطني (الحاكم) ذاته كان وراء كل هذا الكم الكبير من "المرشحين الكوميديين" رغبة منه في تأكيد صلاحية الضوابط المتعسفة التي وضعت للمرشحين لهذا المنصب، لاسيما وأن كثيرا من المرشحين كانوا يشغلون مهنا متواضعة فمنهم سائقون وسباكون ومزارعون وموظفون بسطاء، مما يؤكد أن هناك جهات شجعتهم على ترشيح أنفسهم، كما يتواتر من تعليقات بين أوساط الساسة والمعنيين بالشأن العام في مصر

السادات وغريمه

نصل إلى طلعت السادات ابن شقيق الرئيس الراحل أنور السادات الذي بزغ نجمه في سماء الساحة السياسية المصرية فجأة بعد حصوله على حكم صادر لصالحه من المحكمة الإدارية العليا ضد غريمه حلمي سالم في معركة رئاسة حزب "الأحرار" اليميني، واشتعل الصراع على رئاسة الحزب على نحو غير معهود من قبل، كما استخدمت فيه شتى الوسائل المعروفة، لكن طلعت تمكن من حسمه لصالحه، والترشح للانتخابات الرئاسية كرئيس لحزب الأحرار، بينما أصر منافسه حلمي سالم على الترشيح بصفته رئيساً لذات الحزب باعتباره الرئيس الشرعي حتى يحسم الأمر نهائياً وهو ما لا يبدو قريباً في الأفق المنظور .

تجدر الإشارة إلى أن في مصر 20 حزبا سياسيا, منها ستة مجمدة بقرار لجنة الأحزاب الحكومية، ومنذ عودة التعددية والحياة الحزبية إلى مصر، رفضت هذه اللجنة التي تتبع مجلس الشورى 95% من الطلبات المقدمة إليها، مما حدا بالمراقبين المصريين وصحف المعارضة إلى تسمية هذه اللجنة بـ"لجنة منع تأسيس الأحزاب"، وتعكس هذه التسمية الساخرة تقويم الرأي العام لتلك اللجنة باعتبارها إحدى أدوات الحكومات المصرية المتعاقبة لتحجيم المعارضة، وتعميق حضور الحزب الأوحد على الساحة، مع الإبقاء على هامش يحول ـ نظرياً ـ دون تصنيف النظام على لائحة الأنظمة الشمولية على نحو صريح وفج . ويرى مراقبون أنه رغم كل الانتقادات التي توجه لهذه اللجنة الحكومية، غير أنها لعبت دوراً إيجابياً للحيلولة دون وصول عدد الأحزاب في مصر إلى مثيله في بنغلاديش مثلاً، وحالت دون اعتلاء مزيد من الأحزاب الورقية للمسرح السياسي في مصر، الذي يرون أنه ليس بحاجة إلى مزيد من العبث، بقدر ما يتطلب قوى حقيقية وفاعلة .

ويذكر في هذا السياق أن دائرة الأحزاب في مجلس الدولة المصري هي البوابة الوحيدة للحصول على شرعية تأسيس أحزاب سياسية جديدة في البلاد، من خلال أحكام قضائية، وقد لجأ طالبو تأسيس كل الأحزاب السياسية الجديدة إلى هذه الدائرة، وحصلت منها على أحكام قضائية بتأسيسها، بينما رفضت عشرات الطلبات المقدمة .