منذ سنوات زرت مصر من أجل الإستجمام والإلتقاء بصديقي العزيز الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع الوطني، فتركت تلك الزيارة أثراً مفرحاً في قلبي قد لا تتمكن السنون من محوه، أو التلاعب به.
ولهذا، رحت أتتبّع أخبارها، فأفرح لفرحها وأحزن لحزنها، وأ غضب إذا أساء إليها أحد، فلقد انغرست محبّتها ومحبّة شعبها الوفي الكريم المرح المضياف في قلبي، وأصبحت مصر غنوتي منذ وطأت ثراها، وتنشّقت هواءها، وداعبت مياه نيلها.
ولا أخفي عنكم خوفي حين دخلت مكاتب جريدة الأهالي وحزب التجمع الوطني، بعد أن أخضعوني للتفتيش الدقيق قبل الدخول، فلقد شعرت بانقباض داخلي قاتل، ورحت أتصور شبح الموت الذي يلاحق السياسيين والصحفيين الأحرار في مصر. فلولا التهديد المتواصل الذي يتعرضون له، لما أمنت الدولة لهم حراسة مشددة. ممن؟ من الإرهابيين المتأسلمين، على حد تعبير صديقي الدكتور رفعت.
وها أن حالة الإنقباض القاتل تعتريني من جديد، بعد أن قرأت خبر ملاحقة الكاتب أسامة أنور عكاشة من قبل الأزهر والمتأسلمين والنائب العام بسبب رأي أعطاه بالصحابي عمرو بن العاص، قد أعترض عليه، ولكن لا يحق لي، مهما كانت الأسباب، أن أنكّل بصاحبه، أو أن أطلّقه عن زوجته، أو أن أدخله السجن، أو أن أرحّله خارج مصر، أو أن أقتله لا سمح الله.
من أنا، ومن أنت، ومن نحن، حتى نحاسب إنساناً آخر باسم الله تعالى؟.. فإذا كنّا نؤمن بيوم الدينونة والحساب، وجب علينا أن نترك حسابنا بيد خالقنا، وليس بيد عبيده المناحيس الظالمين، الذين لا ولن يحلّوا محل العلي القدير، ولو وقعت السماء على الأرض. هو الخالق وهو وحده الديان، ومن يسبق أحكامه بخلقه، يكون المجرم، والكافر، والسفّاح.
حرية الرأي والتعبير لا يمكن أن تكون مجزوءة، فإما أن تكون كاملة كعين الشمس، وإما أن تكون قد تعرّضت للكسوف والخسوف والتعتيم والمصادرة. وصدقوني أن أشد أنواع الإرهاب هو الإرهاب الفكري الذي يتقنه الحاكم ورجل الدين في شرقنا العربي التعيس بدون أدنى رحمة.
لقد ضحك علينا العالم أجمع، حين تعرّضت الدكتورة نوال السعداوي لألف مقلب ومقلب، دون أن تتزعزع مكانتها الأدبية أو العلمية، أو أن تغيّر حرفاً واحداً مما كتبت، وقد لا أذيع سراً إذا قلت: إن تلك المطارادات والملاحقات التي تعرّضت لها قد زادت من شهرتها العالمية، ووضعتها بمصاف مدام كوري وغيرها.
كما ضحك علينا العالم أكثر حين فرّقت إحدى المحاكم المصرية التعيسة المتخلفة بين الدكتور نصر حامد أبو زيد وزوجته الدكتورة ابتهال يونس، ورمته هو وزوجته خارج الأرض التي أحب. لماذا؟ لأنه خرج عن الدين!. وما هو الدين الحق يا جماعة؟ أهو الذي يفرّق الزوج عن زوجته؟ أم الذي يوحّد العائلة ويجمعها تحت كنفه؟. ومتى كان الدين حماراً يركبه بعض الرجال الملاعين، فإذا توقّف أفتوا.. وإذا أسرع أفتوا.. وإذا كبا أفتوا أيضاً. ومن قال أن هؤلاء الرجال الأميين بمعظمهم، أوسع معرفة بدينهم من دكاترة كنوال السعداوي ونصر حامد أبو زيد ورفعت السعيد وغيرهم وغيرهم. لقد تعب مثقفونا وأدباؤنا ودكاترتنا، وسهروا الليالي من أجل بلوغ المعرفة، أما رجال الدين، بمختلف طوائفهم كي لا أتهم بالطائفية، فقد دخلوا سلكهم، إماً طمعاً بالمال، وإماً طمعاً بالحوريات العين، والويل لمن يقف بوجه أميّتهم ووصوليتهم وحقدهم وطائفيتهم ونرجسيتهم على كل ما هو خيّر وإنساني، فله الجحيم في هذه الدنيا التي يحكمون، وله النعيم ورضى الله تعالى في الحياة الثانية، نكاية بهم.
لقد بدأت الوحوش تنهش بلحم الكاتب أسامة أنور عكاشة، لا لشيء، سوى لأنه فتح فمه وتكلم في بلد أعطى الدنيا أعظم حضارة فرعونية على الإطلاق، ما زال الكون، من مشرقه إلى مغربه، يقف مشدوهاً أمام عظمتها. فأرجوكم أن لا تشوّهوا تلك الحضارة، وأرجوكم أن لا تُضحكوا العالم علينا مرة أخرى، وأرجوكم أن لا تتلاعبوا بالإسلام، وتحولوه من رحمة إلى نقمة، وأرجوكم، وهذا رجائي الأهم، أن لا تسيئوا لأم الدنيا مصر.