بعد استهداف فندق الهيلتون في منتجع طابا السياحي وعدة أماكن أخرى، ترفد الاقتصاد المصري بملايين الدولارات وتنعشه، تماماً كما كانت جزيرة (بالي) ترفد الاقتصاد الأندونيسي بدولارات السيّاح الأستراليين، قبل أن يحل فيها الموت والخوف والركود الاقتصادي والبطالة.
وبعد تفجير السفارة الأسترالية في جاكرتا، الذي أعاد جون هاورد إلى الحكم بأغلبية ساحقة، بعد أن شعر الشعب الأسترالي أن الإرهاب لا يقاومه إلاّ الرجال الرجال أمثال هاورد وبلير وبوش، وأعتقد أن بلير وبوش سيعيدهما الشعبان الإنكليزي والأميركي إلى الحكم نكاية بالإرهاب ليس إلاّ، هنا يظهر غباء الإرهاب الشديد، وعدم تفهّمه لعقليات الشعوب، همّه أن يضرب، كيفما كان وأينما كان، دون استراتيجية ذكيّة أو حنكة سياسية.
وبعد التفجيرات اليومية التي يتعرّض لها الشعب العراقي المسالم، والتي قضت على الآلاف منه، وبعد استهداف شعوب السعودية وتركيا وإسبانيا وروسيا وأميركا ولبنان وفلسطين والأردن وغيرها وغيرها، وبعد اختطاف الرهائن الأجانب والعرب وذبحهم كالخراف، وجب على كافة المؤسسات العربية أن تتحرّك، كي لا أقول الحكومات.
عندنا في أستراليا، إذا ألقوا القبض على تاجر مخدرات، يصادرون أمواله وممتلكاته، ويوزّعونها على ضحاياه، وقد نجح هذا القانون نجاحاً مشجعاً، جعل مروّجي المخدرات يفكّرون طويلاً قبل الإقدام على ترويجها، حتى لا يقعوا في يد العدالة والقانون، ويخسروا كل ما جنوه من تجارتهم المربحة.
ولا يقتصر هذا القانون على مصادرة أموالهم فحسب، بل يشمل كل الأموال والممتلكات المهربة بأرصدة وأسماء زوجاتهم وأبنائهم وأقاربهم، إذا اكتشفت الحكومة، من قريب أو بعيد، أنهم قاموا بتهريبها، كي يحموها من المصادرة، وكي تبقى لهم معيناً لدى خروجهم من السجن.
هكذا يجب أن تفعل دولنا العربية التي أقلق الإرهاب راحة بنيها، وأودع منهم في القبور والمستشفيات ما لا عدّ لهم، فلقد قضى على أبرياء كثيرين، لا ذنب لهم إلاّ أنهم كانوا هناك ساعة حقده المميت.
لقد قرأنا أخباراً كثيرة عن مصادرة أموال كانت بحوزة الإرهابيين، ولم نسمع خبراً واحداً عن توزيع هذه الأموال على ضحاياهم، وصدقوني أن لا شيء يغيظ الإرهابي أكثر من توزيع أمواله، مهما كانت، على أناس استهدفهم بغية سحقهم، فحصّلوا منه، وتطببوا بماله، وعادوا لممارسة حياتهم الطبيعيّة التي حاول أن يحرمهم منها.
لقد صادرت أميركا وحدها ملايين الدولارات، فأين هي؟ ولماذا لا توزّعها على ضحايا الإرهاب في كل مكان، طالما أن الحرب عليه واحدة، وضحاياه، أينما كانوا، ضحايا العالم أجمع.
عندما ضربنا الإرهاب في جزيرة بالي الأندونيسية، وقتل من قتل، وشوّه من شوّه، وأرعب من أرعب، تنادت المؤسسات الإعلامية والجمعيات الخيرية والفنية الأسترالية لجمع التبرعات للمصابين، فجمعت الملايين من الدولارات، وزعتها على العائلات الأسترالية المصابة بفقيد أو بمشوّه، ولم تكتفِ بذلك، بل عملت على مساعدة أبناء جزيرة بالي المتضررين مثلنا.
وأذكر أن الجاليات العربية، وخاصة الإسلامية، قد تبرعّت بالكثير من أجل إعادة البسمات إلى ثغور أناس طيبين، أحبوا أن يقضوا إجازتهم في جزيرة آمنة، فإذا بالجزيرة تنقلب إلى جحيم يحرقهم ويقضي عليهم.
وأذكر أيضاً أن الحكومة الأسترالية قد أدت قسطها الكامل من التبرعات، لمساعدة ضحايا جزيرة بالي، دون أن تتلكأ ولو للحظة واحدة، أو دون أن تدعي أن الإرهابيين سيفرحون عندما يعلمون أنها بدأت تخسر الملايين من جراء ضربتهم الحاقدة تلك.
قد تكون حكوماتنا العربية عاجزة عن التعويض لضحايا الإرهاب، بسبب محاربتها المتواصلة له وملاحقته في كل مكان، ولكن المؤسسات الإعلامية والخيرية والفنية العربية، إذا وجدت.. ويجب أن توجد، قادرة على اجتراح المعجزات من خلال جمع التبرعات لهؤلاء المساكين.
قد تكون أنت، أو أولادك، أو أصدقاؤك في مكان الحادث، عندئذ ستدرك مدى حاجتك لمد يد المساعدة إليك، لأن الإرهاب، وإن كنت من أشد مناصريه، لن يقول لك متى وأين سيضرب، وقد تذهب ضحية من تساعد وتنصر دون أن يرف له جفن، أو أن يترحم على مناصر مسكين تعيس هو أنت.
ضحايا الإرهاب لهم علينا حق المساعدة، ومن يتحجّج منّا بألف سبب وسبب، فإنه يشبه النعامة التي تغطي رأسها بالرمل، وباقي جسمها ظاهر للعيان، أو أنه يتغنى بالمثل القائل: (حايد عن ظهري.. بسيطة).

لا ظهري سيسلم ولا ظهرك، إذا لم نتأهب، ونساعد، ونعضد بعضنا البعض. فإذا تأهبنا، نكون قد أفشلنا ما يخططون لنا، وإذا ساعدنا، نكون قد خففنا من مصائب رمونا بها، وإذا تعاضدنا، نكون قد فوّتنا عليهم فرصة الضحك علينا ونحن نتقاتل من أجل أمور سياسية أو طائفية بغيضة، لم نكن لنفكر بها لولا مخططهم اللئيم.
حرام أن تتألم عائلة، ونحن نأكل ونشرب.
حرام أن يتأوه مصاب، وضحكاتنا تصم آذان الشرق والغرب.
وأخيراً، حرام أن ندّعي الأخوّة العربية، ونحن نتهرّب منها إثر كل حادث جلل.
فإذا كانت دولنا عاجزة عن التعويض، وجب علينا الإقتداء بالغرب، وإقامة حفلات فنية وثقافية واجتماعية كبرى بغية جمع الملايين، وتوزيعها على ضحايا الإرهاب، كي لا يبقى قتيل بدون فدية، ولا مشوّه بدون تعويض، ولا مصاب بدون رحمة. هذا ما يحصل في الدول الراقية، وهذا ما يجب أن يحصل معنا.