ما أن حط قلمي الرحال على صفحات (إيلاف)، وبدأ بغرس كلمات لم ترق لبعض القراء، حتى بدأت الشتائم والرسائل المفخخة تصل إلى بريدي الإلكتروني يومياً، منها ما يضحكني حتى الاستلقاء على قفاي، ومنها ما يخيفني، لأنه يعيق اتصالاتي وكتاباتي بجراثيمه الوسخة كأصابع وعقول مرسليها.
الشتائم التي وصلتني أشبه ما تكون بالنكات، تضحك قارئها لتفاهة أسلوبها، وفي نفس الوقت تبكيه لجهل أصحابها، وكأنهم يعيشون في زمن ليس بزمنهم، ويقرأون لغة ليست بلغتهم، ويتكلمون مع أناس لا يريدون أن يفهموهم أو أن يتفاهموا معهم، وكأنهم لا يشبهونهم، لا بالشكل ولا بالأخلاق ولا بالتعايش. فإذا طالبت بمساعدة ضحايا الإرهاب الأبرياء، وقد يكونون منهم في يوم من الأيام، شتموك. وإذا تكلمت عن أطفال العراق الذين يسحقون تحت ألف جزمة وجزمة، لعنوك. وإذا دافعت عن أديب مضطهد في بلادنا العربية، هددوك. وإذا ناديت بتثقيف الفتاة جنسياً، وإعطائها شيئاً من الحرية لتتنفس، رجموك، وكفروك، وقالوا عنك: (ديّوث).. هكذا والله!
ولكي يغيظوك أكثر فأكثر، تنهال شتائمهم على أختك وأمك وزوجتك وابنتك وكل مؤنث حي وميت في عائلتك المباركة، وهم لو أدركوا أن لا أخت لي، لصمتوا، وأن ابنتي لم تولد بعد، لخجلوا، وأن زوجتي أميرة أيوبية وحيدة بين ثلاثة أمراء، يحلفون باسمي، لبكوا. وأن أمي سيّدة فاضلة، يوم توفّاها الله، احتشد آلاف الناس من جميع الأديان والبلدان لوداعها، نظراً لانفتاحها الإنساني الشامل، ولمحبتها لكل مخلوق على وجه الأرض.. وقد لا أذيع سراً إذا قلت: إن النساء المسلمات المحجبات كن الأكثر حضوراً وبكاء يوم جنازتها، لدرجة أجبرت الكاهن الأسترالي على الترحيب بهن، وإعلان فخره بالمرحومة والدتي لأنها أدخلت إلى كنيسته مثل هذه الوجوه الإسلامية المضيئة.
ولو اكتفوا بذلك لشكرت الله تعالى على مواهب خلقه البشعة المضحكة، ولكنهم يلجأون في كثير من الأحيان إلى خداعك، وإرسال رسائل محشوة بجراثيمهم الخبيثة، وموقعة بأسماء معروفة، كي لا تشك فيها إطلاقاً، والويل لك إذا فتحت (الملحق) المرفق معها، فلسوف تدميك خساستهم، ويلفك حقدهم، ويتطاول عليك أذاهم.
مرة، جاءتني رسالة موقعة باسم صحفي لبناني معروف يكتب في جريدة بيروتية، ومرفقة (بملحق) طلب مني الإطلاع عليه، نظراً لأهميته، فصدقته، والله صدقته، وعندما فتحت (الملحق) أحسست أن شيئاً مزعجاً قد حصل، فأسرعت إلى برنامج مكافحة الجراثيم، فإذا به قد تجمّد، وتجمدت معه آلة الكومبيوتر، وأصبحت بفضل خداعه الزائد جثة هامدة، لم يتمكن خبير الكومبيوتر الذي استدعيته على عجل من إعادة الروح إليها.
بربكم، هل يشك أحد ما برسالة كهذه، إسم صاحبها معروف، وجريدته مشهورة؟ فلقد استعملوا اسمه واسم جريدته دون علمهما بالطبع، من أجل تمرير جراثيمهم السوداء كقلوبهم.
ومرة ثانية، جاءتني رسالة مفرحة، أشبعني صاحبها إطراءً، ذكّرني بذلك الثعلب الخبيث الذي أشبع الغراب إطراءً حتى وقعت الجبنة بين أنيابه، فراح يلتهمها ويسخر منه.. وأخبرني أنه كتب عني مقالاً في إحدى المجلات الخليجية، وما علي سوى قراءة (الملحق) المرفق، لأنعم بما جادت به قريحته. فصدقته كما صدق الغراب الثعلب، وانطلت علي حيلته، وأوقعتني براءتي، وللمرة الثانية، والثالثة، والعاشرة، في فخ الجراثيم، التي تمكنت، والحمد لله، من القضاء عليها نكاية بثعالبها، وثأراً لكل غراب مسكين مثلي.
أما الآن، فمن المستحيل أن أفتح (ملحقاً) في بريدي الإلكتروني، حتى ولو جاءني من المرحوم والدي، عملاً بالمثل القائل: المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فلقد لدغوني عشرات المرات، وحان وقت الاستهزاء بهم.

[email protected]