قال لي أحد الأصدقاء: لو قرأ العربان ما كتبته في (إيلاف) حول نجاح جون هاورد الكاسح بالإنتخابات الفيدرالية الأسترالية، لما نشر ابن لادن رسالته الأخيرة، ولما وصلت الرئاسة الثانية إلى بوش.فلقد ذكرت في أحد مقالاتي أن تفجير السفارة الأسترالية في جاكرتا كان أحد أهم الأسباب التي أرجعت هاورد إلى الحكم، إذ رفض الشعب الأسترالي أن يذل رئيسه أمام الإرهاب العالمي، أو أن يعرّضه للسخرية، فأعاده إلى الحكم مكللاً بالغار، ومسيطراً سيطرة تامة على مجلسي النواب والشيوخ حتى لا يعترضه أحد، فالعار، بنظر الأستراليين، لن يلحق جون هاورد وحده إذا ضعف أمام الضغط الإرهابي، بل سيلحق كل إنسان حر شريف لا يؤمن بالإرهاب سبيلاً إلى الحوار.
وهذا ما حصل تماماً مع الرئيس بوش، فلقد طلبها من السماء، فوصلته من أفغانستان، بصوت وصورة أسامة بن لادن، وهذا دليل قاطع على جهل الإرهابيين بالأمور السياسية، وعلى افتقارهم لمنظرين محنكين في السياسة الدولية، ولخبراء نفسيين مختصين بدراسة العقول البشرية وكيفية تفكيرها.
لقد قلت سابقاً، إن الإرهاب سيعيد هاورد وبوش وبلير إلى الحكم، وها هو ينجح بإعادة الأولين، وما عليه، في حال اقتربت الانتخابات البريطانية، إلا أن يذيع رسالة يقرأها الظواهري هذه المرة، أو أن يقوم بعملية إرهابية ضد الإنكليز، لا سمح الله، كالتي ارتكبتها (الجماعة الإسلامية) في أندونيسيا ضد أستراليا، كي تصبح الرئاسة بجيب طوني بلير، عندئذ تركب الطنجرة على ثلاثة رؤوس عنيدة، أقل ما يقال فيها وعنها، أنها ستدمر الإرهاب، وستلاحقه أنى وجد.. ولو إلى سابع طبقات الأرض.
أحد أصدقائي المسلمين المتدينين، ما أن سمع رسالة ابن لادن الأخيرة، حتى صاح بأعلى صوته: لقد فاز بوش.. إبن لادن أهداه ولاية ثانية، بمعرفة منه أو بدون معرفة!.. وأعتقد أن أسامة يعرف كل شيء، ويقرأ كل شيء، وأنه يعيش في مكان مزوّد بكل وسائل الاتصال كالهاتف والإنترنت، وبكل أنواع التسلية كالتلفاز والفيديو وغيرهما، وأجزم أنه شاهد فيلم فهرنهايت 9/11 للمخرج والمنتج الأميركي مايكل مور، الذي صعق لفوز بوش، فصاح وكأنه صُفع على خده: إعادة انتخاب بوش تثير الاشمئزاز.. واعتبر بوش (بطة عرجاء) سيعمل حزبه على إقالته من منصبه قبل أن ينهي ولايته الثانية، بسبب وقاحته وتهوره.
عن فيلم هذا الرجل نقل ابن لادن قصة العنزة التي أصغى إليها بوش بينما الأبراج تتدمر، وهذا يعني أنه يطلع على كل شيء، يشاهد، يقرأ، يكتب، ويتصور أيضاً، وقصة اختفائه عن الأنظار في أحد الكهوف الجبلية في أفغانستان أو باكستان قد تكون غير صحيحة، لأن الوسائل التي بين يديه، لا يمكن أن تكون بين أيدي سكان الكهوف الحجرية، بل بين أيدي سكان المدن العامرة المزودة بالكهرباء، وبشبكة للإرسال الإلكتروني والبث التلفزيوني.
بعد رسالته الأخيرة إلى الشعب الأميركي، وتهديده ووعيده له، وبعد فوز جورج بوش بولاية ثانية بسبب تلك الرسالة، ما على المراقبين إلا إجراء استفتاء بين المسلمين كافة، ليسمعوا منهم جملة واحدة، باتت تتردد على ألسنة الكثيرين منهم: إبن لادن عميل أميركي. فبعد أن كانوا يعتقدون أن خلاص الإسلام سيجيء على يد الشيخ أسامة، أصبحوا يصرّحون جهراً أنه أساء إلى المسلمين، وحوّلهم من مواطنين صالحين في البلدان التي أعطتهم الأمان والمسكن، إلى مشكوك بأمرهم، ومتهمين وملاحقين إثر كل عملية إرهابية.. وحجتهم في ذلك: أن أميركا ألقت القبض على صدام حسين وعائلته ووزرائه وحراسه وحاشيته أو قتلتهم، لا فرق، في أقل من 8 أشهر، ورغم مرور ثلاث سنوات على اجتياح أفغانستان، ما زال ابن لادن حراً طليقاً، وما زالت قاعدته تهدد وتنفذ وترهب، وكأنها بعبع بيد السي آي آي، يخيف بها من يشاء، ويردع بها من يشاء.
أنا شخصياً لا أعتقد أن ابن لادن عميل أميركي، أو لعبة بيد الاستخبارات الأميركية، ينفّذ ما تقوله له حرفياً: أنطق.. اصمت.. اظهر.. اختفِ، كما أقسم صديقي المسلم على ذلك. بل على العكس أرى أن الحرب طويلة بين الأميركيين وابن لادن، بسبب استثمار بعض السياسيين للإرهاب، وتجييره لمصالحهم الخاصة وتثبيت حكمهم، وعدم التعامل معه بجدية وصرامة، غير عابئين بما يجره على الإنسان البريء الذي لا حول له ولا قوة من موت ودمار، فهو وحده سيدفع ثمن هذه الحرب القذرة التي يعلم الله متى ستنتهي.
أخيراً، أرى من واجبي أن أسجل عبارة قالها صديقي المسلم، الذي بسمل وكبّر وهلل ووزع الحلوى عندما غزت القاعدة أميركا وأناخت البرجين، وبشّرنا، يومئذ، بانتهاء القوة الأميركية العظمى على يد شهداء الجنة، وها هو يعتذر عن فرحه الطائش بغزو أميركا، ويقول بوعي وإدراك: لن ينجح الإرهاب في تحقيق أهدافه، ولو فجّر مليون برجاً، وما عليه إلا الاستجابة لرغبة ملايين المسلمين، والكف عن تخويف الأبرياء وقتلهم، والإساءة إلى كل من نطق بالشهادتين.