حين كانت سنابك الخيول الغازية بأسم السلطان تدوس قرى الأيزيدية، لم يكن نسمع سوى صراخ النسوة ونحيب الأطفال ونشيج الدماء التي تشخب من اعناق الرجال وهمهمة الشيوخ وهم يتمنون الموت في تلك اللحظات.
وحين تقوم القوات الغازية بسلب الممتلكات الأيزيدية البسيــطة وتستحوذ على آثاثهم وحيواناتهم، كانت القرى الأيزيدية تلوذ بمجاميعها الى الكهوف والجبال العصية ليفروا بجلودهم تحت رحمة الطقس، بينما تتــرك الجرحى لتنزف حتى الموت دون علاج او اسعاف، وتترك جثث القتلى في العراء لاتستطيع اهلها أن تدفنها.
حين كانت الجيوش التي تجيش لقتال الأيزيدية وتحمل معها كل أنواع الأسلحة وألمكانيات العسكرية، و حين كانت المدافع والبنادق تزمجر بالموت في وجوه الأبرياء العزل من المدنيين المتسلحين بالمناجل والعصي، كان الأيزيدية يحاربون بأيديهم لتصبح الغارات والسبي والقتل طقوسهم التي تمارس عليهم كل عام، أذ لم يمر عليهم هام من الأعوام لم تحدث لهم فيه نكبة أو مذبحة أو كارثة إنسانية.
وكان الولاة الذين يريدون رضاء السلطان المريض نفسياً وربما عقلياً يتبارون في سفك الدماء الايزيدية، ويتفنن الجند في ذبح الاطفال واستباحة النساء وسرقة البيوت الفقيرة ويتفاخرون بمثل تلك الأ‘مال التي تنم عن بربرية مفرطة ووحشية وهمجية بدائية.
ومن احمد باشا الى سليمان باشا واسماعيل باشا وشريف باشا وكل واحد من الباشوات الذين يزخر التاريخ بجرائمهم وخسة أفعالهم، و الذين دخلوا تاريخ الذبح الأيزيدي يمكن ان نستل العديد من صفحات المجازر التي طالت الأيزيدية بشكل خاص.
غير ان الايزيدية حينها طفح عندها الكيل وفاض عندها حدود الصبر والطيبة التي لم تعد تكفي، ولم تعد الأدعــية والتوسل تنفعان، كما لم يعد التعقل والصبر له محل في الاعتبار ما دفع الأيزيدية لتصحو وتنتبه وتحمي نفسها ومن بقي منها على قيد الحياة، فبرز الفارس ( نمر بن شيخو ) ليحمل سيفه ومعه نفر قليل لايتعدى أصابع اليدين، ويرد على هجوم الوالي عبد الباقي باشا وشقيقه عبد الرحمن باشا الذي كان على {اس قوة من الخيالة والمتسلحين من الفرسان الأشاوس الذين يفتلون شواربهم، وكان نمـــر على رأس مجموعة من سبعة أنفار من الأيزيدية سيطروا على ساحة المعركة بشكل ملفت للنظر، وبحركات تنم عن هجمات قاسية لاهوادة فيها، ودون ان يتركوا الفرصة لأحد من العسكر يسترد انفاسه أو يتمكن من ايجاد طريقة ما لتخليص نفسه فيذيقوا العسكر الويل والثبور، وقد تمكن الفارس نمر ان يقتل الوالي وشقيقه ( كما يذكر الكاتب ياسين خير الله العمري في كتابه زبدة الاثار الجلية في الحوادث الارضية ص 156 ) ولشجاعتهم ووقفتهم دب الرعب في اوصال الجيش فهرب من هرب ونزع من نزع ثيابه حتى كانوا كما قيل بالشعر :

تفرق الكل حتى ان هاربهم إذا رأى غير شيء ظنه رجلا وبقي نمر ومجموعته تلاحق فلول الجيش المنهزم والمنكسر حتى وصل الى مشارف تلول الموصل بعد تل عفربعد ان رمت الخيالة سلاحها وبنادقها في الطريق تلوذ بأنفسها تخلصاً من الموت الذي نشره الفارس نمر .
واليوم يقترف بعض المجرمين ممن أستمرأوا الفعل الجرمي وبلغت الخسة والخبث عندهم أنهم يتصيدون الفقراء والطيبين والعزل والعمال من أبناء الأيزيدية الذين يبحثون عن خبزتهم الشريفة فيقتلونهم ويمثلون بجثثهم.
وقد بلغ السيل الزبى وماعاد في القوس منزع، وعلى الأيزيدية مهمة معرفة الأسماء التي تتخذ من تل عفر وكراً وملاذاً للأقتصاص منهم وردع جرائمهم وافعالهم الشريرة وحماية الناس مهما كانت قومياتهم وأديانهم منهم.
للكرد الأيزيدية صحوة مابعدها صحوة، وحين تلتفت الرجال الى من يريد النيل من الناس دون ذنب أو جريرة أو تهمة، وحين تحتكم الرجال لمنطق العرف والشرائع ينبغي أن تمتد الأيادي لمنع القتلة من الأستمرار في الذبح والقتل، وأن يتم فيهم قصاص الله العادل.
وحتى لايتمكن القتلة من الأستمرار في غيهم وشرهم، وحتى لايتمادى السفلة في نشر الرعب والموت بين الناس الطيبين والآمنين، وحتى لاتصـير الجريمة أسلوباً مريضاً ينتشر بين الناس، وجب على الأيزيدية أن تتحرى الدقة وتقتص من القتلة لتنقذ الناس منهم وتنقذ بقية الأ[رياء ممن لم يزل يبحث عن لقمة عيشه وخبزة أطفاله بين القرى والأماكن البعيدة.
أن للأيزيدية في مناطق سنجار وبعشيقة وبحزاني وبقية القرى تحالفات مع عشائر عربية، بالأضافة الى كرافتهم وأخوتهم مع العديد من وجهاء المنطقة وكبارها، مما يوجب أن تتدخل هذه الجهات لردع القتلة والقصاص منهم، وأن يتم أعمال الأعراف العشائرية ووقف نزيف الدم المتعمد بحق الأيزيدية دون غيرهم في هذه المناطق المحيطة بقرآهم، بدلاً من لهيب التنور وطفحان الكيل لدى الآيزيدية الكرد.
لانريد لنمر بن شيخو أن يتكرر أو نحرض على الثأر ورد الفعل، وجل مانخشاه أن ينفلت العقال ونحتكم الى العاطفة، نطلب فقط من أصحاب الضمائر أن لايدعو جثث القتلى في العراء دون دفن، وأن يسمحوا للناس بدفن موتاها، نطلب فقط أن يتم لجم الجناة والقتلة الذين يريدون أشعال نار الفتنة الخاسئة بين الناس.
وفي مناطق تشهد التآخي والأنسجام الديني الاسلامي والمسيحي والأيزيدي لايمكن أن يعكر صفوها مجرمين يريدون أشاعة الجريمة، أو مغرضين ينفذون مخططاً مشبوهاً وقميئاً يريدون به السوء في العراق.
الدفاع عن النفس ليس بالقتل المقابل أو القوة الغاشمة، انما بالتوحد والتألف، انما بأتقاء الافعال الجرمية، انما بأيقاف القتل اليومي والأقتصاص من القتلة وفق القوانين والشرائع، انما بترجمة التحالفات والمكارفات مع الأخوة في القرى القريبة، أنما بأن تبقى العيون متفتحة وأن يحرس الجميع قرآهم ومدنهم من دنس المجرمين الظلاميين منغلقي العقول والضمائر.