جلست أفكر لساعات في الألعاب الأولمبية المزمع إقامتها في أثينا عاصمة اليونان، وأتخيّل الصورة الناقصة البشعة التي ستظهر بها الوفود العربية المسترجلة المشوربة، القليلة العدد، معظمهم إداريين، كما ظهرت في أولمبياد سيدني عام 2000، باستثناء البعض منها والحمد للـه.

كثيرون، متى قرأوا مقالي هذا، سيشنّفون أذنيّ بمليون محاضرة عن الأخلاق والشرف والدين ومنافع الحشمة.. ولكن ولا عربي واحد سيسأل نفسه: لماذا غُيِّبَ نصف مجتمعنا؟. ولماذا حاولوا حجبه عن الأنظار، وخنقه في المهد، أو بالأحرى وأده، والأديان السماوية حرّمت وأد البنات؟.

رجال، فقط، يمثّلون أوطاننا العربية، يتشاوفون برجولتهم، بعضلاتهم، بطلاتهم الوسيمة، ويمتعون أنظارهم بأجساد المتباريات العالميات اللواتي يرفعن اسماء دولهم، ورأس كل من انتسب إليهن من بعيد أو قريب، بينما نساؤنا العربيات مغيّبات قسراً، بسبب ألف كذبة وكذبة.

هنا في أستراليا، نجد أن الشوارع الضخمة لا تطلق على اسماء الزعماء السياسيين، مهما علا شأنهم، بل على أسماء الرياضيين والرياضيات الذين حصدوا الذهبيات والفضيات والبرونزيات لشعبهم الأسترالي، إذ أن المربح للشعب قبل أن يكون للفرد.

صحيح أن بعض الفتيات العربيات كسرن طوق العزلة، وقفن وقفة الأبطال، خضن المباريات الألومبية وفزن بالذهب، ولكن ماذا كانت النتيجة؟.. منهن من رموهن بالبيض والبندورة ـ الطماطم لدى عودتهن إلى ديارهن متوجات بالغار الألومبي، ومنهن من ألقيت عليهن لعنة رجال الدين بسبب ارتدائهن الشورت. تصوروا امرأة تسابق رفيقاتها بالشرشف والشادور والعباءة المطرزة!.. إنها مهزلة لن ينقذنا منها إلا الله تعالى، الذي باسمه نهان، وباسمه نحجب عن العظمة.

دولة فقيرة مثل اليونان، تستضيف الألعاب الألومبيّة، التي انطلقت منها أساساً، وتعمل على استرجاع أمجادها الرياضية والتاريخيّة، وما من دولة عربيّة، رغم البترول والمال، تقدّمت بطلب استضافة هذه الألعاب المربحة، التي تضخّ الذهب الأصفر والأسود في اقتصادها، وتنعش حالة شعوبها الإجتماعيّة والرياضية، وتبيّض صفحتنا السوداء جداً جداً أمام أعين الناس والتاريخ.

سيقول قائل: الأمن في بلادنا العربية مفقود، أي أن الحياة مصادرة إلى حين، ولا يجوز تعريض حياة الرياضيين للخطر. فتجيبه الأحداث المتتالية: وهل الأمن موجود في أثينا، أو سيدني، أو لوس أنجلوس أو سيول أو موسكو أو غيرها؟ العالم كله يعيش حالة غليان محزنة ومميتة، ولكن الشعب الذي يريد الحياة، لا بد أن يستجيب له القدر، على حدّ تعبير شاعر الأمل المرحوم أبي القاسم الشابي.

يجب أن نستعين بكبار المدربين العالميين بغية تدريب فتياننا وفتياتنا معاً على كافة الألعاب الرياضية، وأن نخصّص ميزانية كبرى لذلك، تماماً كما تفعل الدول الراقية، وإذا عجزنا عن إقناع اللواتي يعشن في الداخل، بسبب الحظر المفروض عليهن، علينا الاستعانة بالفتيات العربيات اللواتي يعشن في الخارج، ويقدن السيارات، ويذهبن إلى السينما، ويتمتعن بحريتهن الكاملة. عندئذ نقف على المدرجات الرياضية، ونهتف لشبابنا وبناتنا معاً، وهم يمرّون أمامنا، بأعداد كبيرة، حاملين أعلام دولنا العربية، أو وهم يتبارون مع الفرق العالمية التي يجب أن لا نقل عنها خبرة واحترافاً. وإلاّ، فلنقاطع الألعاب الأولمبية عن بكرة أبيها، حتى لا يظهر رجال أمتنا العربية التعيسة في وفود لا يتعدى عددهم فيها عدد أصابع اليد، وبدون نصفهم الأجمل، ونصبح مضحكة القرن الحالي.. والمقبل.

آن الأوان كي نصبح ناساً كباقي الناس. ألا تعتقدون ذلك؟

[email protected]

أستراليا