كانت جدتي تقول لي ولاخوتي: أميركا أم الدنيا.. وكنّا نضحك من عبارتها هذه ونصرخ: قولي لها أن تزودنا بالحليب حتى نرضع. ولـم تكن جدتي تدري أن أميركا ستتخلى عن أمومتها وتتحوّل إلى جاسوس عالمي يقدر أن يسمع ويفهم كل كلمة نتلفظ بها!.. فإذا قلت لزوجتك عبر الهاتف: أنا أحبّكِ.. سمعتها أميركا مترجمة: I love you ..
فقاعدة (يوركشاير) تحتوي على آلتين مبرمجتين كومبيوتيرياً لترجمة كل لغات الأرض الحيّة.. والشاطر يفتح فمه!
الأوروبيون بدأوا يشعرون بالخطر اللآتي من هذه المراقبة، وها هو مستر غلين فورد (البريطاني أباً عن جد) يعلن أن الأميركيين يراقبون أوروبا.
إذن، أصبحت فاكساتنا، بريدنا الإلكتروني، ومكالماتنا الهاتفية مكشوفة ومسجلة ومترجمة ومفهومة عند الأميركيين.. (ولا أستبعد انهم يقومون ببيع ما يحصلون عليه، وعلى ذلك فان اسرارنا وميولنا الشخصية وكذلك اتجاهاتنا معرضة للبيع والتبادل).. على حد قول صديقنا الغالي غلين فورد.
الجهاز العملاق (أكيلون) يبدأ بترجمة المكالمة او الرسالة إذا كانت بلغة مختلفة.. بينما العملاق الآخر (آراتوري) فيبدأ بتحويلها إلى نص مفهوم يرسله إلى الأجهزة الأميركية المختصة.. (وهي عملية تكنولوجية لا يملكها إلا الأميركيون) كما قال فورد.
وما إطلاق القمر الصناعي Early Bird 1 إلا دعم للمشاريع التجسسية التي تنتهجها الادارة الاميركية، وتلبية لاحتياجات القواعد العسكرية الاميركية المنتشرة في العالـم للمعلومات السريعة والفعّالة.. وها هو السيد فورد يقول: ( كانت القواعد العسكرية عامة مقبولة في الماضي، عندما كانت هناك أخطار، لكنها تزامنت الآن مع تقدم تكنولوجي تملكه الولايات المتحدة وحدها، وهو تقدم حولها إلى وحش الكتروني، بل عصا يومية فوق رؤوسنا وتجارة تجسس جماعية).
شاهدنا في بعض الأفلام السينمائية التي تنتجها هوليوود أن باستطاعة أميركا أن ترى كل ما يتحرك على الأرض من خلال أقمارها الصناعية.. فإذا كنت تقود سيارتك مثلاً، وأرادت أميركا أن تعرف من بداخلها، لتمكنت من ذلك في لحظات.. وصدقوني أن ملايين الدولارات التي تصرفها أميركا لتشغيل قواعدها الجويّة المنتشرة فوق الأراضي الأسترالية والأوروبية والآسيوية، ما كانت لتصرف لولا المداخيل الكبرى التي تجنيها (أم الدنيا) من بيع المعلومات التجسسية المختلفة.. (مما يعني اتجاهنا الى واقع مستقبلي قريب تصبح معه الولايات المتحدة محتكرة للاسرار والمعلومات او تبيعها لمن يرغب، وهي تجارة القرن المقبل) حسب ما ورد على لسان النائب الانكليزي فورد.
فورد ليس وحده في المعمعة بل انضم إليه العديد من النواب الاوروبيين الخائفين على حرية اوروبا.. ولكن لو كان الامر يتعلق بحرية آسيا أو أفريقيا أو أوقيانيا هل كان السيّد فورد سيحرك ساكناً.. هذا ما نجهله، ويجهله معنا كل متفهم للامور السياسية في العالـم.
اخيراً، انني أتأسّف لعدم وجود فاكس أو تلفون أو بريد الكتروني عندما قالت جدتي عبارتها الشهيرة: أميركا أم الدنيا.. لأنها لو قالتها اليوم لوصلت إلى أذن العم جورج بوش مترجمة على هذا النحو: America is the mother of the world ولكان، رحمه اللـه قبل أن يموت، أنعم على جدتي بوسام أو بوظيفة أو بسيارة فورد بو دعسة نركبها ونريح الحمار (التاكسي) المربوط طوال النهار تحت الشجرة بانتظار كلمة (حا.. هش).
سؤال يطرح نفسه : هل بإستطاعة أميركا ترجمة لغة (حا.. هش) التي نتكلمها مع حميرنا إلى الانكليزية؟!.. بالطبع لا.. لأن هذه اللغة لـم تدخل بعد عالـم الكومبيوتر والشيفرة.. فقولوا معنا: الحمد للـه.. أسرارهم مكشوفة وأسرار حميرنا مستورة.

أستراليا